21-يناير-2018

المفكر العربي عزمي بشارة (تصميم بنان شكارنة)

في العودة إلى الأسباب التي تدعونا للاحتفاء بكتاب "في نفي المنفى: حوار مع عزمي بشارة" (المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر)؛ نجدُ أنّها كثيرة، ومن غير الممكن أن نأتي على ذكرها كلّها، إذ أنّ ما يحملهُ الحوار الشيّق الذي أداره الكاتب صقر أبو فخر هو خلاصة تجربة سياسيّة ونضاليّة وفكريّة للمفكّر العربيّ عزمي بشارة؛ خلاصة تقدّم قراءة موضوعيّة ومعمّقة في الأحداث والتحوّلات السياسيّة والاجتماعيّة العربيّة التي عايشها عزمي بشارة، وتصحيحه لأمور عديدة مغلوطة وشائكة، وتبيينه لما هو محرّف وزائف أيضًا، ما يكسب الكتاب أهميّة على مستوى سرده لتجربة بشارة والتعرّف إليها، وأيضًا على مستوى مراجعته الدقيقة والنقديّة للتجارب العربيّة بشكلٍ عام، والفلسطينيّة بشكلٍ خاصّ، سياسةً واجتماعيةً وعسكرية، والبحث في الأماكن التي أخطأت فيها تلك التجارب من جهة، وتبيان أين أصابت من جهة أخرى.

كان العمل السياسي لدى عزمي بشارة قائمًا بالدرجة على النضال ضدّ الظلم ومن أجل العدل، أي أنّه لم يكن مهنةً

يوضّح عزمي بشارة في بداية الفصل الأوّل من الحوار "العروبة وفلسطين واليسار" طبيعة عمله السياسيّ، سواء العمل المباشر في الأراضي المحتلّة، أو مواقفه السياسيّة الشاملة، قائلًا إنّهُ لم يكن سياسيًا بالمعنى السائد لمصطلح رجل السياسة، إذ أنّ عمله السياسيّ في الأساس كان قائمًا بالدرجة الأولى على النضال ضدّ الظلم ومن أجل العدل، أي أنّه لم يكن مهنةً، بل طريقًا للنضال. ويشير بشارة هنا إلى "أنّ أفضل ما يمكن أن يقوم به مناضل في هذه المرحلة، إذا توافرت لديه القدرات الفكريّة، هو العمل على الربط بين الأخلاق والسياسة. وفي هذا نقض للمعنى الشائع المغلوط للسياسيّ كبراغماتيّ ومتقلّب يستثمر كل ما هو متاح لخدمة مواقفه" (ص29).

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة في كتاب حواريّ.. في نفي المنفى

وفي انتقال صقر أبو فخر إلى موضوعي العروبة واليسار، وسؤاله حول أسباب تحوّل بعض القوميين العرب إلى اليسار في ستينات القرن العشرين، يقول عزمي بشارة إنّ هناك عدّة أسباب تقف وراء ذلك التحوّل، ومن خلال حديثه، نستنتج ثلاثة أسباب رئيسيّة: الأوّل يكمن بما اعْتُبر نجاحاتٍ لليسار نتيجة بعض التحوّلات العالميّة، وتحديدًا في دول أمريكا اللاتينيّة وفيتنام. لكنّ المفارقة في التجربة الفيتناميّة، بحسب عزمي بشارة، تكمن في أنّها لم تكن نجاحًا لليسار، بل لحركة تحرّر وطنيّة خاضت حربًا تحرّريّة، وهذا ما لم يلتفت إليه اليسار العربيّ. في هذا السياق، تأتي هزيمة 1967 سببًا ثانيًا لذلك التحوّل، إذ أنّ الهزيمة كانت بمثابة فشلٍ للقوميّة العربيّة في ظلّ نجاحات اليسار، الأمر الذي مهّد لليسار الطريق نحو طرح نفسه بديلًا عن القوميّة العربيّة، مستندًا إلى التجربة اللاتينيّة والفيتناميّة. أمّا السبب الثالث، يكمن في ما طرحه اليسار العربيّ أيضًا من مشاريع نهضويّة وتنمويّة في ظلّ فشل الأنظمة المحسوبة على القوميّة العربيّة في تنفيذها.

يرى عزمي بشارة، صاحب "أن تكون عربيًّا في أيامنا" في سياق الحديث عن اليسار أنّ الأحزاب الشيوعيّة "أحزاب يمينية، لأنّها محافظة في مسألتيّ الحريّة والحريّات العامّة، ولا تمارس المساواة، وتنقض المواطنة في النظريّة والممارسة بدعمها الاستبداد، وتهميش قضيّة الحريّة، وبالتالي، فهي أحزاب يمينيّة حكمًا" (ص37). مقدِّمًا بذلك قراءةً نقديةً للشيوعيّة، فضلًا عن تبيين أسباب انتقاله، كما ذكر، من الشيوعيّة إلى اليسار الذي يقف على النقيض منها.

