23-مايو-2017

مساحات لـ ليون تاراسويتز/ بولندا

يصحو من العدم كل صباح
مثقلًا باحتمالات لن تتحقق أبدًا 
يطالع في الجريدة صور الأحياء القليلين الذين تبقوا
يقرأ أسماءهم على عجالة
ويستغرب من غياب العيون في الصور
ثم يخرج للفناء الخلفي
تباغته الطيور 
وتنقر بعضًا من راْسه 
يستدير ليعود 
ولكن من أين؟
وإلى ماذا؟
ينسى
ينسى أن الطيور قد نقرت لتوها
آخر ذكرياته.
*

في محطة الباص
يشتري تذكرة باتجاه وسط المدينة
ويجلس يراقب بصمت
مرور المدينة التي أحبها
باردة، متمرسة وتقهقه في وجهه كعاهرة
ظلُّ المرء شرفه
يقول لنفسه
وفي المحطة الأخيرة 
ينزل خفيفًا 
يتلفت ليتفقد ظله
فلا يجده.
*

على قارعة الطريق
يمد مُقعد ذراعيه
لا شيء يملكه فيعطيه
يخلع معطفه
ويلبسه إياه
وحين يفكر أن يلوح له من بعيد
يتذكر أنه قد نسي توًّا
يديه في جيبي معطفه
*

يمر بدكاكين موصدة
وأرصفة محشوة بالغبار 
وحاويات قمامة مشرعة للريح
يدندن بأغنية قديمة
ويلقي تحية الصباح 
على الجميع
صباح الخير يا بقية المدافع المهملة
صباح الخير أيتها المركبة المعطلة
صباح الخير يا رائحة الموت 
وحين يلقى أخيرًا 
جثة لصاحبه
يهم أن يقول صباح الخير فلا يستطيع
أيكون قد فقد صوته؟
*

يتكئ على عمود كهرباء يبث ضوءًا برتقاليًا شحيحًا 
رغم أن الوقت نهار 
يرسل بصره في الشوارع 
ثم يلمحها من بعيد 
صخرة صغيرة ناتئة
شاهدة عشوائية لقبر حبيبته
يجري نحوها 
يجري حتى تبتلع الطريق قدميه
*

يظل يتساقط
يفقد أعضاءه 
قلبه
إحدى رئتيه
كبده
طحاله
كليتيه
تتخاطفها من خلفه القطط الجائعة
وحين يصل أخيرًا
إلى مصور الحي
يجلس على مقعد القش الوطيء
يبتسم بالزاوية المتبقية من فمه
متخيلًا صورته في جريدة الغد
ثم يعم الظلام فجأة 
كان فلاش الكاميرا 
قد خطف للتو عينيه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رينيه شار: الرفاق في الحديقة

لا للحياة