09-أغسطس-2017

سوزان عليوان/ لبنان

الأم الراكضة في السهل

تركض في السهل حاملةً رضيعها وكلها ثقة أنه سباق بينها وبين رصاصة.

هرب أهل القرية نحو التل الكبير. التلال في الحرب من أفضل المتاريس في الاقتحامات. حملت ابنها في وشاح أزرق ورأت وسادته البنية. سمعت صوت انفجار قذيفة بجانبها فوقعت أرضًا. فتحت الوشاح الأزرق ولم تجد رضيعها، فصرخت أين ابني، توقفت عن الركض فرأت أهل القرية وقد وصلوا التل الكبير، جاء شاب ليسحبها لكنها راحت تصرخ: جلبت الوشاح والوسادة ولم أجلب ابني، ما زال في القرية.

وعدها الشاب أن يعود ليلًا لإحضاره، أبت ثم نظرت إلى القرية وركضت صوبها. تعثرت بجثة أخيها فتماسكت وأكملت، لتستقر قدمها أثناء الركض ببطن جارها المفتوح. توقفت عند الزيتونة في مدخل القرية ورأت جثة أبيها. حين وصلت المنزل المعتم لمحت طيف ابنها نائمًا فنامت بجانبه حتى يستيقظ.

خرج الجنود من القرية في اليوم التالي ولم يلاحظوا وجودها، كانت محدقة باتجاه ابنها، تتباطأ أنفاسها حد اللاتنفس حين تسمع صراخ الجنود في الخارج.

عاد أهل القرية، دفنوا موتاهم ومن بينهم ذلك الرضيع، الذي مات من حجر نزل من السقف بسبب سقوط قذيفة.

ما زالت تركض كل يوم في السهول لتعود في الليل وتنام مكان رضيعها.

 

حل من الياسمين

ياسمينته تخفق كراية تائهة كأنها نبض يصارع البقاء، ياسمينته ذبيحة، وبقية أزهار الحديقة تكابر وكأنها تتفاوض مع البقاء.

بعد أن انتهى من سقاية حديقته، ذكّره بياض ياسمينته بخدي حبيبته، فأخذ صورة ذاتية معها، رتّب أوراقها، وأنزل غصنًا على كتفه كما تصور مع حبيبته الشهيدة، استبدل يد الحبيبة بغصن الياسمين، ثم قبّل الغصن.

نادته أمه وقالت له: سنذهب إلى زيارة خالتك، عدّل هندامك فابنة الخالة تنتظر جوابًا منك.

رتّب أموره على عجل، وانطلقت العائلة. وصل إلى أول الحارة مع أهله، فجاءت طائرة مقاتلة، احتمى وأهله داخل حفرة على جانب الطريق، ثم كانت الغارة. انفجارات متتالية وغبار أبيض كثيف، فصراخ واستغاثات جراء الإصابات والذعر.

ركض مسرعًا، باتجاه منزله مع من ركض من بقية أهل القرية. لم يعنه أن يبحث بين الجثث، لم يكترث لتهدّم البيت. كل همه كان مركزًا باتجاه الياسمينة التي وجدها ممزقةً بالكامل. بكاها. ثم أخذ الغصن الذي بقي سليمًا وغرسه في مكان الياسمينة.

لاحقًا حين بدأت الياسمينة تنمو من جديد، خطر له أن يفعل الأمر ذاته مع القتلى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

القيامة الآن

الآن صواب، بعد ذلك خطأ