هنا يتطرّق عزمي بشارة في حديثه إلى الرواية الشيوعيّة حول النكبة الفلسطينيّة، التي حمّلت ما سمّته "الرجعيّة العربيّة" مسؤوليّة ما حدث في عام 1948، بينما حمّلت الحركة الصهيونيّة مسؤوليةً أقل. ويرى عزمي بشارة أنّ تحميل العرب مسؤوليّة الهزيمة أمر غير عادل، وذلك نظرًا إلى ما كانت عليه الدول العربيّة آنذاك، بدءًا من حداثة استقلالها وضعف مواردها وهشاشة جيوشها، في الوقت الذي كانت به الحركة الصهيونيّة حركةً محترفةً عسكريًا.

يقف عزمي بشارة في حديثه عن القضيّة الفلسطينيّة عند تأسيس منظمة التحرير، مُستعرضًا دورها في بلورة الهويّة الوطنيّة الفلسطينيّة التي شكّل توجّه النخبة المثقّفة إلى الأحزاب القوميّة أو الشيوعيّة والتيّارات الإسلاميّة خطرًا عليها. ويضيف هنا أنّ حركة التحرر الوطنيّة الفلسطينيّة تحوّلت لاحقًا، بعد أن اكتسبت بريقًا عالميًا نتيجة تعدّديتها، من حركة كفاح ثوريّ مسلّح إلى حركة تسعى نحو السلطة، الأمر الذي حوّل عمليات الفصائل الفلسطينيّة العسكريّة ضدّ العدو الإسرائيليّ إلى عملياتٍ تنافسيّة الهدف منها تولّي قيادة حركة التحرر، التي باتت لاحقًا تعمل بالوكالة لحساب أنظمةٍ عربية متصارعة.

سرد عزمي بشارة في هذا الفصل أيضًا أصول خلافاته مع الحزب الشيوعيّ، والتي تمحورت حول موضوعيين أساسيين؛ الأوّل هو موقف الحزب وقادته من قيام دولة إسرائيل، إذ أنّ موقفهم كان مطابقًا لموقف قادة اليسار الإسرائيليّ الذي حمّل، كما ذكرنا سابقًا، الرجعيّة العربيّة مسؤولية نكبة 1948، مُعتبرًا أنّ القضيّة الفلسطينيّة بدأت بعد نكسة 1967، محاولًا بذلك طيّ صفحة النكبة وأحداثها الدمويّة وقضيّة عودة اللاجئين الفلسطينيين. بينما يكمن الثاني في الاستبداد والقمع الذي تمارسه الأنظمة الشيوعيّة التي تقف على النقيض تمامًا من الفكر اليساريّ الذي تتبنّاه، إذ أنّ اليسار، بحسب بشارة، لم يكن يومًا استبدادًا.

يرى عزمي بشارة أنّ تحميل العرب مسؤوليّة الهزيمة عام 1948 أمر غير عادل، نظرًا إلى ما كانت عليه الدول العربيّة آنذاك

ينتقل صقر أبو فخر في الفصل الثاني من حواره مع عزمي بشارة "سوريا: الجرح الراعف" إلى سؤاله عن طبيعة العلاقة التي جمعته بالنظام السوريّ، ومحاولًا أيضًا طرح أسئلة تقود، من خلال إجابات عزمي بشارة عنها، إلى تقديم قراءة تحليليّة في بنية النظام وعلاقاته الداخليّة والخارجيّة. وهنا يقول صاحب "الدين والعلمانيّة في سياق تاريخيّ" إنّ بداية علاقته مع النظام السوريّ انطلقت من رغبته وأعضاء التجمع الوطنيّ في الانفتاح على العالم العربيّ انطلاقًا من كونهم فلسطينيين، لا مواطنين إسرائيليين من عرب 1948. فضلًا عن القضيّة الفلسطينيّة المشتركة بينه وبين النظام، والصراع العربيّ – الإسرائيليّ أيضًا. لكنّ ذلك لم يمنع بشارة من اتخاذ مواقف نقديّة من الاستبداد والقمع الممارس من قبل النظام على الشعب. ويرى أنّ تجاهل تلك الممارسات انطلاقًا من علاقة الصداقة تلك تعدُّ خرقًا وتناقضًا لمبادئه وإيمانه بحريّات الشعوب والمساواة فيما بينها. والأمر ذاته ينطبق على وقوفه إلى جانب الشعب السوري في ثورته انطلاقًا من تلك المبادئ أيضًا، فضلًا عن اطّلاعه بشكل مباشر على معاناة السوريين مع الأجهزة الأمنيّة والقمعيّة، التي توسّعت بعد تولّي بشار الأسد السلّطة وإزاحته لنخبة النظام القديمة، نخبة والده، واستبدالها بأخرى أشدّ حداثةً وفسادًا في الوقت ذاته، وقائمةً على تحالفاتٍ بين رجال الأمن والأعمال والنظام.

