05-أبريل-2016

سيرجي تونين/ روسيا

غطّت فوضى البلاد التي تعيشها منذ عام 2003 وحتى الآن، مجال الإعلام، وأصبحت فرصة العمل فيه أسهل من أية مهنة أخرى. ربما أسهل من المهن ذات الأجر اليومي، ودليل على ذلك أن في نقابة الصحافيين العراقيين 18 ألف عضو تقريبًا، هذا غير الآلاف من المهنيين الذين لم ينتموا لها.

مالك المؤسسة الإعلامية في العراق يُريد أن يكون عنده أكبر عدد من الموظفين بأقل تكلفة

ونتيجة تلك الفوضى التي سهلت فرص العمل في الإعلام للقادرين على تطوير المهنة وغيرهم، أصبحت عملية الاستغناء أسهل من طريقة تعيينهم. مالك المؤسسة الإعلامية يُريد أن يكون عنده أكبر عدد من الموظفين بأقل تكلفة، وهذا ما دفعه للإتيان بأشخاص لا يمتون للصحافة بأية صلة وبتكاليف أقل، وإن بقوا وعملوا فيها لعشرات السنين، فإن مستواهم سيبقى على حاله.

اقرأ/ي أيضًا: جوليان آسانج.. صحافي نادر على طريقته

وجود غير القادرين على ممارسة العمل الصحافي بطريقة غير مهنية ومحترفة في المؤسسات الإعلامية، غير متعب، وسهل جدًا، ولا يُكلف ماديًا نصف ما يُكلفه الصحافي المهني. لكنهما بالنتيجة تساويا (المهني وغير المهني)، ولأن أولئك غير القادرين على ممارسة المهنة وفق معايير أخلاقية ومهنية صحيحة، لم يطالبوا بحقوقهم، وجل ما يشغلهم أن يظهروا في الشاشة أو تُطبع أسمائهم على الصُحف.

أمام هذه الفوضى، صار عليك أن تتوقع وأنت تسير بسيارتك في الشارع المتخم بسيطرات التفتيش، أن يُظهر لك الشرطي هوية نقابة الصحافيين إذا ما عرف أنك صحفي. وبكل عفوية يقول لك وأنت تُبرز هويتك التعريفية: "هههههه عندي مثلها". هذه الحادثة تكررت كثيرًا، لأن أحدهم استلم 100 دولار من الشرطي مقابل إصدار هوية نقابة الصحافيين.

في العامين الأخيرين سرحت عدد من وسائل الإعلام العراقية مئات الصحافيين، دون سابق إنذار أو رواتب تعويضية لثلاثة أشهر مثلما معمول به في بقية وسائل الإعلام المحترمة في الوطن العربي أو بقية دول العالم، أو مثلما نص عليه قانون العمل العراقي الذي لجأ إليه قانون "حقوق الصحافيين" في مادته (14).

أيضًا، صار من الطبيعي أن تذهب صباحًا للمؤسسة الإعلامية التي تعمل فيها ويُبلغك موظف الاستعلامات بأن "عملك قد انتهى". الطبيعي الآخر أن تعود حيث أتيت بلا مطالبة بحقوقك، لأنك بكل بساطة (صحافي بلا عقد).

الصحافيون في العراق منحوا مدراء المؤسسات الإعلامية فرصة التحكم بهم وتهديد مصدر رزقهم في أية لحظة، لأنهم ببساطة سيُطردون حال طلبهم توقيع عقد مع مؤسساتهم، مما جعلهم قلقين من احتمالية إنهاء خدمتهم بمجرد انزعاج أي من مسؤوليهم منهم أو عدم رضاهم على قصة صحافية أنجزها صحافي بلا عقد.

الصحافي العراقي اليوم مُحاط بالمخاطر، الأمنية، ومراقبة السلطة وصعوبة الوصول للمعلومة

في عام 2011 صوت مجلس النواب العراقي على "قانون حقوق الصحافيين" المثير للجدل، ونصت المادة (13) منه على: "تلتزم الجهات الإعلامية المحلية والأجنبية العاملة في جمهورية العراق بإبرام عقود عمل مع الصحفيين العاملين في تلك الجهات وفق نموذج تعده نقابة الصحفيين في المركز أو الأقاليم، ويتم إيداع نسخة من العقد لديها".

اقرأ/ي أيضًا: دقائق الصمت المهدورة

كما نصت المادة (14) من نفس القانون على: "لا يجوز فصل الصحفي تعسفيًا وبخلافه يستطيع المطالبة بالتعويض وفق أحكام قانون العمل النافذ". وتنص المادة (42) من قانون العمل على: "على صاحب العمل إنذار العامل تحريريًا بإنهاء العقد، وفي حالة عدم إنذاره يتم تعويضه بدل هذا الإنذار، ويجب أن لا تقل فترة الإنذار عن (30) يومًا".

طيب.. نقابة الصحافيين المسؤولة عن تلك العقود التي يُفترض أن "تودع عندها نسخة من كل عقد"، لا يوجد فيها سوى عقد واحد او عقدين، بحسب أحد أعضاء مجلس إدارتها. بالمقابل، هناك أكثر من 100 "وكالة أنباء وموقع إلكتروني"، وعشرات الصحف والإذاعات والفضائيات!.

هذه المأساة التي أدت إلى تجاهل مرحلة إبرام عقد بين المؤسسة الإعلامية وبين موظفيها، فاقمت فرص الاستغناء عن الصحافيين بكل سهولة، وبطرق غير محترمة، ودون أي تعويض، وأصبح لدينا عشرات الصحفيين العاطلين عن العمل بسبب مزاجيات مدراء المؤسسات وتكاسل نقابة الصحافيين.

الصحافي العراقي اليوم مُحاط بالمخاطر، الأمنية، ومراقبة السلطة وصعوبة الوصول للمعلومة، وتلك الاقتصادية التي تتعلق بضمانه الاجتماعي واحترام فترة خدمته، في ظل وجود نقابتين للصحافيين وعدد لا بأس به من المؤسسات المهتمة بالدفاع عنه، التي تبذل جهدًا إيجابيًا، لكنها غير قادرة على تحقيق كل شيء وحدها، فهناك صحافيون لا يريدون حقوقهم، ومن يُطالب بحقه، مصيره الطرد، لأنه صحافي بلا عقد.

اقرأ/ي أيضًا:

"روسيا اليوم" أسوأ منها في الأمس

قراءة في اعتصامات الصدر

الليل في أبي غريب