14-ديسمبر-2020

كتاب "غوغ.. مسامرات خضير ميري"

ألترا صوت – فريق التحرير

"غوغ.. مسامرات خضير ميري" كتاب جمَّعه وأعدّه وقدم له الكاتب والمسرحي العراقي محمود عواد، وصدر عن دار درابين الكتب في 400 صفحة من القطع الوسط، وقد صمّم غلافه الفنان التشكيلي العراقي كريم سعدون.

 ترويج كمية من الأدلة في تعزيز العبث الكتابي هو تمييع لمهمة أن يكون العمل الذهني تهتكًا ومباراة لا بد منها

الثيمة الرئيسة للكتاب هي الجنون، ويمكن عده وثيقة سيرذاتية للجنون العراقي متمثلًا بالمحطات الحياتية والإبداعية للروائي والفيلسوف خضير ميري.

اقرأ/ي أيضًا: بوب كوفمان في "المطر القديم".. الشاعر مسمر على عظام العالم

قُسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام، نصوص لم تُنشر له، ودراسات لنقاد عرب تناولت منجزه الابداعي، وحوارات أُجريت معه. ولخضير ميري اهتمامات ابداعية ومعرفية توزعت بين الفلسفة والشعر والرواية والقصة، واستطاع من خلال تجربته مع المصحات أن ينفرد في تأسيس أدب الجنون والمصحات، من أعماله الروائية "أيام العسل والجنون"، و"صحراء بوذا"، و"جن وجنون وجريمة" و"الذبابة على الوردة"، وله في فن القص "حكايات من الشماعية"، و"كيس أسود مخصص للأزبال"، وفي الشعر له "تعديل ذيل الكلب"، و"سارق الحدائق"، أما في الفلسفة فقد صدر له "دائرة السؤال الفلسفي"، و"تصريح بالجنون". ويكتشف المنقِّب في عوالم ميري أن كتابته هي ظل لسلوك يعد منبوذًا من وجهة نظر الثقافة العراقية الراكدة.

من الكتاب

منذ فترة ليست بالقليلة، صار متاحًا لنا أن نبوح بالأشياء السيئة، بعض منها إعادة اقتراح الصراحة التي هي فتنة الجُبن، كما أن تدويل المعنى الأكثر عتمة، أو لوي عنق التظليل المحبب للتشويق الإبداعي، سيكون نوعًا من العبث الأسلوبي، وحسب ما يقتضيه واقع الحال الصناعي اليوم؛ فإن ترويج كمية من الأدلة في تعزيز العبث الكتابي هو تمييع لمهمة أن يكون العمل الذهني تهتكًا ومباراة لا بد منها، من أجل تقليص سلطة المسؤولية الأدبية أو الأيديولوجية الشعرية أو التراكم المفهومي.

التواصل برق نشتاق إليه وهو طعم الاغتراب المتعسف للذوات المتعاشقة تمامًا، كنت أرى أن الكتابة هي البحث عن قارئ مجهول، أو صديق مؤجل، وهو نحت الجسر الوهمي بين خيالات متصادفة، ومسارات متفاوتة وحتميات محنطة في أركانها وفي تشتتها الضروري لتغطية مساحات الحلم، وتعميق اللامتناهي، كما أرى، والشعر هو تعزيز صدفة اللغة وتكريس لاعتباطية الحرية، من قال إن للوجود مسارًا؟ أو للعقل عقلًا؟

إن ما نتواضع عليه هو إخفاء الصدع الوجودي الذي يعثر علينا ولا نعثر علينا فيه، هو تقديم مساحة أكثر منه استردادًا للخطوات، كما أن التنوع الذي لا نشعر به كفاية هو تحصيل خسارات رمزية، من ضمنها التوصل إلى الشكل، وهو مناسبة للمثول الأحمق داخل فكرة البيت أو تحت السماء أو فوق الأرض.

إن الشكل هو تخريب فكرة العدمية، كما أن العقل هو انتساب إلى فكرة الرب، وإن الأمل في الكتابة يشبه اليأس من الصمت، كما إن دفع الكتابة إلى أمام يعني التغافل عن حافة الهاوية، أو نسيان السقوط الأول للكائن بوصفه اقتراحًا، واتفاقًا وعرضية، وهو ما يشبه الإيمان بحثًا عن نسق، أو تطويع اللغة ككمية، بينما هي دخان، وحريق ومتماسات طفيفة مثل نزع لحاء الشجرة أو تقشير الماء على الشاطئ، ولا أرى في اللغة من بقاء شرطي أو سلالة حتمية لأي تواصل جوهري معين، بل عرض عرضيات لا أكثر، وتدويل منافي وسرق مسببات.

إن الفكر هو المسؤول عن أية مسؤولية مزعومة، والعقل هو الوتد الغوغائي لتطنين أي اتصال بمجهول صار عبادة، كما أن تدوين الكتابة اعتقال متقدم، وهجرها ذنب لا يغتفر، وما يبقى يشتمه الشعراء ويستعيده الفلاسفة صلبًا ومحببًا كمخاط في فم صاحبه، أو كخطاب لما بعد الموت، بينما ما هو أيديولوجي يحكم ويتحكم ويعيش قتيلًا، لا تتساوى اللغة مع الفكر الذي لا يمتثل بيننا بغيرها، ولا يبدو أن هناك اتساعًا كافيًا للغة لكي تكون فكرًا، ولا للشعر لكي يستعيد نسيان الذات فيه من أجل البداية من أبدية ما.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فهمي جدعان في سيرته الذاتية.. حكايات جنى الخطى والأيام

وجيه غالي في يومياته: "لماذا لا أكف عن هذا الإذلال؟"