اقرأ/ي أيضًا: كيف نفهم التطبيع اليوم من خلال أفكار عزمي بشارة؟

ويشير عزمي بشارة في سياق الحديث عن سياسات النظام الخارجيّة، وتحديدًا في لبنان وتحالفه مع حزب الله، إلى أنّه في البداية عمل على تقويض نفوذ الحزب والحدِّ من انتشاره، وذلك لأنّه "بدأ مسيرته رغمًا عن سوريا، وهو تأسّس في سياق التمدّد الإيرانيّ في المنطقة" (ص99). لكنّ المتغيّرات الإقليميّة وتحالف النظام مع إيران مهّد لإنهاء حالة الصراع تلك، وخلقَ من حزب الله بديلًا له في لبنان بعد انسحابه منه، عسكريًا وسياسيًا، إن كان ذلك على المستوى الداخليّ أو فيما هو متعلّق بالصراع مع إسرائيل. ويؤكّد عزمي بشارة هنا أنّ الحزب والنظام استخدما القضيّة الفلسطينيّة أداةً سياسيّة ووسيلةً تضمن لهما، عالميًا، دورًا في الحفاظ على استقرار المنطقة، متسائلًا في هذا السياق عن الأسباب التي تقف وراء تهميش النظام والحزب معًا للدور الفلسطينيّ، وتحديدًا في لبنان، في مقاومة العدو الإسرائيليّ، على الرغم من كونه المعنيّ الأوّل بهذه القضيّة.

وفي الحديث عن بنية النظام السوريّ، من الناحية الدينيّة، يقول عزمي بشارة إنّ النظام لم يكن نظامًا طائفيًا أو مخصّصًا للطائفة العلويّة التي ينتمي لها، إنّما نظامًا استخباراتيًا وأمنيًا بالدرجة الأولى، وقائمًا على "الأمن ورجال الأمن، فإنّ الذين لهم نفوذ عند رجال الأمن أصبحوا أكثر نفوذًا في السلطة. وانغماس هؤلاء وجماعاتهم في أجهزة الأمن ليس نابعًا من كونهم يتحدّرون من طائفة بعينها، بل من الولاء المباشر، أكان هؤلاء الموالون علويين أو غير علويين" (ص104).

وليس ممكنًا هنا الحديث عن النظام السوريّ وبنيته والثورة السوريّة دون فرد مساحةٍ للحديث عن نظريّة المؤامرة الشهيرة، وتحديدًا تلك التي سادت إبّان احتلال العراق واغتيال رئيس الوزراء اللبنانيّ رفيق الحريري ومع بدايات الثورة أيضًا، ويرى عزمي بشارة أنّ هذه النظريّة دليلًا واضحًا على تناقض النظام في صياغة نظريّاته تلك، ولا سيما في قضيّة اغتيال الحريري واتّهام الولايات المتّحدة الأمريكيّة في الوقوف وراء عمليّة الاغتيال تلك بهدف إنهاء الوجود العسكريّ السوريّ في لبنان بعد رفض النظام المطالب الأمريكيّة التي قدّمها كولن باول، علمًا أنّ ما كان شائعًا ويعمل النظام على ترويجه حينها أنّ الحريري كان حليفًا للولايات المتّحدة وإسرائيل، ويقول بشارة في هذا السياق "يُتَّهم الحليف بقتل حليفه بلا دليل بدلًا من اتّهام أعداء الحريري السياسيين المتضرّرين من نشاطه مثل إيران وسوريا وحزب الله" (ص107).

أمّا بالنسبة للعلاقات الأمريكيّة – السوريّة بعد الخروج العسكريّ من لبنان ونظريّات المؤامرة تلك، يقول بشارة "تآمرت سورية في العراق حين دعمت المقاومة، لا حبًّا في المقاومة أو لتحرير العراق من الاحتلال، بل كي تجبر الولايات المتّحدة على أخذها في الحسبان كشريك دون شروط كولن باول. ثمّ تخلّت عن المقاومة العراقيّة حين حقّقت ما أرادت من الولايات المتّحدة" (ص108). أي أنّ النظام "كان مستعدًا في سبيل هذا الغرض لتوريط الآخرين في عمليّات مسلّحة هي في الحقيقة عمليّات ابتزاز، ثمّ التخلّي عنهم حين تقبل أميركا التنسيق الأمني معه".

