28-نوفمبر-2022
كلينزمان

الهدّاف الألماني السابق يورغن كلينسمان (Getty)

يواجه المنتخب الإيراني المشارك في مونديال كأس العالم 2022 الذي تستضيفه قطر، تحديات فنّية متعدّدة، يزيد من تعقيدها بحسب مراقبين حجم الأعباء النفسية الملقاة على طاقم الفريق، جرّاء حالة مستمرة من التحامل الإعلاميّ ضدهم غربيًا. هذه الحالة مثقلة كما يرون كثيرون، بتوقّعات غير منصفة حول ما يجدر باللاعبين التعبير عنه من مواقف، ومنطلقة في الوقت ذاته من انطباعات سلبية مطلقة يتم تداولها بلا تحفّظ في بعض وسائل الإعلام الغربية، والتي واجهت هي الأخرى سيلًا من الانتقادات في الآونة الأخيرة، ولاسيما مع انطلاقة البطولة الكرويّة على أرض عربيّة، لأول مرّة في تاريخها. 

أكّد لاعبو المنتخب الإيراني قدرتهم على التكيف مع هذا المستوى من الضغوط النفسية من مختلف الأطراف

ورغم تأكيد لاعبي المنتخب في عدة مناسبات على قدرتهم على التكيف مع هذا المستوى من الضغوط النفسية من مختلف الأطراف، والتي تجلّت بشكل واضح في أسئلة بعض الصحفيين وتعليقاتهم، إلا أن المدرب البرتغالي للمنتخب الإيراني، كارلوس كيروش، قد ألمح في مؤتمر صحفي إلى تأثير "الظروف المحيطة باللاعبين" سلبًا عليهم، ووجه اللوم في خسارة الفريق المؤلمة أمام إنجلترا إلى الحالة الحاصلة من "خلط الرياضة بالسياسية" على حد تعبيره، والتي يعاني من تبعاتها أعضاء الفريق الإيراني أكثر من سواهم.

بيد أن أن الحالة لم تقف عند حدّ المطالبات الأخلاقوية للاعبين بالتعبير عن موقف إزاء حكومة بلادهم أو الاحتجاجات التي تشهدها منذ أيلول\سبتمبر الماضي، بل تجاوزته إلى الاتكاء على اتهامات وأحكام تشي بموقف عنصريّ شامل ضدّ ثقافة بأكملها.

حصل ذلك عقب فوز الإيرانيين على ويلز بهدفين دون مقابل يوم الجمعة الماضية، ضمن منافسات المجموعة الثانية، وهو تفوّق لم يرق لكثير من المعلقين في وسائل الإعلام، ومن ضمنها "بي بي سي"، الذي تحدث مذيعها غابي لوغان عمّا وصفه "ألاعيب" الفريق الإيراني، وذلك قبل مداخلة مع يورغن كلينزمان، نجم المنتخب الألماني السابق وأحد أشهر لاعبيه، والذي أكّد على تلميح لوغان المتحيّز قائلًا: "نعم، هذه ثقافتهم.. إنها نهج متبع لديهم". كما اتهم كلينزمان طاقم "تيم مليّ" الإيراني بأنهم يتعمدون إنهاك الحكّام وإلهاءهم وتشتيت تركيزهم، مصرًّا على أن ذلك كلّه "جزء من ثقافتهم".

كارلوس كيروش
كارلوس كيروش (Getty)

تعليق كلينزمان الذي أثار عاصفة من الجدل والانتقادات، طال حتّى المدرّب البرتغالي للفريق الإيراني، كارلوس كيروش، والذي قال عنه إن شخصيته تتسق مع ما ادّعى أنها طبيعة الإيرانيين وثقافتهم وأن ذلك يفسر مسيرته الطويلة مع الفريق بزعمه. واستطرد كلينزمان في هجومه على كيروش، وتناول مسيرته المهنيّة مع منتخبات سابقة، من بينها المنتخبان الكولومبي والمصري، حتى انتهى إلى تجربته الأخيرة مع إيران، وهي تجربة طويلة، يدلّ استمرارها بحسب كلينزمان على أن الأمر "ليس مستغربًا عليه".

إدانة واسعة ومطالبة بالاستقالة

أثارت تعليقات يورغن كلينزمان (58 عامًا) انتقادات واسعة، ومطالبات باستقالته من منصبه في مجموعة الدراسة الفنية في "فيفا" والمكوّنة من سبعة أعضاء، وهي هيئة معنية بالإشراف على سلسلة من التقارير التحليلية الخاصّة بمونديال قطر 2022، كما استهجن كيروش، في سلسلة من التغريدات عل تويتر، موقف الدولي الألماني السابق، وقال إنها "عار على كرة القدم". هذا الموقف، بحسب المدرب الذي يعمل مع المنتخب الإيراني منذ العام 2011، هو موقف "متحيّز وينّم عن فوقيّة معهودة"، مشيرًا إلى أنه وفريقه يترفّعون عن الردّ بالمثل، وأنه لا يمكن أن يصدر من أحدهم أي حكم نمطي مشابه.

كما اشتملت تغريدات كيروش، التي وجهها إلى كلينزمان باللغة الإنجليزية، على دعوة للأخير لزيارة معسكر تدريب المنتخب الإيراني في قطر، والتعامل مع اللاعبين الإيرانيين والتعرف إلى الثقافة الإيرانية وشعرها وفنونها. إلا أنه ختم بالإشارة إلى أنّ هذه الزيارة ستكون مشروطة باستقالته أولًا من المجموعة الفنية للفيفا، وأنه لن يكون مرحبًا به في المعسكر بصفته الرسمية في الاتحاد الدولي.

