09-أغسطس-2017

صورة لـ عباس كياروستمي/ إيران

 

  • الصوتُ الذي يحدثهُ البابُ ليسَ صَريرًا هو أنينُهُ الأزليُّ مُذْ قُدَّ من أصلِهِ الشجرةِ

 

1

أنا حقلٌ مترامي الأطرافِ

أنتِ فزاعةٌ ثيابُها جسدُها ومروحتُها الهواءُ

والعصافيرُ سكاكينُ.

 

نحنُ الثلاثةُ فكرةٌ شعريةٌ مرعبةٌ:

تَبدأ بانسحابِ ماءٍ ثقيلٍ كالآسيدِ إلى الحقولِ

بانفكاكِ الفزاعةِ من جاذبيتِها، بحالِها، حالِ كرةِ اللهب

بُسكنىَ العصافيرِ الجَحيم!

 

ثَمّةَ لا واقعيةَ تَجعلُنا سُعداءَ:

نَحنُ اللامؤمنونَ والمشهدُ "فوبيا" القيامةِ.

 

2

أنا النبيُّ أرعىَ ماعزي

أنتِ شجرةٌ ظلالُها الجبالُ

والله غيمةٌ والمطرُ بعيدٌ والمنحدراتُ زَلقٌ

 

نحنُ الله وأنتِ والأشجار: قصةُ الكونِ الضعيفةُ

لاهامشَ يَحفُّ بها ولا متنَ يسندُها من العويل:

يأتي وقتٌ علىَ النبي فيكونُ غريبًا وقاتلًا

يأتي وقتٌ على الشجرةِ فتكونُ أفعى والجبالُ حيلة

يأتي وقتٌ على الله فلا يكونُ أحدًا أو شيئًا أو فكرةً

 

لكأنَّ في الأمرِ فَزعًا، يتركنا للركضِ في العتمةِ

نحنُ الذين قرأنا الله مشهدًا، ولم نؤمن بهِ ولم نقتلهُ!

 

3

أنا عصا الرغبةِ

فحلٌ وتطوّبُ نساءٌ حارّاتٌ لي

سريري واسعٌ والساتانُ فسحةُ النظرِ

عصايَ بوصلتي وفخذاك شمالٌ مضيءُ

أنتِ خلاسٌ/ حديدٌ/ ونحاسٌ/ وشمسٌ

ونهداكِ قطتانِ من عاجٍ

وفيَّ طفلٌ لايكبرُ علىَ اللهو!

 

نحنُ نهداكِ وأنا والهشُّ من جسدكِ المقروءُ

سأقرأ أولًا: القيامةُ الآن، فأعْجِلُ الغزالاتِ إلى سهلكِ

ولاسهلَ فيكِ إلّا هشاشتكِ، حيثُ تنامُ السَعالي والأقصوصةُ

وتَسرحُ ذئابٌ شّمّامةُ عطرٍ منحدرَ جبالكِ.

 

لكأن الله يعودُ قويًا كلّما هززتُك، كلّما أخذتكِ أرضًا جديدة

أنا/ نحنُ ولا أعرفُ أحدًا مُذْ ماتتْ أرضٌ كانتْ لكِ وحدكِ

وكانت تمتدُ من زاويةِ "بيتِ الشَعر" القديم إلى أولِ السَرابِ

إلىَ بُحّةِ الربابةِ فَصدرُ الربعِ الذي يتوسطهُ الشاعرُ.

 

4

اتبعوا ظليَّ الذي قالَ: القيامةُ الآن

لا أحدّ يتهمُ نبيًا يرعىَ ماعزهُ في الجرود بنكرانِ الله

المنحدراتُ في الأحلامُ زلقٌ والمناماتُ زلقى وأنتِ الشهيةُ

من رأىَ الله في شخصكِ وصلَ الهاوية آمنًا

ومنْ لم يرَكِ ماتَ سعيدًا في فراشكِ السحرِ!

 

نحنُ أنا وأنت الكثيرة عليَّ وعلى كلّ البلادِ:

سيأتي زمنٌ يجرُّ الحرب خلفهُ مثلما تجرينَ ثيابكِ

سيأتي أولادٌ مثلي يتامىَ وناقصي حنان يتعلقونَ بثوبكِ

سيأتي عشاقٌ حمقى يرهزون إليتكِ كتيوسٍ جبليةٍ

 

القيامةُ الآنَ، هذه تخاريفُ الحَشرِ

الهذيانُ وَسْمُ وقتي ولا سَريرَ مُضاءٌ بكِ

ولستُ نبيًا قاد ماعزهُ إلى الجرود وزلّت قدمهُ

أنا فزاعةُ حقلٍ وأنت فزاعةُ حقلٍ متعانقتانِ

هذا السرُّ في بئرٍ والسيّارة عميان!

 

وقلنا: هذا حرثٌ سيئ وهذا آوانهِ

والنطفةُ المجدةُ ذاهبةٌ إلى السَبخات..

وقلنا: القيامةُ الآنَ وهؤلاءِ البشر كانوا أشجارًا

وأولادًا للجحيم/ طبقةِ الأرضِ السحيقةِ/ وكانوا زيتًا!

 

5

أعرفُ أسماءَ الأشجارِ شجرةً شجرةً:

الشجرةُ التي صارت بابًا

الشجرةُ التي صارت نايًا

الشجرةُ التي صارت فزّاعةً

الشجرةُ التي صارت أنتِ

الشجرةُ التي صارت أنا..

 

أمّا الشجرةُ التي صارتْ فَحمًا

حركّتِ البواخرَ والقطاراتِ واشتعلَت في الأماسي

الشجرةُ التي شربتْ دمًا وحكايا وعاشت طويلًا في باطنِ الأرض

تخففتْ كثيرًا منَ الهُبابِ وكفّرتِ عن سوادِ سحنتِها فكنتِ أنتِ المديدةُ

الطويلةُ، المشرئبةُ إلىَ حياتنا، الخلاسيةُ، ذاتِ الشَغفِ والشَبقِ والدمِ الحارّ

 القيامةُ الآن:

ذاكرةُ الخليقةِ وأنتِ وأنتِ وأنا وأنا

سنسيرُ علىَ الصِراط المتعرّجِ تسندُنا أشباحُنا

سنسقطُ وظلالُنا الرخوةِ جهةَ الجحيم والأشباحُ خدعةٌ

سنقول: هيئوا لنا بعضاً منَ الوقتِ لنتزاوجَ والعالمُ رحيلٌ

سيسيرُ الوقتُ إلى زوال وامرأةٌ خِصبٌ واحدةٌ تكفي لنستمرَ

 

القيامةُ الآنَ فادفعي البابَ الذي كانَ الشجرة

وأشرفي علىَ هاويةٍ هيَ آخرُ الكون، لا أفقَ بعدها

ولا قبلها إلّا مشهدُ النارُ الكبرىَ ووقودُها بلدانُ!

 

اقرأ/ي أيضًا:

مَديحُ الحيرةِ الخفيفةِ

مجاز الشجرة