يرى عزمي بشارة أن النظام السوري لم يكن نظامًا طائفيًا أو مخصّصًا للطائفة العلويّة التي ينتمي لها، إنّما نظامًا استخباراتيًا وأمنيًا بالدرجة الأولى

يُخصّص صقر أبو فخر الفصل الثالث من الحوار "العرب في الداخل والتجربة البرلمانيّة" للحديث عن تجربة عزمي بشارة البرلمانيّة، والبحث، من خلال أسئلته وإجابات بشارة، في الأسباب التي دفعته لخوض تلك التجربة، التي يقول إنّها جاءت تزامنًا مع تحوّلات مهمّة في الشأن الفلسطينيّ، ولعلّ أهمها اتفاقيّة أوسلو التي أحدثت إرباكًا في صفوف الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة في الداخل، فضلًا عن بدء التطبيع الفلسطينيّ مع إسرائيل، والذي شرعنَ أسرلة عرب الداخل، الأمر الذي تطلّب مما تبقّى من الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة بحثًا جادًّا عن طريقة جديدة للعمل الوطنيّ بعد الاتفاقيّة، وهنا طرح عزمي بشارة رأيه الذي يلخّصه قائلًا إنّه "يجب أن نبدأ بخطاب جديد تمامًا، حيث يأخذ في الحسبان الهويّة العربيّة الفلسطينيّة وقضيّة فلسطين ومصالح المواطنين العرب، وارتباطهم الحياتيّ بالواقع اليوميّ للناس، ومعاش الناس وحقوقهم السياسيّة ولو كانت مجتزأة" (ص 117).

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة.. خرائط الحرية

ويأتي رأي عزمي بشارة انطلاقًا من إدراكه بأنّ نتائج اتفاقيّة أوسلو ستهمّش الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة في الداخل، ولا سيما في ظلّ انقسام أغلبيّة عرب الداخل ما بين الحزب الشيوعيّ الإسرائيليّ، وما يسمّى المعتدلين العرب، والمصوّتين لأحزاب صهيونيّة (ص 118). الأمر الذي يؤدّي إلى تهميش الهويّة العربيّة الفلسطينيّة لعرب الداخل، وبالتالي تأتي أفكاره في هذا السياق لتشدّد على هويتهم الأصليّة.

وعن تأسيس التجمع الوطنيّ الديمقراطيّ، يرى عزمي بشارة أنّ التجمّع أسّسَ لخطابٍ جديدٍ ومغاير في الساحة الفلسطينيّة، وأنّ الترشح للكنيست جاء بهدف خلق منبرٍ للتجمّع يساعده على طرح برنامجه الوطنيّ، فضلًا عن كسب منصّة جديدة للعمل النضاليّ، والحفاظ على الهويّة العربيّة وتمثيل عرب الداخل سياسيًا واجتماعيًا أمام السلطة المركزيّة. ويأتي عزمي بشارة هنا على ذكر سؤال الأحزاب الصهيونيّة حول رفض التجمّع لتجنيد فلسطينيّ الداخل في الجيش الإسرائيليّ، لا سيما في ظلّ دعوة التجمّع لقيام دولة المواطنين والمساواة بينهم، ليجيب عليه قائلًا إنّ "الحقوق بالنسبة إلينا مشتقّة من المواطنة، وهي ليست مشتقّةً من الهجرة والاستيطان كما هي حالة الصهيونيّة، بل من وجودنا القديم في المكان الذي يدعى فلسطين. ونحن السكّانَ الأصليين نعتبر الخدمة في الجيش الإسرائيليّ خدمةً في نقيضنا، وهي تؤدّي إلى تشويه الشخصيّة الوطنيّة" (ص 130).

يحمل الفصل الرابع من الحوار "اليسار وأطروحاته" قراءة معمّقة لعزمي بشارة حول اليسار والطبقات العاملة التي يرى بشارة أنها أصبحت "بحسب فهم ماركس للطبقة العاملة، أقليةً، وأصبحت القوى التقنيّة والمهنيّة أكثر اتساعًا مع تطوّر قطاع الخدمات" (ص148).

كما يحملُ أيضًا قراءةً للمجتمع الإسرائيليّ الذي عمل سابقًا، وفي كتابه "من يهودية الدولة حتّى شارون: دراسة في تناقض الديمقراطيّة الإسرائيليّة" على تحليله لا من منظور الصراع العربيّ – الإسرائيليّ فحسب، إنّما من منظور صيرورته وبنيته كما هو على أرض الواقع. فضلًا عن رصد تناقضاته الداخليّة، وتحديدًا بما يتعلّق بمسألة الديمقراطيّة الإسرائيليّة المزعومة، حيث يقول بشارة هنا "الديمقراطيّة الإسرائيليّة ليست ديمقراطيةً لأنّ إسرائيل دولة احتلال"، وأيضًا "ليست دولةً علمانية في الجوهر، لأنّها لا تفصل الأمّة عن الدين، ولذلك لا تنجح في فصل الدين عن الدولة"، وهي "ليست دولة مواطنين، وهي تعتبر نفسها دولة كثيرين ممن ليسوا مواطنين، أقصد دولة اليهود" (ص 153-154).

