26-ديسمبر-2017

مواجهات في الضفة الغربية مع الاحتلال (Moment Magazine)

تتزايد النقاشات في الفترة الأخيرة عن مآلات ومسارات التطبيع العربي الرسمي مع إسرائيل، وأسباب هذا التطور الملحوظ في حدته، خاصة مع دخوله إلى مرحلة جديدة، تقودها الإدارة السعودية الجديدة، وزعيمها المثير للجدل، ولي العهد وصاحب السلطة الفعلية محمد بن سلمان، وهي مرحلة انتهى فيها حتى الخوف من الإفصاح عن التطبيع، وبدا كشفه في الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، ووسائل التواصل الاجتماعي، سلسًا. ما الذي حدث إذًا؟

الاعتراف بيهودية إسرائيل قد يؤول في نهاية المطاف إلى المطالبة بما هو أكثر من الأراضي المحتلة الآن

ستحاول هذه المقالة الاستعانة بأفكار المفكر العربي عزمي بشارة، من أجل التوصل إلى إجابة.

اقرأ/ي أيضًا: التطبيع مع إسرائيل بأموال النفط وملوك الطوائف

يفرق عزمي بشارة، بين نوعين من الاعتراف العربي بإسرائيل، إذ إن الاعتراف بدولة الاستعمار لم يكن مقتصرًا فقط على توقيع اتفاقيات سلام، أو على نوع من التنازل الضروري بعد هزيمة في حرب أو بعد تراجع إقليمي.. إلخ، لكن ثمة ترويجًا عربيًا، غير مرتبط بكل ذلك، لفكرة التصالح مع الصهيونية نفسها، لا مع إسرائيل، وصل في بعض الأحيان إلى التصالح مع الرواية التوراتية الميثولوجية عن تاريخ المنطقة، وهو ما يكرره إعلاميون مصريون وسعوديون هذه الأيام، بإرشاد على ما يبدو، من أجهزة مخابرات أبوظبي والقاهرة.

حذّر عزمي بشارة من أن مطالبة إسرائيل للعرب بالاعتراف بها كدولة يهودية، كان استدعاء لهذا النوع من الاعتراف، ففي الاعتراف بيهودية الدولة اعتراف بشرعية وجود إسرائيل منذ اللحظة الأولى، وبحقها التاريخي في الأرض غير المعرف أو المحدود، الذي قد يؤول في نهاية المطاف إلى المطالبة بما هو أكثر من الأراضي المحتلة الآن، بالإضافة إلى أن هذا الاعتراف الأيديولوجي يعني إقرارًا بأن كل مقاومة عربية، رسمية أو غير رسمية، كانت خطأ، وأن العرب أخطؤوا في التعامل مع إسرائيل منذ وجودها.

يختلف التطبيع السعودي في هذه الفترة إذًا من هذه الناحية، فهو ليس نتيجة ضعف إقليمي ولا خسارة حرب ولا ظروف يفرضها الأمر الواقع، وأيضًا، ليس فقط من أجل التقرب إلى الإدارة الأمريكية من بوابة إسرائيل، من أجل تمرير سياسات الرياض الإقليمية المثيرة للجدل، ولكن أيضًا، في أن هذا التطبيع ينطوي على اعتراف أيديولوجي بالسردية الإسرائيلية لتاريخ المنطقة. ولا تكتفي إدارة محمد بن سلمان بالإقرار بهذه السردية، لكنها تساهم بحرص واضح، في تعزيزها من خلال إعادة بناء الإسلام المعتدل المفترض، الذي لم يعن اعتداله يومًا سوى الليونة مع الاستعمار، كما يوضح عزمي بشارة في إحدى مقابلاته، ويترتب على هذا "الاعتدال"، وصف كل الدول العربية التي تدعم المقاومة في الوطن العربي، أو التي لا توافق على مشروع التطبيع، باعتبارها دولًا متطرفة.

إن ما حدث إبان حصار قطر، ترافق بشكل واضح مع التركيز، خاصة في الإعلام الإسرائيلي، على فكرة "المحور المعتدل" الذي تحول مع قيادة السعودية له إلى "المحور السني المعتدل"، وطبعًا بدأ في موازاة ذلك إنتاج الدول المتطرفة، من خلال مفهوم مركزي جديد في السنوات الأخيرة، تمثل بدعم الإرهاب. ولن تكون في سبيل هذا الفرز الإسرائيلي للمنطقة، أية أهمية لتاريخ السعودية الطويل في دعم الإرهاب، أو للتقارير الدولية التي تثبت "براءة" الدول "المتطرفة" من الإرهاب، وتورط السعودية به. ثمة شيء واحد فقط تتحدد على أساسه هذه المحاور، هو التواصل مع تل أبيب.

