11-ديسمبر-2016

رسم كاريكتاوري لحرية الإعلام (kashmirobserver)

قبل سنوات، وإن لم تخني الذاكرة، قبل 16 سنة كاملة، وقتها كنت في بدايات اكتشاف المهنة، برزت أسماء كثيرة في الصحافة الجزائرية، مع احتفاظ البعض منها ببريقها، كنت مثل التلميذ الذي يدخل أول مرة صف الدراسة، أستمع كثيرًا لما يقوله رئيس التحرير وتلك الأسماء التي كنت أقرأ لها، صرت بينهم واشتغل معهم، وأستمع لنقاشاتهم، أقول هذا لأن المشهد يعود وكأنه البارحة فقط وصار مختلفًا اليوم.

جمعتنا المهنة وفرقتنا المهنة أيضًا، جمعتنا الظروف وفرقتنا الظروف، صحيح لا يمكننا أن نعيد عجلة الماضي لكننا يمكن أن نأخذ منه العبرة، أو طريقًا لعدم تكرار الأخطاء، نفس الأصوات ونفس الكلمات تعود بين الحين والآخر، لكنها تتكرر عبر أفضل تقنية.

الصحافة تخطف منا زهرة العمر، وتترك بيننا آلام لا دواء لها، حتى وإن حاولنا إيجاد وصفة سحرية لعلاجها

الكثيرون اليوم وجدوا في وسيلة التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" الملجأ والمهرب والمشجب الذي يعلقون عليه أفكارهم، آراءهم وطموحاتهم وآمالهم وأحلامهم أيضًا، لكنه في نفس الوقت صار الصحفي في الجزائر يفرغ في هذا الفضاء الأزرق معظم رواسب المهنة، عندما تضيق عليه مساحة التعبير الورقي في صفحات الجرائد، ويخونه ضيق الوقت في القنوات التلفزيونية بمختلف مشاربها وتوجهاتها.

قبل أيام التقيت بأحد الصحفيين من جيل صحافة الثمانينات ولأمانة المجلس لا يمكنني ذكر اسمه، لكنه اليوم يعيد تصفيف مقالاته التي كتبها خلال ثلاثة عقود من الزمن، لإخراجها في كتاب، كما يحاول أيضًا تقديم تجربته لطلبة الإعلام في الجزائر، في مختلف المعاهد، ترك أثرًا بالغًا في نفسي وهو يقول: "اليوم أركب الحافلة والقطار والمترو والترامواي ولازلت استمع لقصص الناس، وكم هو جميل أن يفعل ذلك بعيدًا عن الأضواء"، لكنه أصر على شيء جعله يخفي دموعه، حيث قال: "قد نخطئ لأننا كنا نعتقد أننا ندافع عن قيم حرية التعبير ونرفع شعار الرأي والرأي الآخر، لكن كم هو مؤلم أن نكتشف بعد مرور السنوات أننا أخطأنا في حق هذا وظلمنا ذاك، وتغافلنا عن أشياء كثيرة، فالكلمة التي نكتبها أو نقولها ليست سهلة كما كنا نعتقد ونحن في بداية الزهو الإعلامي، اليوم بإطلالة على ما خلفته السنوات في مهنة المتاعب، كل شيء يتغير ولا موقف يبقى على حاله، حتى بعض المبادئ يمكنها أن تتغير ولا يمكن أن تراوح مكانها لعقود من الزمن لاختلاف الظروف" بحسب رأيه، في النهاية "فصاحبة الجلالة لا تعترف بالملفات بل بالأسماء".

اقرأ/ي أيضًا: صحافيون بلا عقود

الصحافة تخطف منا زهرة العمر، وتترك بيننا آلام لا دواء لها، حتى وإن حاولنا إيجاد وصفة سحرية لعلاجها، فالحكمة تقول "الزمن كفيل ويداوي الجراح " لكنه للأسف يترك الخدوش والندوب.

صار الصحفي في الجزائر يفرغ في هذا الفضاء الأزرق معظم رواسب المهنة، عندما تضيق عليه مساحة التعبير الورقي

نختلف في الحياة ونتعارك فيما بيننا، قد يهاجم صحفي صحفيًا آخر عبر الفيس بوك، والصراحة النقاش خلف الشاشة لا يمكنه أن يكون نزيهًا، ولا صادقًا مهما فعلت التكنولوجيا، ولكن مع موت واحد منا، نتوقف للحظات، نراجع كلماتنا ومواقفنا، نعيد الصور والمشاهد، نتحسر لطلب لم نلبيه أو إعانة لم نقدمها أو فرحة لم نشارك فيها أو خاطر لم نجبره، لسبب أو لآخر، وربما نندم ثم نبكي وفي النهاية نترحم عليه.

كل الصحفيين يتفقون في التعبير عن موت زميل، لأن الموت واحدة ولا تفرق بين هذا وذاك، لكن هيهات فمرارتها تبقى على الألسنة وترسخها لأصابع وتحفظها واجهة الفضاء الافتراضي.

اقرأ/ي أيضًا:
عمرو العراقي.. أول كتاب عربي عن صحافة البيانات
ضد الإعلام