 يرى عزمي بشارة أنّ النهضة العربيّة، على العكس مما يُشاع عنها، لم تخفق

يبيّن عزمي بشارة أيضًا في هذا الفصل صراعات الفكرة الصهيونيّة الداخليّة، التي تتمحور حول موضوعين رئيسيين؛ الأوّل صراعها مع الدين من جهة، والثاني صراعها مع القوميّة العربيّة من جهة أخرى، مؤكّدًا في هذا السياق أنّ الليبراليين الصهاينة أيَّدوا فكرة الدولتين انطلاقًا من خوفهم من فكرة "دولة المواطنة" التي طرحها التجمّع الوطنيّ الديمقراطيّ. وذلك حفاظًا على الهويّة اليهوديّة لدولة إسرائيل. فضلًا عن الحفاظ على المناطق الاستراتيجيّة في قبضتها، والتخلّص من المناطق ذات الكثافة السكانيّة "الضفة الغربيّة وغزّة".

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة.. تقديم مكثف في الملف القبطي

وحول هزيمة إسرائيل وإمكانيّة حدوث ذلك، يرى عزمي بشارة أنّ إنهاءها عسكريًا أمرًا فات أوانه، وذلك نظرًا إلى الحالة التي وصلت إليها الأنظمة والدول العربيّة من جهة، وما باتت عليه إسرائيل الآن من قدراتٍ اقتصاديّة وعسكريّة ونوويّة، تحديدًا، عملت على تطويرها في ظلّ انشغال العرب بصراعاتهم. ويشير عزمي بشارة هنا إلى وسائل مغايرة ومختلفة للانتصار على إسرائيل، وتكمن في "وجود رغبة حقيقيّة في الانتصار على إسرائيل، وتحجيم دورها في المنطقة، وحل القضيّة الفلسطينيّة حلًّا عادلًا، وإلغاء طابع إسرائيل الصهيونيّ مثلًا"، وأيضًا "فكرة وجود دول عربيّة ديمقراطيّة متطوّرة وحدها كافية كي تُهزم إسرائيل على المستوى العالميّ، وتُفقدها تميّزها المزعوم في المنطقة، لأنّ الديمقراطيّة تملّك الشعب الحر ذاته من أجل أن يكون لذاته، وكي يسيطر على مصيره، فضلًا عن الطاقات الإنسانيّة العربيّة التي تفجّرها حالة من هذا النوع" (ص 157-158).

في قراءته للنهضة العربيّة في الفصل الخامس من الحوار "النهضة والعلمانيّة والليبراليّة والبعث والناصريّة" يرى عزمي بشارة أنّ النهضة العربيّة، على العكس مما يُشاع عنها، لم تخفق. منوهًا على أهميّة إعادة النظر في واقع المجتمعات العربيّة في القرنين الثامن والتاسع عشر لاكتشاف ذلك. إذ أنّ النهضة العربيّة بحسب عزمي بشارة حقّقت إنجازاتٍ عدّة في مجالات التعليم والتغذية والعلاج، ولكنّها في الوقت ذاته أمام طريق طويل لتحقيق ما حقّقته المجتمعات الأخرى. وفي هذا السياق يشير بشارة إلى أنّ ما يُحقّق من إنجازات عربيًا في مجال النهضة والتنمية يفتح الباب أمام الشعوب العربيّة التي تبني توقّعاتها حيال المسألتين من حال مجتمعات أخرى، كالأوروبيّة مثلًا، للمطالبة بما هو أفضل وأشدّ حداثةً.

وحول الأسباب التي ساهمت في تأخير النهضة العربيّة، يقول بشارة أنّها تكمن في عدم القدرة على تحوّل نحو تأسيس الأمّة، أمّة المواطنة، وبقاء فكرة الدولة مرتبطة بالسلطنة والسلطان والسلالات الحاكمة.

في الانتقال إلى التجربة الليبراليّة العربيّة وفشلها، يرى أنّ "الحدث الرئيس الذي أفشل تجربة الليبراليّة العربيّة هو إسرائيل. وهذا ليس السبب الوحيد لكون إسرائيل عاملًا معوقًا للتقدّم العربيّ، فقد استخدمتها الأنظمة العربيّة لتبرير سياساتها في قضايا الحريّات، ولتبرير قمع المعارضة" (ص 170). فضلًا عن هزيمة الأنظمة العربيّة سنة 1948، وفشلها في مسألتيّ التنمية والحداثة. الأمر الذي دفع ضبّاطًا قوميين في الجيش للقضاء عليها وطرح النظم العسكريّة بديلًا لها، لا سيما بعد نهضتها بالتعليم والتنميّة وحل قضايا الفلّاحين، قبل أن تحوّل الجمهوريّات التي أسّستها إلى أجهزة أمن بعد تفشّي النزعة السلطويّة والاستخباراتيّة في أروقتها.

ويشير عزمي بشارة في هذا الفصل إلى أنّ حزب البعث كان حزبًا نخبويًا في بداياته، ومتصالحًا مع الإسلام الشعبيّ، ومعاديًا للأصوليّة الإسلاميّة. ولم يكن أيضًا حزبًا إلحاديًا بل علمانيًا. ويضيف في هذا السياق "كانت مجموعة البعثيين الأوائل من خيرة الشباب العرب المتنورين، وكانت تجربة (البعث) أنضج من التجربة الناصريّة فكريًا، ولا مجال للمقارنة بينهما. لكنّ العسكر أمثال حافظ الأسد وصدّام حسين قضوا على تجربة (البعث)" (ص 178).