كانت سنة 2011، كما يؤكد عزمي بشارة، أسوأ سنة لإسرائيل في التاريخ المعاصر

بالمنطق نفسه، لن يكون من الصعب على أي خبير استراتيجي إسرائيلي أو أمريكي، أن يقبل بأن تكون دولة بتاريخ طويل من المحافظة ودعم الرواية المتطرفة عن الإسلام، ببساطة دولة معتدلة، في زمن قد تعدم فيه شاعرًا أو فنانًا لأنك تتهمه بالإلحاد، وتقتل كل من لا يتبع روايتك عن الدين والتاريخ الإسلامي بالحرف، وتعتقل من يحمل علم المثليين، أو يشير باستحياء إلى التضامن معهم، وتظل معتدلًا، بقليل من الود مع اليمين الإسرائيلي المتطرف.

اقرأ/ي أيضًا: مصر.. التطبيع مع إسرائيل في "برلمان الغبرة"

ليست حالة مصر منفصلة تمامًا عن حالة السعودية، فالتمويل السعودي قادر على صناعة الكثير، وعلى تحديد السياسات الخارجية لجمهوية الانقلاب، لا فقط على شراء الأراضي والسيادة. وليست التسوية السياسية التي يلتزم السيسي بحذافيرها كافية، فهو مطالب، رغم اتفاقية السلام، بإثبات الولاء الدائم لإسرائيل، وبتحويل اعتراف الأمر الواقع في كامب ديفيد، إلى اعتراف أيديولوجي فج.

في ظل ذلك، يبدأ الإعلام الحكومي بالتمهيد لأفكار التواصل مع إسرائيل، ولخطر إيران وحلفائها (الذين يمكن أن يتضمنوا أي جهة تعاديها السعودية، من دون أن يكون هناك تواصل فعلي بينها وبين طهران)، ويتحول بعبع إيران والدول العربية "المتطرفة" إلى مبرر لتواصل أنظمة الاعتدال، بقيادة نتنياهو وابن سلمان.

لكن الأهم والأخطر في هذا النوع من الاعتراف، أن هناك محاولات جدية، تقودها الإدارة السعودية من خلال وسائل عدة لإظهار أن التصالح مع إسرائيل صار تصالحًا شعبيًا. وسيجد المطلع على وسائل التواصل الاجتماعي عشرات آلاف الحسابات التي تحاول إظهار أن التطبيع صار بموافقة شعبية جامعة، وأن التخلي الرسمي عن القضية الفلسطينية تم بتشجيع شعبي. وسيتصدر وسم مثل "الرياض أهم من القدس" التويتر السعودي، وتأخذ تغريدات تحرض ضد الفلسطينيين الصدارة.

أخذ الدور السعودي والإماراتي مكانه، ليس فقط في محور الثورة المضادة، ولكن في محور التنسيق الكامل مع إسرائيل

اقرأ/ي أيضًا: السر المفضوح: "الود" المتصاعد بين السعودية وإسرائيل.. رحلة التطبيع الكامل

كانت سنة 2011، كما يؤكد عزمي بشارة، أسوأ سنة لإسرائيل في التاريخ المعاصر، وقد أخافها المستقبل المجهول الذي يقوده الشباب العربي، مثلها مثل الإمارات والسعودية وحلفائهما في القاهرة والمنامة. وبدا بعد الربيع العربي أن تصالح الأنظمة مع إسرائيل غير كاف، وأن دولة الاستعمار تريد أكثر من اتفاقيات سلام أو تنسيق وتواصل أمنيين وسياسيين مع أنظمة، قد تنهار في أي وقت. لقد أدركت الإدارة الإسرائيلية أن حاجتها إلى اعتراف أيديولوجي، مع تحريض الشعوب، صارت أمس من أي وقت مضى. في سبيل ذلك، فإن الدور السعودي والإماراتي أخذ مكانه، ليس فقط في محور الثورة المضادة، ولكن أيضًا في محور التنسيق الكامل مع إسرائيل، ومحور الدول التي أخافها التغيير.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تركي الحمد.. مُطوّع "علمانية" ابن سلمان

سقوط توماس فريدمان.. الصهيونية في مديح ابن سلمان