07-نوفمبر-2022
المفكر العربي عزمي بشارة (يوتيوب)

المفكر العربي عزمي بشارة

أجرى التلفزيون العربي مساء يوم الأحد مقابلة مع المفكر العربي عزمي بشارة حول نتائج الانتخابات الإسرائيلية وارتداداتها. وتناول اللقاء 3 عناوين رئيسية هي على التوالي: فوز الأحزاب الصهيونية اليمينية المتطرفة في الانتخابات الإسرائيلية ودلالاتها في السياق الراهن. وفي علاقة بالمحور الأول تناول المحور الثاني من المقابلة تقييمًا معمّقا لمشاركة فلسطينيي الداخل في الانتخابات والمسائل التي ينبغي أن تكون أولويات بالنسبة لهم الآن. في حين تعرّض المحور الثالث من اللقاء لانعكاسات عودة نتنياهو إلى مشهد الحكم على الفلسطينيين وعلى مسار التطبيع العربي مع دولة الاحتلال.

أكّد المفكر العربي عزمي بشارة أن ما عكسته نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية هو بالمجمل انتقالات داخل اليمين المتطرّف، وبالتالي فإن ما حصل لا يعبّر عن تحوّل كبير

وإجابة على سؤال كيف انتصر اليمين والقوى الدينية الصهيونية في انتخابات الكنيست، أكّد المفكر العربي أن ما عكسته نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية هو بالمجمل انتقالات داخل اليمين المتطرّف، وبالتالي فإن ما حصل لا يعبّر عن تحوّل كبير. وفي هذا الصدد اعتبر مؤلف كتاب "من يهودية الدولة حتى شارون" أن إسرائيل تعرف انزياحًا مستمرًا نحو اليمين منذ 1967. وأن مقتضى هذه النتائج الأخيرة هو فقط تغيير في الترتيبة داخل اليمين المتطرف الإسرائيلي.

لكن لعلّ ما يشكّل معطى جديدًا في نتائج هذه الانتخابات هو صعود الأحزاب الدينية الصهيونية، والذي جاء نتيجة لتدين الصهيونية وتصهين الأحزاب الدينية الأرذودكسية. وهو تحول تدريجي جاء كعاقبة لسياسات الأمننة المتطرفة في إسرائيل، وكذلك ما أحدثه احتلال عام 1967 من توحيد دولة إسرائيل وأرض إسرائيل التوراتية، وما جاء مع ذلك من أبعاد دينية.

وأشار بشارة في هذا السياق أيضًا أن نتائج الانتخابات الإسرائيلية أكدت أن اليسار الصهيوني يذوب ويتلاشى ويختفي من المشهد، حيث أصبح المعظم الأعم من الأحزاب الموجودة من اليمين المتطرف.

وفيما يتعلق بالتباينات داخل معسكر اليمين المتطرف الذي يهيمن على الحياة السياسية الإسرائيلية، اعتبر بشارة أن الخلاف الرئيسي هو على شخص نتنياهو  وليس على سياساته، فاثنان من زعماء أحزاب اليمين المتطرف المعارض لنتنياهو عملا سابقًا مدراء لمكتبه في إشارة إلى ليبرمان وبينيت، وبالتالي فموقفهما المعارض لنتنياهو هو موقف من شخص نتنياهو الذي يبدو شخصية منفّرة واستحواذية في تعامله مع الآخرين ومستعد دومًا للكذب من أجل البقاء في السلطة.

وحول التحالف الذي سيشكل الحكومة بقيادة نتنياهو ويمثل طرفاه الليكود والأحزاب الدينية المتطرفة، رأى فيه بشارة لقاءً واعيًا بذاته بين الصهيونية والدين". فنحن حسب بشارة أمام "صهيونيةٍ تديّنت ودينٍ تصهينَ"، يمثله بشكل سافر ولا لبس فيه هذا المعسكر المتمثل في نتنياهو وإيتمار بن غفير وبتسلال سموتريتش. فبن غفير الذي يطالب نتنياهو بحقيبة الأمن العام معروف بكونه شخصية استيطانية استفزازية شارك في اقتحام الأقصى مرارًا ويعادي أي وجود للعرب في إسرائيل ويرفض التنازل عن أي شبر من الأرض لصالح الفلسطينيين، وشارك في التحريض على اغتيال رابين. أما زعيم معسكر الصهيونية الدينية سموتريتش الذي يطالب بتولي وزارة الدفاع فيقدّم صورة عن التعصّب الديني الأعمى الذي يطالب بإخضاع المجتمع لتعليمات الشريعة اليهودية.

ومع ذلك سيواجه معسكر الصهيونية الدينية تحديات داخلية خاصة في سعيه إلى إملاء توجهاته الدينية على المجتمع "العلماني" في إسرائيل، والتدخل في قوانين الأحوال الشخصية، "عبر إحداث ثورة قضائية تعلي من شأن أحكام الشريعة اليهودية على حساب القوانين الوضعية"، والعمل على تجريد المحكمة العليا من صلاحيات مراقبة القوانين التي يصدرها الكنيست والنظر في دستوريتها، فالأحزاب الأرثذوكسية الدينية تريد حياة بموجب الدين اليهودي.

وحول ما إذا كانت هذه المطالب ستشكل عقبة أمام نتنياهو في تشكيل حكومته، يرى عزمي بشارة أن نتنياهو أصبح أكثر يمينية وتطرفًا وكذبًا مما كان، وتحالُفه مع المستوطنين أكثر وثوقًا، وبشكل عام فاليمين واليمين المتطرف لن يفوّتا فرصة الائتلاف، وإذا لم ينجحوا ثمة خيار آخر وهو اليمين المتطرف المعارض لنتنياهو ممثلًا في لبيد والجنرالات، لأن الخلاف بين أطراف اليمين ليس حول جوهر السياسات، وقوى اليمين تعتبر أن نتائجها الحالية فرصة تاريخية ينبغي أن لا تفوّت.

