25-ديسمبر-2021

رسم لـ مارجو فان إركلينز/ هولندا

في محاولاتنا المتكررة لأن نحيّد كل ما فينا لنمنح أنفسنا متعة الوقوف على خط البداية مجددًا، نصطدم برائحةٍ نعرفها، أو ملمسًا نتذكر إحساس سبابتنا عليه. تعودُ حواسنا لتلعب لعبةً لا نعرف نهايتها، تُغرينا بكل طريقةٍ شرعية أو غير شرعية لأن نؤمنَ بأن طبقات حبة البصل التي أهملناها هي شيءٌ عادي وروتيني، يفعله الجميع.

سنعود إلى قشرتنا الأولى حين تمشي الأيام على مهلها، فتمنحنا فرصة فريدة لكي نعيد اكتشاف ذاتنا، بعد حياةٍ عشناها، لم تكن لنا

نرمي الطبقات الأولى لحبة البصل هذه دون ادراكٍ أننا نشبهها، وتشبهنا، لكن العالم لم يصل لاختراعٍ يعيد تدوير قشورنا التي يبست بفعل قسوة الجو، والناس، واصطدام مشاعرنا بحجرٍ اسمنتيٍ وضِع في منتصف الطريق.

ركضنا كثيرًا،

هشة كانت قشورنا، لم تحتمل كل هذه المسافة.

كانت كتلك التي تغطي حبة البصل، نرميها، فنحرمها متعة الوصول إلى صحن السلطة الفاخر.

*

كل الخنادق والأسوار والأقفال والموانع وخطوط الدفاع التي شيدناها، قد تسقط في معركةٍ بسيطة إن كان لجيش الأيام الذي نحاربه خبير سهامٍ يستطيع إطلاق سهمًا واحدًا ليقتلنا، وإن لم يقتلنا في محاولته تلك، فقد حدد الأمتار الكافية ليصل إلى الخاصرة الأضعف فينا.

قشرتنا الأولى تحمل سرّنا الأكبر، تلك التي نضجت واحتوت جميع من سبقها، وهي التي تضحي بنفسها حين نقرر أنها لا تستحق مرافقتنا إلى نهاية الرحلة.

*

قشرتنا الأولى تحمل حكمة الساعات التي عشناها، وحين ننزعها، فإننا نطرق بابًا لا نعرف مفتاحه إلا إذا عشنا بطء الوقت بكثافته التي ستطغى على كل ضحكةٍ حلمنا بها، وكنا أقرب إليها من جيب القميص الذي نرتديه.

الابتسامات التي نتردد في إظهارها سترسِل دعواتٍ مبكرة للتجاعيد التي ستستقر على وجهنا، فالفرح كممارسة يومية يوصي به الأطباء كأي دواء، لكن فائضه مميت، يتخذ دور "الأسبرين" دون أن يُميّع الدم فيركض كأعرج، ويتخثر في زوايا الذاكرة ويحتلها، وحين نحتاج مساحة إضافية لنستوعب تفاصيل ما نراه، لنتحمله، ونضطر إلى شطب كل ما عشناه على أملٍ رقيق، خفيف وضعيف لأن نبني هذه المشاهد مرة أخرى.

*

سنعود إلى قشرتنا الأولى حين تمشي الأيام على مهلها، فتمنحنا فرصة فريدة لكي نعيد اكتشاف ذاتنا، بعد حياةٍ عشناها، لم تكن لنا.

دار هذا الكوكب قدر استطاعته، ودُرنا معه مجبرين، آملين موتًا ناعمًا رفقة من ترتاح له الروح، وهل أجمل من أن نودّع كل شيء، بعد كل هذا، فتكون الصورة الأخيرة التي نراها هي الابتسامة التي كنا ننتظر ساعة الصباح لنراها؟

*

تختلف تفاصيل كل شيء حين تكون الأربع والعشرين ساعة كلها لك.

تطحنك فتحاربها، تبطحك فتهزمها، تعاركك فتثور على كل شيء، وتنبت من جديد.

يصيبك خوفٌ خفي بفعل روتينٍ اعتادته وحدتك ولم تحتفظ بمسار الرحلة على "جوجل مابس". هذه حربٌ أخرى تخوضها بين جيشٍ يثبّت أقدامك هنا، وآخرٌ يدّعي أنه يملك حياة أفضل لك.

*

نحن قشرة البصل الأولى، المُهملة، تلك التي أسست لتاريخ الشتلة واحتفظت بطعم التراب.

*

نظن أننا "يوسين بولت" حين نستعد أمام الجماهير لنركض المسافة نحو ما نحب، ننسى كل احتكاكٍ خارجي سيؤثر على مسارنا، فقط؛ لإيماننا الداخلي بأننا نستحق أن نصل، مُعولّين على قشور ثابتة احاطتنا لمسافةٍ زمنية زودتنا بثقة كانت كافية لندخل هذا السباق.

*

مشكلتنا الأساسية التي نعيشها بعد أن نستسلم للحقيقة التي تقول إننا لسنا أفضل من أي شيء هي اعتيادنا على طقوسٍ مارسناها وحدنا، فصارت ملاذنا السهل الذي نهرب إليه من فوضى الغرباء.

نحن قشرة البصل الأولى، المُهملة، تلك التي أسست لتاريخ الشتلة واحتفظت بطعم التراب

يحتلنا الاعتياد حين نشعر بأن الدقيقة التي نقضيها مللًا أقصر بكثير من تلك التي نضعها حدًا لننهي تمرين "البلانك".

أو، حين تهملنا الأيام فنتسلى بتقشير طبقاتنا لنكتشف حقيقتنا، حقيقة ما نريد.

سننزف دمًا، وسنستعين "باليوتيوب" لنبحث عن اغنية مناسبة تخفف عنا.

سننزع قشورنا واحدةً واحدة، لنصل إلى لُبّ أنفسنا، وحينها فقط،

سندّعي أننا عشنا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هستيريا الضحك

لم أنتبهْ إلى النّهاية