08-نوفمبر-2022
المفكر العربي عزمي بشارة (المركز العربي للأبحاث)

المفكر العربي عزمي بشارة (المركز العربي للأبحاث)

قال المفكر العربي عزمي بشارة، في محاضرة نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات اليوم الثلاثاء، إن ما عرفته الانتخابات الإسرائيلية، ليس استقطابًا بين يمين ويسار، ولكن بين معسكري يمين يختلفان على شخصية بنيامين نتنياهو وليس على مواقفه الأيدولوجية. فيما اعتبر أن الانقسام بين الأحزاب العربية جاء نتيجة لخلاف حول الموقف الأخلاقي بشأن التحالف مع استعمار استيطاني ينهب أرض الفلسطينيين.

أوضح عزمي بشارة أن النتائج لم تظهر انتقالًا نحو اليمين، ولكن داخله، مشيرًا إلى أن الصعود اللافت للصهيونية الدينية والحركات اليهودية جاء على حساب فئات يمينية معارضة لنتنياهو

وأوضح عزمي بشارة أن النتائج لم تظهر انتقالًا نحو اليمين المتطرف، ولكن داخله، مشيرًا إلى أن الصعود اللافت للصهيونية الدينية والحركات اليهودية جاء على حساب فئات يمينية معارضة لنتنياهو، وكعقاب لها على الاعتماد على أصوات نواب عرب من أجل تشكيل تحالف حكومي.

ووضح المفكر العربي السياق الأوسع الذي تطورت فيه هذه التيارات الصهيونية الدينية في إسرائيل، وهي أحزاب فاشية قومية دينية، بدأت تبرز بشكل أساسي منذ احتلال عام 1967. حيث تم النظر إلى الحرب كمعجزة دينية، ما ترك قبولًا لدى هذه الأوساط بقومنة الدين، وبالصهيونية نفسها التي كانت تكفرها في وقت سابق. كما أصبح هناك قبول بفكرة الخلاص الصهيوني، أي إنشاء دولة قومية لليهود، الذي كانت هذه الفئات تنظر له كتدخل في المشيئة الإلهية، بدلًا من الخلاص الديني.

وحسب صاحب "من يهودية الدولة حتى شارون"، فإن احتلال الضفة الغربية ساهم أيضًا في توحيد أرض إسرائيل التوراتية ودولة إسرائيل. كما أن هذا الصعود ليس عرضيًا، بل يرتبط ببنية الدولة في إسرائيل، حيث لا يوجد تمييز بين الأمة والقومية. فالأمة اليهودية هي الديانة اليهودية، ومن ينتمي للديانة اليهودية هو جزء من الأمة.

وفي توضيحه لسياق صهينة الدين وتديين الصهيونية، شرح بشارة أنه في البداية، كان من أقاموا دولة إسرائيل والحركة الصهيونية واقتلعوا الفلسطينين، علمانيين عمومًا و غالبًا اشتراكيين. لكن جزءًا ممن استوطنوا في فلسطين قاموا بقومنة الدين اليهودي، فأصبح الحل بالنسبة لهم مرتبطًا بإقامة دولة قومية وليس الاندماج في الصراع الطبقي أو في الديمقراطيات الغربية.

فيما كانت الحركات الدينية المتشددة مهتمة بالحفاظ على الهوية الدينية اليهودية، ما تجسد  من خلال الغيتوهات في أوروبا. واعتبر هؤلاء في البداية الصهيونية كفرًا، لأنها علمانية وشيوعية، ولأنهم اعتبروها تدخلًا في عمل الله، فالخلاص يجب أن يكون إلهيًا. لكن صهينة هذه الحركات، حولت من يكفرون الصهيونية إلى أقلية.

وإضافة إلى حصول الحركات الأصولية الدينية والقومية في نفس الوقت على 8 مقاعد إضافية، انتقلت من حزب البيت اليهودي بشكل أساسي، كان هناك انتقال آخر. والحديث هنا عن خسارة محور غانتس وساعر لمقعدين لصالح الليكود، جاء وفق تقدير المفكر العربي نتيجة تصاعد المقاومة الفلسطينية المسلحة. حيث يتشكل هذا المحور من رؤساء أركان، ترتبط دعايتهم بالأمن على نحو خاص.

وفي توضيح لخريطة التحالفات السياسية، أشار بشارة إلى اختفاء اليسار الصهيوني، لصالح أحزاب أخرى ورثته، وتحديدًا حزب "يوجد مستقبل"، وهو ليس حزبًا يساريًا كما يعتقد البعض، بل يمين حقيقي اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا، يتميز بأنه يمثل الطبقات الوسطى في المدن التي تريد عيش حياة علمانية فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، وتؤيد  الأحزاب اليمينية الليبرالية، والسلام لكن بشروطها.

وأشار بشارة إلى حصول هذا الحزب بقيادة لابيد على مقاعد إضافية على حساب اليسار الصهيوني المنحسر، وليس الأحزاب العربية، كما تدعي بعض الاتهامات، معتبرًا أنها "افتراءات وأكاذيب"، وأن قسمًا من الأحزاب العربية مستعد للتحالف مع معسكر لبيد اليميني.

