18-ديسمبر-2020

الكاتب البريطاني كولن ولسون (1931-2013)

قدّم الكاتب البريطاني كولن ولسون (1931-2013) في كتابه "اللامنتمي"، الذي صدرت طبعته الأولى سنة 1956، ونُقل إلى اللغة العربية أواخر خمسينيات القرن الفائت؛ دراسة تحليلية واسعة لشخصية اللامنتمي، كما ظهرت في أعمال مجموعة كبيرة من الكتّاب والمفكّرين والفنانين، بدءًا من فرانز كافكا، وفيودور دوستويفسكي، وارنست همنغواي، مرورًا بألبير كامو، وجان بول سارتر، وفريدريك نيتشه، وليس انتهاءً بفان غوخ، وتي إي لورنس، وهنري باربوس.

يعرف كولن ولسون اللامنتمي بقوله إنه: "الإنسان الذي يدرك ما تنهض عليه الحياة الإنسانية من أساس واهٍ، والذي يشعر بأن الاضطراب والفوضوية هما أعمق تجذرًا من النظام الذي يؤمن به قومه".

صدرت حديثًا عن "دار الآداب" طبعة جديدة من الكتاب الذي صنع شهرة مؤلفه قبل إتمامه الخامسة والعشرين من عمره، وتصدّر قائمة الكتب الأكثر مبيعًا لسنواتٍ طويلة. ولكنه، في المقابل، لم ينل إعجاب النقاد الذين اعتبروا أن الجهد الذي بذله ولسون، لا يمكن التعامل معه إلا بوصفه مجرد رحلة سياحية، تنقّل فيها الكاتب البريطاني بين أعمال وسير أكثر الكتّاب والمفكرين شهرةً وتأثيرًا خلال تلك المرحلة، بالإضافة إلى اعتباره مجرد هاوٍ لا محترف، اختار التجوال في حقل الأدب دون منهجٍ واضح، أو اتساق منهجي، أو حتى صرامة فكرية لا بد منها لبناء عملٍ فكري متكامل، يمكّن مؤلفه فيما بعد من حيازة اعتراف المؤسسات الرسمية التي ظل ولسون، طيلة سنوات حياته، خارجها.

اقرأ/ي أيضًا: "غوغ.. مسامرات خضير ميري".. كتاب عن الجنون

اتخاذ النقاد الأكاديميون موقفًا سلبيًا من ولسون، واعتباره مجرد هاوٍ لا يملك الأدوات المعرفية والفكرية الاحترافية الكافية واللازمة، بالإضافة إلى عدم اعتراف المؤسسة البريطانية به، خلق عنده شعورًا بالإهانة، واجهها مؤلف "إله المتاهة" بشيءٍ من الغرور المسرف، حيث اعتبر نفسه في اليوميات التي نشرها في صحيفة "ذا ديلي ميل": "العبقرية الكبرى في قرننا العشرين"، وأضاف بعد نحو أربعة عقود يقول: "يبدو أنه بعد خمسمائة سنة، سيقولون إن ولسون كان عبقريًا، لأنني نقطة فاصلة في التاريخ الفكري"، بالإضافة إلى قوله: "لا بد أن يأتي ذلك اليوم الذي يعتبرونني فيه محقًا".

يقدّم كتاب "اللامنتمي"، وفقًا لما جاء في مقدمة الناشر الإنجليزي للطبعة العاشرة، جوابًا على سؤال: ما هو نوع الأشخاص الذي يظهر في عصرنا اليوم، ويمكن اعتباره انعكاسًا صادقًا له، أي للعصر الذي سيمتد بعد داروين وفرويد وآينشتاين والقنبلة الذرية؟ الجواب، كما وضعه كولن ولسون في كتابه، هو "اللامنتمي" الذي يُعرفه المؤلف بقوله إنه: "الإنسان الذي يدرك ما تنهض عليه الحياة الإنسانية من أساس واهٍ، والذي يشعر بأن الاضطراب والفوضوية هما أعمق تجذرًا من النظام الذي يؤمن به قومه".

ويضيف الناشر في مقدمته: "لقد رأى الماضي أشخاصًا مثل هذا توفرت لديهم مثل هذه الرؤى المفزعة، إلا أن هذا النوع لم يمثل عصره يومًا كما يفعل الآن. لقد قدم لنا ولسون، بأخذه هذا المجهود على عاتقه، كتابًا عظيم الأهمية بالنسبة إلينا، إذ كنا نريد حقًا أن نجد حلولًا لمشاعل عصرنا".

يبدأ الكاتب البريطاني كتابه بالقول: "يلوح اللامنتمي من النظرة الأولى مشكلة اجتماعية. إنه الرجل الغامض". تشكّل هذه الجملة مدخلًا رئيسيًا لقراءته الشكل أو المفهوم الأول من أشكال/ مفاهيم اللامنتمي، وهو "اللامنتمي النموذجي" الذي يعثر عليه في شخصية بطل قصة "الجحيم" لهنري باربوس، وهي شخصية ترى أكثر مما يجب، ولكنها في حقيقة الأمر لا ترى إلا الفوضى.

وبحسب صاحب "حلم غاية ما"، يمثل بطل هنري باربوس المفهوم الأول للمشكلة، فيما يمثل بطل "العقل في منهى حدود الاحتمال" لهربرت جورج ويلز، مفهومها الثاني. فالأول يقبل العيش، ولكنه يرفض قيم هذا العيش، بينما يجد أن الثاني يبتعد أكثر في رفضه، بل إن نتائجه تصل إلى حد الإباحية العدمية، مما يعني أنه يختلف عما هو عليه حال بطل باربوس الذي عَنون ولسون مفهومه بـ "التجريبي".

لم ينل كتاب "اللامنتمي" اعجاب النقاد الذين اعتبروا أن الجهد الذي بذله مؤلفه مجرد هاوٍ لا محترف، يتجول في حقل الأدب دون اتساق منهجي واضح

اقرأ/ي أيضًا: فهمي جدعان في سيرته الذاتية.. حكايات جنى الخطى والأيام

هنا، يستعيد ولسون لامنتميًا آخر هو بطل رواية "الغريب" لألبير كامو، باعتباره أكثر تجريبية من اللامنتمي عند باربوس لاعتباراتٍ عديدة، لعل أهمها أنه يفكّر أقل من الأول، وليس لديه نبوغ، ولا يملك مشاعر غير اعتيادية ليمنحها، لأنه في الأساس لا يملك شيئًا منها بحسب ما جاء في استهلال الرواية: "ماتت أمي اليوم أو بالأمس، إنني لست متأكدًا".

على هذا المنوال، يستعرض كولن ولسون وجوه هذه المشكلة كما يرصدها في أعمال أدبية وفنية مختلفة، محاولًا إيجاد ما يربطها ببعضها البعض أولًا، والانطلاق فيما بعد مما يستنتجه من عملية الربط والمقارنة هذه، باتجاه إضاءة هذه المشكلة الاجتماعية بما يكفي لتكون واضحة ومفصلة أيضًا للقراء والنقاد معًا، باعتبارها مشكلة أساسية من مشاكل عصرنا، يميل من يعاني بها إلى التعبير عن نفسه بمصطلحات وجودية، ولا يهمه التمييز بين الروح والجسد، أو الإنسان والطبيعة، إذ إن التمييز الوحيد الذي يعنيه هو بين الوجود والعدم فقط.

 

اقرأ/ي أيضًا:

وجيه غالي في يومياته: "لماذا لا أكف عن هذا الإذلال؟"

بوب كوفمان في "المطر القديم".. الشاعر مسمر على عظام العالم