16-يونيو-2019

تحاول السعودية التغلغل في منطقة شرق الفرات (أ.ف.ب)

الترا صوت – فريق التحرير

عقد في ريف دير الزور مؤخرًا اجتماع ضم مسؤولين سعوديين وأمريكيين التقوا خلاله مع مسؤولين من قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها المنطقة ضد الانتهاكات التي ترتكبها الميليشيا بحق السكان المحليين، ومحاولات الرياض تقديم نفسها كداعم سخي لقسد لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، وخوفًا من توجههم للتنسيق مع الجانب التركي ضد الجماعات الكردية هناك.

جاءت زيارة الوزير السعودي ثامر السبهان إلى دير الزور في إطار محاولات سعودية متكررة للتواجد في المنطقة التي تشهد نزاعًا بين الأطراف الدولية الفاعلة في الشأن السوري

 ثامر السبهان في شرق الفرات

قالت "بلدية الشعب في الشعيطات" التابعة لقسد إن اجتماعين عقدا يوم الخميس في حقل العمر النفطي بريف الدير الزور، ضم الأول نائب وزير الخارجية الأميركي جويل رابيون، والسفير الأمريكي ويليام روباك، ووزير الدولة لشؤون الخليج العربي في الخارجية السعودية ثامر السبهان، والرئيسين المشتركين للإدارة المدنية بدير الزور التابعة لقسد غسان اليوسف وليلى الحسن، أما الاجتماع الثاني الذي عقد في اليوم عينه فقد ضم بالإضافة للأسماء التي حضرت الاجتماع السابق بعض زعماء العشائر العربية في دير الزور.

أقرأ/ي أيضًا: الاحتجاجات ضد قسد في دير الزور.. سخط شعبي وتعثر دولي

الاجتماع الذي تداولته وسائل إعلام سعودية، أشارت في مجاميع نشراتها إلى خبر مقتضب يذكر أن الاجتماع ناقش آلية مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لضمان عدم عودته، وتقديم الدعم الاقتصادي للمنطقة عبر دعم مشاريع في القطاعين الصحي والتعليمي، فضلًا عن مناقشتهم للتطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقة مؤخرًا.

ويأتي الاجتماع الأخير بالتزامن مع توترات تشهدها المنطقة بين المكونين العربي والكردي احتجاجًا على الانتهاكات التي يمارسها عناصر قسد اتجاه المكون العربي في المنطقة، ويشهد ريف دير الزور الشرقي منذ 40 يومًا احتجاجات شعبية واسعة ضد عمليات القمع الممنهجة التي تمارسها قسد بحق السكان المحليين، وارتفاع أسعار المحروقات نتيجة عمل التجار على تهريب النفط إلى مناطق سيطرة النظام السوري.

الدور السعودي في شرق الفرات.. زيارات مكثفة  

تعتبر الزيارة التي أجراها السبهان إلى المنطقة المعروفة بين الأطراف الدولية الفاعلة في الشأن السوري بشرق الفرات الثانية من نوعها،  بعد الزيارة التي قام بها في تشرين الأول/أكتوبر الماضي لمنطقة عين عيسى مع مسؤولين أمريكيين Hلتقوا فيها مسؤولين من قسد، حيث قالت حينها وسائل إعلام سعودية إن الزيارة جاءت في إطار التفاهم السعودي – الأمريكي لإعادة الاستقرار لمدينة الرقة عقب استعادتها من تنظيم الدولة، ومشاركة السعودية في عملية إعادة إعمارها.

وقبل أسابيع من الزيارة الأولى للسبهان، كشفت تقارير صحفية عن إجراء وفد من الاستخبارات السعودية زيارة التقى خلالها بوجهاء العشائر في المنطقة، وتعهد الوفد السعودي خلال الاجتماع عينه بتقديم دعم مالي "غير محدود"، مقابل عمل العشائر تحت راية قسد، والاعتراف بها كحاكم رسمي للمنطقة التي تنتشر فيها العديد من العشائر العربية مثل شمر، الجبور، البقارة، بوسرايا وغيرها.

