16-يوليو-2018

غاري بونت/ بريطانيا

لصانع الأسئلة مهمة بسيطة معقدة. كيف اهتدى إليها؟ حسنٌ، لا يكره الرجل شيئًا ككرهه أن يُسأل؛ وهو في معظم الأحيان لا يملك أصلًا إجابة محددة، هو ببساطة يملك السؤال، وهو قادر من ملامح الناس ونبرات أصواتهم ومحددات أخرى أن يختار بدقة غريبة سؤال كل منهم، السؤال الواحد الذي يُعَرّفه!

وقد بدأت صنعته هذه كما تبدأ صنعة أي كاتب؛ أسئلة كبيرة، مبهمة، محشوة وتبدو ذات أهمية. غير أنه مع الوقت صار ينحو للتخصص والتحديد، وصار يشعر أن معظم الناس حوله أسئلة بسيطة وهو بالضبط ما يجعلهم كائنات على درجة من التعقيد، وعلى النقيض من ذلك صار دون أن يدري يكره أصحاب الأسئلة الوجودية كالزبائن من نوع هل الله موجود حقًا؟ فعدا عن ميول هؤلاء إلى تبني حالات حادة من الاكتئاب وعدم الرضا فإن دم القوم ثقيل كدم البق، وعادة ما يقودونه إلى سين وجيم ومتاهات هو بغنى عنها. ويفضل على العكس من هؤلاء زبائن من نوع: هل بيتي قريب؟ كيف أعاشر زوجتي؟ أين ينتهي سياج جاري؟ وما إلى ذلك من الزبائن الظرفاء الذين تُعرّفهم أسئلة شديدة الفردية وشديدة الاشتراك مع مشاع الإنسانية في الوقت ذاته.

ثم مع تملكه لمفاتيح الصنعة صار للرجل مريدون وأتباع، وصارت أنوف الناس الحادة، وجباههم العريضة، وذقونهم المدببة، وعيونهم التي يصعب أن يعتقد أي كان أنها تخفي عمقًا مُجدِيًا، أو أمرًا ذَا بال تقوده إلى اعتبار بعضهم علامات سؤال محددة وجامدة أو بدايات سؤال لا تعني إلا ما يعتقده الواحد فيهم. وقد يبدو للبعض غير المتخصص في الصنعة أن هكذا زبائن هم الأكثر غموضًا وعمقًا إلا أن الواقع يقول أن زبونًا من نوع كيف أسدد أقساط شقتي؟ أو متى ستمطر؟ وأمثالهم أشد تعقيدًا وأصعب إحاطةً من زبائن من نوع كيف؟ أو هل؟ أو إلى أين؟ بل إن أتفه الناس عنده كان الأستاذ همزة (أ) والذي لم يكن وفقًا للرجل يُعلم له رأسٌ من قفا.

ما كان ليحيره أحدٌ، حتى أولئك الذين تغيرت ملامحهم الأصيلة بتشوه عارض أو تدخل جراحي. كل الناس عنده أسئلة واضحة، أو مفتوحة، أو عبثية، أو استنكارية وإلا فعلامات سؤال، أو أدوات استفهام. وما كان ليعتبر أيًا من الناس إجابة أو مشروع إجابة ففي هذا وفقًا لاعتقاده إهانة لما صنع الله بيديه. وكان يدفع بكل ما استطاع من قوةِ الدفع ملامح وجهه من رأسه ولا ينظر في أجسام عاكسة ولا في مرايا كان يخشى من سؤاله رغم أن كل العيون التي مرت عليه وبحلق فيها بطيبتها ومكرها وعمقها وتسطحها وتحفظها وإفصاحها كانت تبدي له ما كان يخشاه؛ لقد كان الرجل نبرة، لم يكن نقطة كما هيأت له أحلامه وهواجسه وإنما كان نبرة لم يدرك ما الذي يمكن أن يعنيه هذا ولأنه لم يكن ليملك الإجابة صار يستخدم كل الناس ليوصل نفسه إلى معنى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نشيد الندرة

بياض السرير