يؤكد عزمي بشارة إنّه كان معجبًا بحزب الله من ناحية مقاومته لإسرائيل، دون أن يتجاهل بنية الحزب المذهبيّة والطائفيّة

يمضي صقر أبو فخر في الفصل السادس من الكتاب "فلسطين وياسر عرفات والسلام المستحيل" إلى معرفة أسباب فشل حركة التحرر الوطنيّة الفلسطينيّة في تحقيق استقلالها من وجهة نظر عزمي بشارة، والذي يرى أنّ ذلك عائدٌ إلى "المسألة اليهوديّة في العالم التي جعلت الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة تبدو كأنّها حركة قوميّة، وإسرائيل كأنها تعويضٌ عن ظلم آلاف السنين لليهود" (ص185). وأيضًا "لا يستطيع الكثيرون أن يروا في الحركة الصهيونيّة حركةً استعماريةً، بل عودة إلى أرض الميعاد. ولهذا السبب، يصبح هنالك نوع من التورط العاطفيّ معهم"، و"أنّ الحركة الصهيونيّة تعتبر نفسها ناطقةً باسم المظلوميّة التاريخيّة لليهود في العالم" (ص 186).

اقرأ/ي أيضًا: عن نسبية الحلّ الديموقراطي عند عزمي بشارة

من جهة أخرى، يقول عزمي بشارة إنّ عدم تجسيد القوميّة العربيّة في أمّة – دولة، وظهور أيديولوجيّات مثل الوحدة الإسلاميّة والوحدة العربيّة تنفي الشرعيّة عن الدولة الوطنيّة، فضلًا عن عدم تأسيس دول ديمقراطيّة عربيّة، واستخدام القضيّة الفلسطينيّة أداةً في يد الأنظمة، وأخيرًا تحوّل الصراع من عربيّ – إسرائيليّ إلى فلسطينيّ – إسرائيليّ؛ ساهمت أيضًا في فشل أهداف حركة التحرر الوطنيّة الفلسطينيّة.

في السياق ذاته يشير عزمي بشارة إلى أمرٍ يصفهُ بالخطير، والمتمثّل في الانتقال في المصطلحات "من العمل الفدائيّ المسلّح إلى الكفاح المسلّح والتحرير ثمّ إلى شعار المقاومة. والمقاومة في مفهومها الإصلاحيّ والعمليّ لا تمثّل استراتيجيا مبادرة، بل هي دفاع عن النفس في نهاية المطاف. المقاومة في الضفة الغربيّة هي مقاومة المحتل. لكنّها في قطاع غزّة ردع لإسرائيل كي لا تقوم بالاعتداء على القطاع وسكّانه. هذا هو هدف المقاومة، وما عاد التحرير هو الهدف" (ص 189).

يوضّح الفصل السابع "حزب الله، سوريا، والعنف" علاقة عزمي بشارة بحزب الله، فضلًا عن تقديمه لقراءة حول الحزب وبنيته، ومواقفه أيضًا من الثورة السوريّة. وحول حزب الله، يقول بشارة إنّه كان معجبًا بالحزب من ناحية مقاومته لإسرائيل واحتلالها للجنوب اللبنانيّ، دون أن يتجاهل أيضًا تركيبة الحزب وبنيته المذهبيّة والطائفيّة، ولكنّ الالتفات إلى مثل هذه الأمور في ظلّ مقاومته للاحتلال كان غير ممكن، الأمر الذي دفعه أيضًا لتوضيح مواقف الحزب في حرب 2006 بعد تحميله مسؤولية تلك الحرب من بعض الأنظمة العربيّة. ويقول بشارة إنّ مواقفه تلك من الحرب أيضًا تجاوزت الحدّ المسموح داخل الكيان الإسرائيليّ، ومهّدت لخروجه من فلسطين لاحقًا.

حسب عزمي بشارة، حاول الحزب لاحقًا استغلال نتائج تلك الحرب لفرض سيطرته على لبنان عسكريًا وسياسيًا، مدعومًا أيضًا من النظامين الإيرانيّ، والسوريّ الذي أراد أن يملأ الحزب الفراغ الذي خلّفه بعد انسحابه من لبنان. وهنا يشير بشارة إلى أمرين؛ الأوّل أنّ ما حقّقه حزب الله في حرب 2006 ليس انتصارًا كما روّج له، إنّما إفشالًا للعدوان الإسرائيليّ فقط. والثاني أنّه، وبعد ملاحظته وإدراكه لمساعي حزب الله للسيطرة على لبنان، حاول الابتعاد قليلًا عن تلك الأجواء.