ولم تقتصر المحاولات السعودية على زيارة مسؤوليها لتظهر أمام واشنطن بموقف الطرف الإقليمي الفاعل، بل شملت قبلها إعلانها تقديم مائة مليون دولار للمناطق التي تسيطر عليها قسد لصالح "مشاريع استعادة سبل العيش والخدمات الأساسية"، بحسب ما ذكره بيان رسمي صادر عن الحكومة السعودية.

كما أن الرياض أبدت استعدادها في نيسان/أبريل العام الفائت بإرسال قوات عربية إلى سوريا، وبعدها بشهر تقريبًا أجرى مسؤولون عسكريون من السعودية والإمارات والأردن زيارة لقاعدة عسكرية تتبع للتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، ونوقش خلال الزيارة تأسيس وحدات عربية في المنطقة تكون بمثابة قوات حرس حدود تحت قيادة قسد بتمويل سعودي.

الصراع على شرق الفرات.. من المنطقة الآمنة إلى الدور السعودي

تشكل منطقة شرق الفرات التي تسيطر عليها قسد مدعومًة من التحالف الدولي خلافًا محوريًا بين دول تركيا وإيران والولايات المتحدة، وهذا الخلاف ناجم عن تضارب مصالحها الاستراتيجية في المنطقة نتيجة تقديمها الدعم لأطراف محلية مختلفة، ومتحاربة فيما بينها في الوقت ذاته، ومنطقة شرق الفرات التي تسيطر عليها قسد مؤلفة من محافظات الرقة والحسكة ودير الزور، وتملك أكثر من معبر حدودي مع العراق وتركيا.

ومنذ الإعلان عن القضاء على تنظيم الدولة في المنطقة تتقاسم السيطرة عليها قوات النظام مدعومًة من الميليشيات الأجنبية التي تمولها إيران، وقسد مدعومة من واشنطن من وراء التحالف الدولي، ويتلاقى الطرفان على خط طويل فاصل ضمن مساحة تتجاوز ـ420 كم، حيثُ تنتشر الميليشيات العراقية المدعومة من طهران على المعبر الحدودي مع سوريا لتأمين طريق دمشق – بغداد السريع الذي تسعى لإنشائه بعد سطيرتها على ميناء اللاذقية في الساحل السوري.

وتسيطر الميليشيات التي تدعمها طهران على أرياف دير الزور الجنوبية على الطريق الممتدة من مركز المحافظة، مرورًا بالميادين حتى مدينة البوكمال.  في ها السياق، تشير تقارير إلى أن السيطرة الإيرانية تأخذ طابعًا عسكريًا عبر محاولات كسب ودّ السكان من الطائفة السنّية واستمالتهم، أو على الأقل تذويب ما أمكن من الحواجز النفسية بين الإيرانيين والسوريين.

 ويبرز في جانب آخر إصرار تركيا على إنشاء منطقة آمنة في المنطقة رغم أنها لا تزال مجهولة الحدود والبنود المتفق عليها نتيجة الخلاف التركي – الأمريكي حول الدعم الذي تقدمه واشنطن لقسد، ومن المتوقع أن تعمق زيارة السبهان الأخيرة من الخلاف مع واشنطن بسبب الدور الذي تلعبه الرياض لإجهاض ثورات الربيع العربي.

وتسعى تركيا في هذا الإطار لإعادة إحياء اتفاقية أضنة الموقعة بين أنقرة ودمشق عام 1998 على خلفية الدعم الذي قدمه رئيس النظام السوري الراحل حافظ الأسد في تسعينات القرن الماضي لزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، المدرج على لائحة التنظيمات الإرهابية في تركيا، وكانت أبرز نقاط الاتفاقية أنه يحق لأنقرة اتخاذ التدابير والواجبات الأمنية اللازمة داخل الأراضي السورية حتى عمق 5 كم في حال أخفقت دمشق بحماية الحدود المشتركة معها، وتحاول أنقرة في الوقت الراهن كسب تأييد موسكو لإعادة تفعيل الاتفاقية.