تقييم المشاركة العربية

في المحور الثاني من المقابلة قدّم عزمي بشارة تقييمًا للمشاركة العربية التي تمّت عبر 3 قوائم منفصلة ومتنافسة، وأسفرت عن نتائج عادية مقارنة بالنتائج التي حققها العرب في اللائحة الموحدة 2015. وهنا أشار بشارة إلى أن نسبة المشاركة العربية التي بلغت 53% منخفضة وإن كانت أحسن من نسبة المشاركة في الانتخابات السابقة التي كانت في حدود 45%، حيث اعتبر أن فلسطينيي الداخل لم يستغلوا كل إمكانياتهم للتأثير من أجل قضاياهم والقضايا المتعلقة بفلسطين عمومًا.

وأثبتت نتائج القوائم العربية المشاركة حسب المفكر العربي أن خيار المشاركة في الائتلاف الحكومي  لم يحقّق شيئًا عكس ما كان يتوقعه المدافعون عنه، لأن التمييز في إسرائيل بنيوي. بل قادت المشاركة في الحكومة الإسرائيلية إلى نتائج عكسية حيث تعززت شوكة اليمين المتطرّف الرافض للعرب  والذي استخدم في دعايته ورقة دخول العرب في حكومة بينيت ولابيد. ففي دولة ترى نفسها يهودية يؤدي هذا السلولك إلى ضده، وهو ما تجسّد في رد فعل عنيف وعنصري من الشارع الإسرائيلي برفع نسبة اليمين.

فضلًا عن ذلك، فالدخول في ائتلاف حكومة الاحتلال مثّل كسرًا للثقافة السياسية والتربية التي يفترض أن تقوم الحركة الوطنية بها لصالح كوادرها، كما يشكّل الانضمام إلى معسكر صهيوني كسرًا أخلاقيًا مع الهوية الوطنية واشتراط الحقوق بالولاء السياسي. علمًا بأن فلسطينيي الداخل حصلوا على حقوق كثيرة وتطورت أوضاعهم دون المشاركة في الحكومات الإسرائيلية بل عبر خوض النضال والدخول في البرلمان الذي كان تسوية لا بدّ منها. ولذلك كان الموقف السليم هو رفض المشاركة في الائتلافات الحكومية الإسرائيلية ولو ترتّب عليها انقسام وتنافس سياسي.

وحول النتائج التي حصل عليها حزب التجمع الوطني والتي بلغت حوالي 140 ألف صوت، وكانت دون نسبة الحسم، فهي تمثل نتيجة إيجابية حسب بشارة، فقد أرجع حزب التجمع الحياة للحركة الوطنية الفلسطينية في ظل ظروف صعبة يمر بها الحزب والمطلوب الآن المحافظة على تلك النتيجة والاستمرار في النضال.

وأشار بشارة في هذا المضمار إلى أن حصول الحركة الإسلامية الجنوبية التي تعلن سياسة الدخول في الائتلافات الحكومية على المركز الأول، مؤشر على  أن "وهم المشاركة في الحكومات الصهيونية وممارسة التأثير من داخلها" مازال له أساس، وهذا يتطلّب جهدًا أكبر من طرف الحركة الوطنية لإثبات تناقضه واستحالته.

وفي المحور الأخير الذي تناول علاقة الحكومة التي سيشكلها نتنياهو مع السلطة الفلسطينية وقضايا المنطقة والدول العربية المطبّعة، اعتبر بشارة أننا  وصلنا لوضع مزر لم تعد فيه الحكومات الإسرائيلية مستعدة للجلوس مع قيادة السلطة بأي شرط. وفي هذا الصدد اعتبر أن نتنياهو لن يكون أفضل من بينيت الذي كان يرفض الجلوس مع عباس، مرجحا زيادة الضغط عليها أكثر في ظل تفجر الأوضاع في الضفة الغربية.

وحول العلاقة التي ستربط نتنياهو مع الولايات المتحدة، فبغض النظر عن نتائج الانتخابات النصفية فإن بايدن أضعف مما كان، وفي ظل استبعاد التوصل لاتفاق نووي مع إيران، سيحرص نتنياهو على عدم إغضاب بايدن خاصة أن علاقته مع ترامب تُغضب جزءًا كبيرًا من اليهود الأمريكيين. وعلى الرغم من حقيقة أن إدارة بايدن كانت تفضل مجيء شخص غير نتنياهو إلى رئاسة الحكومة فإن العلاقة بين واشنطن وتل أبيب تحالف عابر للأشخاص ولن تتأثّر.

أرجع حزب التجمع الحياة للحركة الوطنية الفلسطينية في ظل ظروف صعبة يمر بها الحزب حسب بشارة، والمطلوب الآن المحافظة على تلك النتيجة

وفيما يخص ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، يميل المدير العام للمركز العربي للأبحاث للاعتقاد أنه لن يتأثر لأن ما جرى يضمن "مصلحة إسرائيل" ولا أحد في إسرائيل يقول بأنه هزيمة لها، وما أثير خلال الانتخابات من لغط وغمز كان للدعاية الانتخابية لا أقل ولا أكثر، وبعبارة أخرى مجرد "ضجيج انتخابي". وأخيرًا فيما يخص إيران، يرى بشارة أن نتنياهو سيواصل خط سابقيه مع طهران ولن يكون معنيًا بأي اتفاق معها حول برنامجها النووي، وسيواصل سياسته القائمة على نقل الحرب داخل إيران.