وفيما يتعلق بالاستقطاب حول ننياهو، أكد بشارة أن الخلاف هو حول شخصيته وليس مواقفه، مشيرًا أن الأحزاب اليمينية العلمانية، إسرائيل بيتنا والمعسكر الرسمي بقيادة غانتس وساعر، والبيت اليهودي بقيادة بينيت، كان قادتها قد عملوا مع نتنياهو، وكانوا مدراء مكتبه، قبل أن يؤسسوا أحزابًا ضده. وبالتالي فإن هناك خلاف على الشخص نفسه وليس سياساته، إضافة إلى موقف من تهم الفساد تجعل بعض أحزاب اليمين العلماني تعتبر أنه لا يجوز أن يكون حاكمًا بموجب القيم الصهيونية. كما أن هناك خلافات على تفرده بالحكم، وإبعاده أي شخص صاحب موهبة يصعد.

أما بالنسبة لمشاركة العرب في الداخل في الانتخابات الإسرائيلية، أشار المفكر العربي إلى أن هناك التباسات عديدة دائمًا حول هذه المشاركة. حيث إن شح المعلومات وسياسات التجهيل من قبل الأنظمة العربية التي استثمرت في فلسطين كخطاب أيدولوجي فقط، يهيمنان على المعرفة بشأن أوضاعهم. وفي هذا السياق سيطرت تعميمات حولهم، منها اعتبار أنهم خونة لأنهم يحملون الجنسية الإسرائيلية، دون فهم ما يعنيه حمل الجنسية الذي ليس خيارًا. كما تم اعتبارهم أبطالًا في مراحل أخرى، بحكم بقائهم في أرضهم. لكنهم كما يشير بشارة، شعب مثل أي شعب، فيهم وطنيون وفيهم من يصوت للأحزاب الصهيونية، وفيهم يسار ويمين.

فيما يتعلق بالانتخابات، فإن نسبة مشاركة عرب الداخل في الانتخابات الأخيرة تراوحت بين  53% و 54%، بينما كانت نسبة التصويت عند اليهود حوالي 70.5 بالمئة. وشاركت ثلاث قوائم عربية في الانتخابات حصلت سويًا على 10 مقاعد.

وفي توضيحه لسياق الاصطفاف داخل الأحزاب العربية، بين بشارة أن الفترة التي تلت 2021 عرفت خلافًا. حيث إنه وبعد الانتخابات في إسرائيل، قرر معظم الأحزاب العربية التوصية على غانتس ضد  نتنياهو. وكانت هذه خطوة غير مسبوقة لأن الأحزاب العربية دأبت على ألا ترشح أحدًا وتحافظ على هويتها الوطنية وتكمل نضالها. لكن كان من أهم أسباب الخطوة الأخيرة التطبيع العربي مع إسرائيل. حيث أثر معنويًا بشكل كبير على الفلسطينيين في الداخل.

وأكد بشارة أن هذه التوصية كانت بلا شك خطأ كبيرًا أخلاقيًا أولًا، وهو أمر مفروغ منه. مشيرًا إلى أن الأخلاق هي قضية وجودية، ترتبط بأي مجتمع نريد أن ننشئ، وليست من الكماليات. إنها متعلقة بالهوية الفلسطينينة والتعامل مع استعمار استيطاني يسلب أرضك. لكن هذا الخطأ كان مرتبطًا أيضًا بالحسابات البراغماتية التي ليس لها أساس من الصحة، لأن الأحزاب الصهيونية لن تقبل المساومة على أي شيء يتعلق بيهودية الدولة، وسيبقى الفلسطيني غريبًا.

لتوضيح ذلك، عدد بشارة نوعين من المواطنة في إسرائيل، في التعريف الأول أو القانون التأساسي لها، وهي المواطنة الجوهرية، التي تضم كل اليهود في العالم، والمواطنة العرضية، التي تضم من تعتبر إسرائيل أنهم بقيوا في أرضهم عرضًا.

ومما يدل على عبثية خيار التوصية، أن الحزب الذي اعتمد عليها من نواب عرب سقط في الانتخابات الأخيرة في إسرائيل. كما أن رئيس الوزراء السابق، يتسحاق رابين، عندما استخدم أصوات خمس نواب عرب للحصول على أغلبية للتصويت على مصير مستوطنة كانت ستحدد اتفاقيات السلام، قُتل.

إضافة إلى ذلك، لم يستفد العرب بعد دخول بعض الأحزاب في التحالف الحكومي، ولم يحصل أي تغير جوهري على أوضاعهم. فما حصلوا عليه حصلّوه بالنضال والصمود وليس المساومة.

وضح المفكر العربي السياق الأوسع الذي تطورت فيه التيارات الصهيونية الدينية في إسرائيل، وهي أحزاب فاشية قومية دينية، بدأت تبرز بشكل أساسي منذ احتلال عام 1967

وفيما يتعلق بحزب التجمع الديمقراطي، أشار بشارة إلى أنه خاض الانتخابات لوحده، وفاجأ الجميع بأصواته خلال شهر فقط. وبالنسبة لهذه الفترة القصيرة، فإنه حقق إنجازًا يصلح لبناء الحركة الوطنية مستقبلًا. وفي حين كانت الأحزاب الأخرى مستعدة للدخول في تحالف علماني أو تحالف علماني ليبرالي، فإن التجمع  اليوم يرفض أي توصية ويناضل من أجل الحفاظ على الهوية الوطنية.