10-ديسمبر-2020

الكاتب المصري وجيه غالي (1930 - 1969)

ألترا صوت - فريق التحرير

صدرت قبل أيام قليلة عن "دار الكتب خان" الترجمة العربية الكاملة ليوميات الكاتب المصري وجيه غالي (1930 - 1969)، تحت عنوان "يوميات وجيه غالي: كاتب مصري من الستينيات المتأرجحة"، تحرير مي حواس وترجمة محمد الدخاخني.

اليوميات التي صدرت باللغة الإنجليزية عن "منشورات الجامعة الأمريكية" في القاهرة، قبل أربعة أعوام، تغطي السنوات الأخيرة في حياة وجيه غالي، وتساهم في توضيح بعض التفاصيل الغامضة عنه، مثل سفره إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي عقب هزيمة حزيران/ يونيو 1967، وموقفه من السلام معها، بالإضافة إلى الكشف عن تفاصيل متعلقة بشخصيته المزاجية القلقة، والتحولات التي طرأت عليها منذ خروجه مصر عام 1958 إلى بريطانيا، ومنها إلى ألمانيا بعد انتهاء صلاحية جواز سفره، ورفض السلطات المصرية تجديده، لتصير إقامته في البلد الوحيد الذي رأى أن الحياة فيه قد تكون ممكنة، بعد مغادرته مصر، غير شرعية.

تقدّم يوميات وجيه غالي رواية مختلفة حول سنواته الأخيرة التي سبقت انتحاره

عمل الكاتب المصري فور وصوله إلى ألمانيا في ميناء مدينة هامبورغ، وبدأ هناك بكتابة الصفحات الأولى من "بيرة في نادي البلياردو"، روايته الأولى والوحيدة التي تقاطعت مع حياته الشخصية، بل وبدت انعكاسًا لها أيضًا، ناهيك عن رسمها خريطة للمجتمع المصري المتآكل بعد ثورة تموز/يوليو 1952، وتصويرها الفرد العربي لاجئًا يجر وتد خيمته، ويبحث عن مضرب جديد في كل أرض عربية أو مشرقية، بحسب تعبير الكاتب والصحافي الراحل رياض نجيب الريس. 

اقرأ/ي أيضًا: بوب كوفمان في "المطر القديم".. الشاعر مسمر على عظام العالم

نُشرت "بيرة في نادي البلياردو" للمرة الأولى باللغة الإنجليزية عام 1964، وانتظرت أكثر من أربعة عقود لتصل إلى اللغة العربية، حيث صدرت ترجمتها عام 2006، وتوالت طبعاتها منذ ذلك الوقت لتعيد مؤلفها إلى الواجهة، وتضعه في دائرة الاهتمام، إذ صدرت خلال السنوات الأخيرة عدة مؤلفات حول وجيه غالي وحياته، منها رسائله إلى ديانا أتهيل، صديقته البريطانية التي ساعدته على العودة إلى بريطانيا، والخلاص من ألمانيا التي ضاقت عليه، بالإضافة إلى تسهيل أمور إقامته، والأهم من ذلك: إيوائه في منزلها.

أتهيل نفسها نشرت كتابًا تحت عنوان "بعد جنازة"، روت فيه تفاصيل أربعة أعوام جمعتها بوجيه غالي، وكشفت بعضًا من أسراره، خصوصًا علاقته المضطربة والقائمة على الكراهية المتبادلة بينه وبين والدته، وطبيعة أزماته النفسية والداخلية، وتقلباته المزاجية، وسلوكه مع الآخرين، وأفكاره حول الأدب والمسرح والسياسية وقضايا العالم، على الأقل خلال الفترة التي سبقت حادثة انتحاره ليلة الـ 26 من كانون الأول/ديسمبر عام 1968، عبر ابتلاعه حفنة أقراص منومة أنهت حياته بعد عشرة أيام من الحادثة، 5 كانون الثاني/يناير 1969.

يوميات وجيه غالي قد تُقدّم رواية مختلفة عما روته ديانا أتهيل حول سنواته الأخيرة من جهة، وعلاقته بها من جهةٍ أخرى، بالإضافة إلى تفاصيل حول اضطراباته النفسية، وهشاشته، وإحساسه المستمر بالعجز لكونه يعيش على نفقة نفقتها، وهو ما أفقده احترامه لنفسه، ودفعه نحو كآبة مزمنة تغذيها خيباته وانكساراته وحياته برفقتها، إذ لم يعد يحتملها خلال تلك الفترة، بل بدأ بالنفور منها والاستخفاف بها أيضًا، وهو ما تذكره أتهيل أيضًا في كتابها، حيث وصفت تصرفاته تجاهها في تلك الفترة بالأنانية والعدائية والوقحة.

تغطي اليوميات السنوات الخمس الأخيرة في حياة صاحبها، وتكشف تفاصيل متعلقة بالأسباب التي دفعته إلى إنهاء حياته

اقرأ/ي أيضًا: رواية "روح أبي تصعد في المطر".. صورة بانورامية لحياة الأرجنتين

الكاتب المصري بدوره كان قد عبّر عن استيائه من أتهيل في يومياته، ولكنه لم يخطر بباله أثناء الكتابة أن صديقته التي فشل تحديد طبيعة العلاقة التي تجمعه بها، هل هي صداقة أم حب أم أمومة؟ ستقع على هذه الجملة التي دقت المسمار الأخير في نعش هذه العلاقة غير المتزنة بينهما، أو ربما الجزء السوي منها: "لقد بدأت أكرهها. أجدها لا تطاق.. ردود أفعالي ناحية ديانا يشعلها نفوري الجسدي منها. أجد من شبه المستحيل أن أعيش في بيت واحد مع شخص وجوده الجسدي يدفع بجسدي للانكماش نفورًا، ولذلك أجدني أبغض كل مل تفعله أو تقوله أو تكتبه".

يصف وجيه غالي حياته خلال تلك الفترة بقوله: "قلبي مُثقل بشكل رهيب وأنا مبتئس. أدري بالتأكيد أنني مريض، مريض عقليّا؛ لكن أن أكون واعيًا بذلك وأظل وحيدًا جدًا لهو أمر رهيب، وشفقتي على ذاتي هي أيضًا تبعث على الشفقة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

12 رواية قصيرة لثربانتس

فرجينيا وولف في سيرتها.. أسئلة الزمن والموت