الثورات العربيّة، حسب عزمي بشارة، عبّرت عن أعظم مرحلة مرّت بها المنطقة العربيّة، ومن واجب أيّ مثقف متنور يدّعي الاشتغال بالأفكار والقيم العليا مساندتها

حول وقوفه إلى جانب الشعب السوريّ في ثورته، والذي أحدث لغطًا وجدلًا واسعين نتيجة علاقة الصداقة التي كانت تربط عزمي بشارة بالنظام السوريّ، يقول إنّه وقف مع الثورة السوريّة انطلاقًا من مبادئه ووقوفه مع حق الشعوب في التحرر. المبادئ ذاتها التي وقف انطلاقًا منها مع المقاومة اللبنانيّة، أي موقفه من الظلم والطغيان في كلّ بقاع الأرض. ويلخّص عزمي بشارة ذلك في قوله "الموقف المبدئي أن تكون مخلصًا للمبدأ نفسه، أي للحريّة" (ص 233).

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة.. الحفر في الثورة المصرية (1- 2)

في سياق الحديث عن الثورات، يرى عزمي بشارة أنّ الثورات العربيّة عبّرت عن أعظم مرحلة مرّت بها المنطقة العربيّة، ومن واجب أيّ مثقف متنور يدّعي الاشتغال بالأفكار والقيم العليا مساندتها. كما لخّص عزمي بشارة مشكلة الثورات بأنّها انطلقت كحركاتٍ اجتماعيّة دون قيادة مركزيّة تطرح نفسها بديلًا عن النظام في حال سقوطه، الأمر الذي أسقط رأس النظام فقط دون النظام، كما في التجربة المصريّة. وعن ربط الثورات العربيّة بقوى خارجيّة، يرى بشارة أنّ الأمر يقلّل من شأن المواطن العربيّ، وينفي أيضًا وجود ظواهر مثل الفساد والاستبداد والقمع الأمنيّ، والتي من الممكن، دون شك، أن تدفع الشعوب إلى الاحتجاج والمطالبة بالعدل والمساواة.

ويشير عزمي بشارة في الفصل التاسع "التشيّع السياسيّ والإسلاميون الجدد" إلى أنّ الثورة الإيرانيّة أذهلت اليسار العربيّ إلى درجة تجاهل نكبة اليسار الإيرانيّ، وظهور دولة مذهبيّة. وهذا عائد، بحسب عزمي بشارة، إلى أنّ اليسار العربي لم يكن ديمقراطيًا أساسًا، فضلًا عن إعجابه بكلّ دكتاتوريّة تهتف ضدّ الاستعمار، وغياب حساسيته اتّجاه قضايا الدولة والمواطنة والحريّات. ويخرج بشارة باستنتاج مفاده أنّ اليسار العربيّ ظلّ يتعاطف مع من يعادي الولايات المتّحدة الأمريكيّة، بغضّ النظر عن منطلقات ذلك العداء، رجعيةً كانت أم فاشيّة.

أمّا فيما يخصّ التيّارات الإسلاميّة والبحث في أسباب صعودها، يرى عزمي بشارة أنّ الأمر له علاقة بفشل التيّارات القوميّة والعلمانيّة العربيّة، فضلًا عن فشل الأنظمة في دمج المجتمع في أجزائه المتنافرة، وفشل التنميّة العربيّة وحلّ القضيّة القوميّة في فلسطين. وأيضًا فشلها في حلّ مشكلة العلاقة بين الدولة والمواطن، وبناء الاقتصاد الوطنيّ، وتمثيل مصالح الجماهير. كلّها أمور أدّت، بحسب عزمي بشارة، إلى صعود التيّارات الإسلاميّة وطرح نفسها بديلًا عن القوميّة العربيّة.

فضلًا عن رؤيته للخلافة التي تسعى التيّارات الإسلاميّة لاستعادتها وتطبيقها على أنّها "ليست نظامًا إسلاميًا في الحكم، نحن نفترض إنّها كانت إدارة شوريّة قبليّة للحكم، ودامت فترة بعد الزمن النبويّ في ظلّ الخلفاء الأوائل في الظروف الاجتماعيّة الممكنة لديمومتها في مكّة والمدينة. وكانت الخلافة ممزقة بقتل الخلفاء والصراعات في الجماعة الإسلاميّة ونشوء بـ (الفتنة الكبرى)" (ص 285).

يشير عزمي بشارة إلى أنّ إقصاء التيّارات الديمقراطيّة لتيّارات غير ديمقراطيّة وصلت إلى الحكم باستخدامها، كالتيّارات الإسلاميّة، أمر مدمر للديمقراطيّة. إذ أنّنا لا نستطيع التقدّم نحو الديمقراطيّة في البدان العربيّة في ظلّ إقصاء التيّارات الإسلاميّة، حيث أنّها تمثّل فئات واسعة من المجتمع، وإقصاؤها يبقي تلك الفئات عند حد الشعور بالتهميش والمظلوميّة. فضلًا عن أن الديمقراطيّة تعني وتقرّ أنّ عمليّة تداول السلطة لا تحصل مرّة واحدة، إنّما هي عمليّة مستمرّة توفّر للأطراف الأخرى الأوضاع الملائمة كي تصل إلى السلطة في مرحلة معيّنة. وهنا يرى عزمي بشارة أن لا مشكلة في وجود أحزاب دينيّة، شرط أن يتعارض برنامجها السياسيّ مع الدستور أو حريّة تعبير المواطن، وألا تفرض عقيدتها على الدولة والمواطنين.