من جهته، أصدر الاتحاد الإيراني لكرة القدم بيانًا يوم أمس الأحد، يطالب الفيفا بتقديم توضيح بشأن التعليقات الصادرة عن عضو في المجموعة الفنيّة والتي تتضمن "أحكامًا حول ثقافة إيران"، وهي تعليقات تستوجب بحسب البيان اعتذارًا من كلينزمان وإقالته من مجموعة الدراسة الفنية في فيفا. وقد كرّر الاتحاد الإيراني دعوة كلينزمان لزيارة مقرّ إقامة المنتخب الإيراني في قطر، إن كان يرغب بمعرفة "التاريخ الفارسي والقيم الرياضية العريقة". 

تذكير بفضيحة مونديال 1982

لفت الاتحاد الإيراني في بيانه إلى أن أحدًا لن ينال من سمعة الهداف الألماني السابق، رغم كونه ألمانيًا، بسبب ما وصفه بأنه "أكبر الفضائح في تاريخ كأس العالم، حين تواطأت ألمانيا الغربية في مونديال 1982 مع النمسا على حساب الجزائر من أجل إقصائها، كما لن يحكم عليه أحد على أساس أية مسألة سياسية أو تاريخية تورطت بها بلاده".

وتعرف فضيحة مونديال 1982 في إسبانيا باسم "فضيحة خيخون"، نسبة إلى المدينة الإسبانية التي ضمّت استاد المولينيون، الذي شهد تآمر فريق ألمانيا الغربية مع النمسا، بهدف إقصاء الجزائر، التي غلبت يومها تشيلي بنتيجة 3-2، وكان يلزمها تقدّم ألمانيا على النمسا بنتيجة أكبر من 1-0 لضمان التأهّل. إلا أن الألمان قرّروا الاكتفاء بهدف واحد، وإهدار أية فرصة لتسجيل أي هدف، وذلك انتقامًا من الفريق الجزائري الذي جرّعهم خسارة مرّة بهدفين مقابل هدف واحد، وكسر شوكتهم رغم الحملة الساخرة ضدّهم قبل المباراة.

احتج الاتحاد في بيان منفصل على إقدام الاتحاد الأمريكي لكرة القدم بإزالة كلمة "الله" من وسط العلم الإيراني

كما احتج الاتحاد الإيراني أيضًا، وفي بيان منفصل، على إقدام الاتحاد الأمريكي لكرة القدم بإزالة كلمة "الله" من وسط العلم الإيراني، وذلك في منشورات على حسابات الاتحاد الأمريكي على مواقع التواصل الاجتماعي، للإشارة إلى المباراة المرتقبة بين الفريقين يوم غد الثلاثاء. وقد وجّه الإيرانيون رسالة إلى الفيفا لتحذير الاتحاد الأمريكي من الإساءة للعلم الوطني الإيراني، لتحذف الصورة لاحقًا عن حسابات الاتحاد الأمريكي، حيث قال مسؤول فيه إن الخطوة كانت "رسالة تضامن لمرّة واحدة مع نساء إيران"، وأن التغيير لم يطل صورة العلم على الموقع الإلكتروني الرسمي للاتحاد. 

كلينزمان يوضّح 

من جهته قال كلينزمان يوم أمس الأحد إنه يرغب في "تهدئة الأمور" مع كيروش، وأن تعليقاته قد "انتزعت من سياقها"، مشيرًا إلى أنه سيحاول الاتصال بمدرب المنتخب الإيراني ويحاول وضع حد للجدل الدائر. كما أشار في حديث لاحق معه على شبكة "بي بي سي" البريطانية إلى أن تعليقاته تناولت الحالة العاطفية "الجياشة" لدى الطاقم الإيراني بأكمله، وأنه "أمر مثير للإعجاب بالفعل على نحو ما"، وأن كيروش نفسه مدرّب "مفعم بالعاطفة"، ولا يتوانى عن "منح لاعبيه كل ما لديه من طاقة". 

رغم ذلك، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي وعلى نطاق واسع تعليقات كلينزمان التي وصفوها بأنها تنمّ عن ذهنية عنصرية، كما انتقد كثيرون تغطية الاستديو الفني في بي بي سي لأداء الفريق الإيراني وفوزه على ويلز، وما بدا أنه اتفاق من طرف كلينزمان ضمنيًا على تلميح من قبل أحد المتصلين بالبرنامج إلى أن المباراة كانت لتنتهي على نحو مختلف لو أن الحكم كان أوروبيًا، حيث اكتفى كلينزمان بالإشارة إلى أن الحكم في المباراة كان من غواتيمالا، وأن حكم الراية كان من ترينيداد وتوباغو. وفي وقت سابق، واجهت بي بي سي انتقادات واسعة بسبب تغطيتها لوقائع مونديال قطر 2022، التي وصفها العديد من المعلقين بأنها "متشنّجة وعنصريّة"، كما تلقت الشبكة آلاف الشكاوى بسبب امتناعها عن بثّ حفل الافتتاح في 20 تشرين الثاني\نوفمبر الماضي. 

تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي وعلى نطاق واسع تعليقات كلينزمان التي وصفوها بأنها تنمّ عن ذهنية عنصرية

يذكر أن فوز إيران على ويلز يوم الجمعة الماضية قد منح الأولى ثلاث نقاط ثمينة، بعد الهزيمة الكبيرة التي عانت منها أمام إنجلترا في اليوم الثاني من البطولة. وسيكون الفريق الإيراني أمام مواجهة حاسمة يوم غد الثلاثاء مع الفريق الأمريكي، حيث يلزمه الفوز للتمكن من عبور دور المجموعات لأول مرّة في تاريخ مشاركاته المونديالية.