12-نوفمبر-2019

المفكر العربي عزمي بشارة

الترا صوت - فريق التحرير

أجرى المفكر العربي، عزمي بشارة، حوارًا مطوّلا مساء يوم أمس الإثنين مع التلفزيون العربي تطرّق فيه بالتحليل والتقييم للحراك الاحتجاجي العربي الراهن في كل من العراق ولبنان والجزائر والسودان. وأهمّ ما ميّز حراك العام 2019 من منظور عزمي بشارة أنه حراك مدني تتصدّر الديمقراطية مطالبَه الشعبية.

لفت عزمي بشارة إلى خصوصية فريدة من نوعها في الحراكين العراقي واللبناني تتمثّل في قيام جمهور واسع، وهو جمهور المحتجين، بربط الفساد بالطائفية

العراق ولبنان.. انتفاضات عابرة للطوائف

في بداية حواره لفت المفكر العربي عزمي بشارة الانتباه إلى خصوصية فريدة من نوعها في الحراكين العراقي واللبناني تتمثّل في قيام جمهور واسع، وهو جمهور المحتجين، بربط الفساد بالطائفية، وهذا الربط حسب بشارة يعبر عن منسوب وعي كبير يُمكن معه وصف هذا الحدث الاحتجاجي بكونه ثورة ثقافية. فالنظام الطائفي في حقيقته هو نظام يتعامل مع الدولة كغنيمة، والنخب الطائفية التي تدّعي أنها تمثل الطوائف إنما تقوم بالنهب باسم تلك الطوائف، وهو ما بدا جليًا بإحلال الولاء الطائفي تدريجيًا محلّ الكفاءة، وفي تشكّل شبكات زبائنية حول الزعامات الطائفية تتقاسم كل شيء فعليًا وأخيرًا تحول بعض الأسر إلى سلالات حاكمة، ومع هذه الملامح المميزة للنظام الطائفي من الصعب تصور الوضع بخلاف ما هو عليه من فساد.

اقرأ/ي أيضًاانشغال عزمي بشارة بـ"المسألة العربية".. ما بعد قشور الراهن العربي

 وهذا ما يبدو أنّ اللبنانيين والعراقيين قد اقتنعوا به أخيرًا، وترجموا قناعتهم تلك من خلال تحدي النظام الطائفي القائم. ويؤكّد هذا الأمر بحسب عزمي بشارة قدرة شعوب دول المشرق العربي في الثورة على الطائفية من جهة والنزول إلى الشارع من دون أن تنقسم طائفيًا من جهة ثانية. والسبب في ذلك يكمن ببساطة في الالتفاف حول هوية وطنية جامعة اكتشفها اللبنانيون والعراقيون في احتجاجهم.

في العراق اعتبر عزمي بشارة أن الطائفية لم تصبح ثقافة سياسية راسخة بعد خلافًا للبنان، وكون غالبية المتظاهرين "شيعة" هو دليل على نفي البعد الطائفي، هذا فضلًا عن مشاركة كل مكوّنات المجتمع في ميادين الاحتجاج بسبب الفساد المستشري ومستويات البطالة والفقر غير المسبوقة في بلد هو الخامس عالميا في إنتاج النفط، ومع ذلك استُخدمت فيه الطائفية لتبرير الفقر وهو ما لم يعد مقبولًا.

يستنتج بشارة من الحالة العراقية تجاوز المحتجين للهويات الطائفية وهو ما يسمح بتبلور هوية وطنية مع وجود قوميتين عربية وكُردية. لكن بشارة أشار إلى مجموعة من التحديات تواجه الحراك العراقي تتمثل في بلورة البديل المدني للنظام الطائفي، فحل الحكومة والذهاب لانتخابات جديدة لن يقود إلى أي تغيير مع استمرار النظام الانتخابي الحالي. وبالتالي فعلى الحراك، حسب عزمي بشارة، أن يطرح البديل من خلال إبراز قوى منظّمة تطرح مشروعًا متكاملًا للتغيير والخروج من نظام المحاصصة الطائفي. وقد أشار بشارة في هذا الصدد إلى مسألة مهمة تتمثّل في أن الدستور العراقي بحد ذاته مبني بناء ديمقراطيًا لكن الأحزاب تستغل هذه الديمقراطية لصالح الطائفية والتمثيل الطائفي الذي يسمح به النظام الانتخابي الحالي، وبالتالي ينبغي أن يبدأ التغيير من هذه النقطة سياسيًا.

أما بشأن مسألة التدخل الخارجي في احتجاجات العراق فيرى بشارة أن شرعية تدخل إيران قد ضربت بالكامل، فشعارات المحتجين كانت واضحة في رفض الوصاية الإيرانية التي تمّت بصفقة مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد الإطاحة بحكم صدّام حسين.