يشير بشارة إلى أنّ إقصاء التيّارات الديمقراطيّة لتيّارات غير ديمقراطيّة وصلت إلى الحكم باستخدامها، كالتيّارات الإسلاميّة، أمر مدمر للديمقراطيّة

وحول كيفيّة بناء الدولة الوطنيّة الجديدة، وتحديدًا في البلدان التي تعيش حالة احتراب أهليّ، يرى عزمي بشارة أن الأمر يتطلّب من القوى السياسيّة فهم معنى الحلول الوسط والتسوية والتعايش بعد الحرب. انطلاقًا من التخلّي عن فكرة الثأر والانتقام، لأنّ الدول بحسب عزمي بشارة لا يُعاد تأسيسها على هذه الأفكار، بل على المواطنة. ويقول "إذا فهمنا ذلك، وكان مفهومًا راسخًا لدينا، نستطيع أن نعيد بناء دولة مثلما أُعيد بناء أوروبّا. أمّا إذا لم نفرغ من هذا كلّه، فلن نتمكن من بناء أي شيء" (293).

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة.. مداخلة في إشكاليات المصطلح العربي

وينوّه عزمي بشارة هنا أيضًا على مسألةٍ غاية في الأهميّة، وهي التفكير الجدّي في مسألة الشيعة العرب وتأكيد عروبتهم في هذه المرحلة، وذلك منعًا لدفعهم أكثر نحو الحضن الإيرانيّ.

في العودة مجدّدًا لمسألة العمل البرلمانيّ والحزبيّ، يقول عزمي بشارة إن الفكرة انطلقت من ضرورة تنظيم العرب في الداخل على أساس قوميّ وديمقراطيّ، دون إهمال قضاياهم الاجتماعيّة والمعيشيّة، وانطلاقًا أيضًا من ضرورة تمثيل عرب الداخل في الكنيست، والحفاظ على الهويّة العربيّة من الأسرلة التي يعرّفها بشارة هنا بأنها ليست امتلاك هويّات أو جوازات سفر إسرائيليّة، إنّما الاعتراف بالرواية الصهيونيّة وتبنّيها، والتخلّي أيضًا عن الهوية الوطنيّة الفلسطينيّة. وفي هذا السياق، يوضّح عزمي بشارة مسألة التطبيع بين مناطق 1948 ومناطق 1976، قائلًا إنّ التطبيع في مناطق 1967 يكمن في التعامل مع الاحتلال باعتباره حالةً طبيعيّة، والنضال ضدّه هنا هو رفض للتطبيع، مشيرًا هنا إلى نقطة حسّاسة تتمثّل في ضرورة تعامل الناس مع المؤسّسات الإسرائيليّة لتدبير حياتهم اليوميّة، واصفًا الأمر بـ"ضريبة العيش في ظلّ الاحتلال". بينما يكمن التطبيع في مناطق 1948 في تبنّي الرواية الصهيونيّة لا في امتلاك هويّات إسرائيليّة، كما أشار عزمي بشارة سابقًا.

وحول المنفى وخروجه من فلسطين في 2007، يقول عزمي بشارة إنّ فكرة التخلّص منه من قبل دولة الاحتلال بدأت في الانتفاضة الثانيّة وأخذت تشتدُّ في حرب 2006، إذ كانت مواقفه من الحرب واضحةً ومؤيدةٍ للمقاومة في لبنان باعتباره ما يحدث دفاعًا شرعيًا ضدّ العدوان الإسرائيليّ، الأمر الذي أسفر، فضلًا عن زياراته المتكرّرة إلى لبنان، إلى اتّهامه بالتعامل مع العدو في زمن الحرب، وهذا انطلاقًا من إدراك السلطات الإسرائيليّة أنّ ملاحقة بشارة والتخلّص منه تكمن في تدبير اتهاماتٍ أمنيّة ضدّه، لا سياسيّة.

ويخلص عزمي بشارة في نهاية الحوار إلى القول بأنّه شخصٌ لا يستطيع العيش مع الظلم دون أن يعبّر عن موقف، فضلًا عن أنّ عمله السياسيّ لم يكن يومًا مهنةً محدّدة الأجل، بل عملًا نابعًا من مواقفه ومبادئه الأخلاقيّة والنضاليّة، وهذا ما يميّز النضال من السياسة في وقتنا الحاليّ واللحظة العربيّة الراهنة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عزمي بشارة: كل فلسطين قدس

عزمي بشارة: "الجيش والسياسة" مدخلًا لفهم الدولة الوطنية العربية