27-ديسمبر-2021

لوحة لـ تشارلز بلاكمان/ أستراليا

أعني ذلك تمًاما

لو أتيح لي أن أختار كينونتي

سأكون بخارًا

فليس هناك من هو حرٌّ أكثر منه

أختبر هذا كطاهية

ولا أقصد بذلك الاحتراف

‏بقدر ما أقصد التسلية

مثلما يحتمل كل شيءٍ وجهتين

مثلما يمكن للبرودة

التي تحفظ الأغذية طازجة

أن تجففها

مثلما النار التي حريٌ بها أن تُذيب

تُضاعف وتُجَمِّد

بعد قليلٍ سينضج الحساء

سأقلّبه مراتٍ ومرات

محرّرةً أعماقه من الأبخرة.

*

 

عندما تهدأ المعركة

مسترجعًا ما أمكن استرجاعه

يعود المقاتل للجبال

ليفكِّك كل شيء

في جيبه حبّة رمان

وبين يديه سلاحه.

*

 

داخل فمي

حبّة دواء

أقلّبها بينما أبحث

عن قارورة ماء

دون أن أجد

تذوب الحبة شيئًا فشيئًا

وأنا أفكر كيف أوقف اللعاب

الذي راح يتضاعف

مثل كائنٍ أحادي التكاثر

إنها تذوب

موشكةً على النهاية

بحركاتٍ آلية

تُدفع الجزيئات الذائبة نحو الداخل

وبأثرٍ مُرٍ على لساني

سيلازمني

النهار بأكمله.

*

 

تذكّر أيها الحب

مبعث الدفء

حريقٌ ما

الليلة الماضية

بينما كنت عائدة من المتجر القريب

أحمل الأكياس بيد وبالأخرى طفلتي

ومن عينيّ

أطلق النظرات كعادة

كانت تنبعث

من أسفل الحاوية

برفقٍ متقطع

رائحة نارٍ مطفأة

حيثما يجلس الهر عادةً

ساهمًا ومطمئنًا

وخيط الدخان

يلفه

بتؤدة.

*

 

عشت حياتي

بحكم العادة

كيف تطور الأمر إلى هذا الحد

لا أعلم

لكنني تصالحت في النهاية مع ذلك

تعلّمت كيف أعيش

كيف أستحدث أسبابًا

وإن بدت واهمة

لأبقى

كيف أذهب للعمل

أو أعود للبيت

كيف أستبسل لأظل رحبة ودافئة

عشت حياتي التي أحبها

بحكم العادة

كالقطط التي تركض عائدةً إلى بيتها في المساء

كالشمس التي تغادر آنذاك

إلى نهاراتٍ بعيدة نجهلها.

*

أتحدث عن الحب

كما لو كنت أبرِّر ذنبًا

تعرفني بحدسك

بابتسامتك التي ترميها في وجهي

عندما تتوقع مني أن أبكي

بسكينك التي

تضعها في يدي

عندما تظن أنني

سأغادر

طلبت منك الحب

مثل أي شيءٍ تافهٍ يُطلب

مثل بقالة البيت

وفواتير الكهرباء

دافعةً به نحو خطر "التشيؤ"

وموقنةً بذلك أنه

سيبلى أو يضيع

أو يصير في أفضل الأحوال

تحفة

مهدّدة بفضول الصغار

أو محطّمة بطيشهم.

*

 

قرب معمل الحديد

حيث لا يعود بوسعي سماعك

أقف مكاني كتمثال

غارقةً في الأفق الذي يبتلعك

كلما خطوت نحوه

يحدجني من بعيد

بنظرات متسائلة

الناس والكلاب،

التي مرت من جانبي

دون أن أضيء

تمنيت لو تلتفت

لو تستدير قليلًا

لألوح لك

أو أقفز بطريقةٍ ما

معلنةً عن شيءٍ يخصك

من داخل الصوت الذي يلغي كل شيء

وددت بأطرافي الصامتة

أن أحدثك عن حبي

عن شوقي كلما افترقنا

دون أن يحمل هذا

وصفًا محددًا في قلبي.

*

 

‏يغلبني الظن أنني

أعيش بالماضي

أجيء منه مثل صورةٍ عتيقة

أو مشوشة

تأخذ قيمتها من الزمن

تُشعِل الحنين إذ تحدث

ومن حيث لا أحب

تُؤجج النكران

أجيء من الماضي أو

أعود من المستقبل

تلك حياتي

أراوح بين زمنين

تقلقني

فكرة تلمع بدقة عما سيطالني

من فخرٍ وسوء

جربت هذا مرارًا

أعرف حياتي كأنني عائدة منها

أطلَقتُ حيال ذلك النبوءات

وصدّقتها بكل جوارحي.

*

 

غامرت فيما مضى

مدفوعةً بحب التجربة

ليس بوسعي الآن أن أصنف ذلك

أن أتحدّث عن الندم أو الإثارة كخلاصة

عن الصباحات التي كانت تجيء دون أن التفت

عن الليالي التي كانت تمر كذلك

قلبي هادئ وإن كان يقاسي

ألم التراجع

والثبات

وأنا جادة أفعل كل ما أقول

بدقة وتفاني

أتحدث عن الوقت

كما لو أن النهايات تطاردني

اصغ

للصمت ثقيلًا يخرج من رأسي

والساعة بجدٍ وعداوة توشك أن تُحدِث ثقبًا هناك.

*

 

في كل شجرة رمان

تنمو قرب الينابيع

فوق كل سماء

كما أحب أن أتخيل

في باطن كل أرض

كما أخشى أن تكون

في احتشاد الوجوه

تمر تباعًا في المرايا

يغمرني اليقين أنك

في كل مكانٍ

‏موجود

‏صامت ومُطرق

مثل آلهةٍ

أو حدس.

*

 

تجذب الليل من سمعته

ترسل رجفتك في ركبتي

تنسى كلمتك على لساني

تبقيني في حالة تخمين

بغرابة مؤكدة

كل شيء أُعيد ترتيبه

الفصول في مواعيدها لا تجيء

الكائنات في مواطنها لا تأمن

صباح اليوم

كانت أغنية أحبها تفتك بقلبي

والقطط غافية على عتبتي

تخبئ في غضبها

الريح.

 

اقرأ/ي أيضًا:

القشرة التي تغطّينا

سافو: لا العسل تشتهيه نفسي ولا النحل