شعار "نريد وطن" الذي رُفع في احتجاجات ميدان التحرير يعني حقيقة المطالبة بدولة لا تخضع للوصاية، أي ذات سيادة. ويعتبر بشارة أن هذا هو العطب الحقيقي للنظام الذي هندسه بول بريمير عشية الإطاحة بنظام البعث. ولا سبيل إلى الخروج من هذا الواقع إلا بتبلور هوية وطنية وإجماع حقيقي حول الدولة وهذا ما يجسّده الشباب الثائر اليوم في العراق.

في الحالة اللبنانية اعتبر عزمي بشارة أن ما يحدث في لبنان هو ثورة بالمعنى الواسع للكلمة لناحية المشاركة الشعبية وتحدي النظام الطائفي والثقافة والعقلية السياسية السائدة، لكن هذا الحدث في الوقت نفسه ليس ثورة بمعنى تغيير نظام واستبداله بنظام جديد كنتيجة لهذه الثورة لأن النظام في لبنان تعددي، طائفي سياسيًا يشهد انتخابات بشكل مستمر، وبالتالي لا ينتج عن الثورة هنا قلب لطبيعة النظام بالمفهوم الضيق للثورة.

 لكن أهم ما يلفت الانتباه في هذا الحراك حسب بشارة هو بروز جيل غير منقسم أيديولوجيًا تُحرّكه القيم والأخلاق بشكل رئيسي، جيل متحالف قيميًا ولا يرى خلاصًا في المحاصصة الطائفية. بشارة تعرّض أيضا لدور وموقع حزب الله في هذه السيرورة الثورية باعتباره حزب سلطة اليوم وأنّ علاقته الوطيدة بالتيار العوني لا يمكن تفسيرها إلا بكونها تحالفًا طائفيًا. وفي معرض حديثه عن الحلول التي يمكن طرحها في الحالة اللبنانية اعتبر أن نظام النسبية في الانتخابات وتحويل لبنان إلى منطقة بدل المناطق الطائفية هي حلول عملية لإحداث تحول في النظام السياسي.

الجزائر والسودان أي مستقبل للانتقال الديمقراطي؟

هل لدى الجيش طموح سياسي في الحالتين الجزائرية والسودانية؟ هذا هو السؤال المركزي بالنسبة لعزمي بشارة في الجزائر والسودان. وفي هذا الصدد يعتبر عزمي بشارة أن وجود فراغ دستوري أو سياسي ستكون نتيجته تدخل الجيش مستندا إلى شرعيته. أكّد عزمي بشارة على استنتاجه الرئيسي حول الثورات العربية بأنها ثورات إصلاحية وبالتالي فهي أكثر قابلية للديمقراطية، لأنها لم تطرح بديلًا وطالبت النظام فعليا بإصلاح ذاته، والحراك الجزائري حسب عزمي بشارة أكثر من يؤكّد ذلك، في ظل عدم وجودة قيادة أنتجها الشارع، لكن أكثر شيء يهدد هذا الحراك هو حالة الفراغ في ظل عدم استعداد الجيش لأن يكون معنيًا بأي حوار مع أطراف المشهد بدعوى أن خوض الانتخابات هو المخرج.

اقرأ/ي أيضًاعزمي بشارة.. في تشريح الإرهاب

بالنسبة للسودان فإن ما حدث من اقتسام السلطة بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري هو التسوية الوحيدة التي كانت ممكنة، لأن المسار البديل كان يتمثل في الحرب الأهلية، وبالتالي فالتسوية التي تمت هي تسوية براغماتية معقولة لأنه ليست هنالك مظاهرات تنتصر على الجيش، لكن عزمي بشارة اعتبر أيضًا أن هذه التسوية بحد ذاتها ليست ضمانة بالمرة أمام عدم عودة الجيش للحكم بعد انقضاء الفترة الانتقالية. لأن المسار في السودان ليس مبنيا على خطة انتقال ديمقراطي وبالتالي لم تُحسم بعد مسألة تنازل الجيش عن الحكم ولجم طموحه في لعب دور سياسي مستقبلي في ظل وجود قيادات عسكرية ذات طموح سياسي واضح.

أهم ما يلفت الانتباه في الحراك اللبناني حسب بشارة هو بروز جيل غير منقسم أيديولوجيًا تُحرّكه القيم والأخلاق بشكل رئيسي

وبالتالي يعتبر المفكر العربي أنه لا بد من عمل حثيث ودؤوب لقطع الطريق أمام عودة الجيش للحكم. بناء على هذا التشخيص اختصر عزمي بشارة تحديات السودان في ثلاث مسائل هي: الطموح السياسي غير المحسوم للجيش ووجود قوى سياسية خارج التسوية: الشيوعيون والإسلاميون. إضافة إلى ملف الحركات الانفصالية.

 



اقرأ/ي أيضًا:

كيف نفهم التطبيع اليوم من خلال أفكار عزمي بشارة؟

عزمي بشارة في الذكرى الخمسين للنكسة.. مقاربة جديدة لهزيمة 1967