لذا يأتي الدور السعودي بتقديم نفسها كطرف داعم للمكون العربي الذي وجد نفسه واقعًا بين انتهاكات قسد، ومحاولات التوسع الإيراني من خلال كسب ثقتهم، فضلًا عن خشيتها من التوجه للتحالف مع أنقرة التي تقدم نفسها بديلًا موثوقًا، يمكنه تقديم الحماية والدعم العسكري واللوجستي للعشائر للوقوف في وجه قسد.

وتتوزع تحالفات وجهاء العشائر في منطقة شرق الفرات بحسب تقارير صحفية على ثلاثة أقسام، إذ يقدم عدد منهم الولاء للنظام السوري بعد استعادته لمناطق تنظيم الدولة، فيما يقوم البعض الآخر بالتعاون مع قسد التي طردت تنظيم الدولة من المنطقة، ويأتي أخيرًا العشائر التي تقوم بالتنسيق مع أنقرة، وانبثق عنها مؤخرًا تأسيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية بضمه قبائل عربية وتركمانية وكردية.

هل تنجح السعودية بالدخول إلى شرق سوريا؟

الواضح من الزيارة التي أجراها السبهان مؤخرًا لمنطقة شرق الفرات، أنها جاءت في إطار نقاط متعددة تتجاوز تمهيد التدخل السعودي لمنع طهران من توسيع نفوذها، أو تقديم نفسها بديلًا عن الجانب التركي الداعم للمكون العربي في المنطقة، حيثُ تطرق المشاركون العرب في الاجتماع للحديث عن انتهاكات قسد ضد السكان المحليين، وانتشار ظاهرة السرقة والخطف، والوضع الاقتصادي المتدهور.

فقد اعتبر نشطاء أن زيارة السبهان جاءت بغرض تعويم قسد، وفرض حكمها على المنطقة الشرقية رغم الرفض الشعبي لها، بالأخص بعد الاحتجاجات الشعبية الأخيرة التي شهدتها مدن مختلفة في الجزيرة السورية ضدها، وتوقعوا أن يكون الوزير السعودي قد "قدم مبالغ مالية لبعض ممثلي العشائر، لإقناعهم بالتعاون مع قسد ودعم نفوذها".

وتبذل الرياض بالاشتراك مع أبوظبي منذ العام الماضي جهودًا كبيرة لتعزيز نفوذها في شرق سوريا بهدف منع النفوذ الإيراني من التنامي أكثر، وفي هذا الإطار لم تستبعد تقارير عديدة تقديمها الدعم لقادة قسد، أو الأذرع العسكرية المنضوية ضمن صفوفها مع تجاهلها لرد فعل الأطراف الإقليمية التي تجد في قسد بقيادة عمادها الأساسي وحدات حماية الشعب الكردية خطرًا يهدد أمنها القومي.

ولهذا قامت الرياض بإرسال السبهان لاحتواء الاحتقان الشعبي المتزايد ضد قسد في المنطقة، كونه يعود بأصوله العشائرية لعشيرة شمّر، ولديه علاقات جيدة مع شيوخ عشائر غرب العراق وشرق سوريا اللتين تعتبران معًا منطقة استراتيجية لواشنطن، بسبب حقول النفط الخاضعة لسيطرة قسد أولًا، وتشكل عمقًا استراتيجيًا للقوات الأمريكية المتواجدة في الأنبار وعلى الحدود العراقية السورية ثانيًا، وصمام أمان لها في حال نشوب صراع مع الإيرانيين ثالثًا.

أقرأ/ي أيضًا: ميناء اللاذقية عنوان مرحلة جديدة للإمبريالية الإيرانية

وتأتي أخيرًا احتمالية إشراك إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحليف الرئيسي في المنقطة العربية والشرق الأوسط الرياض في الاجتماع الثلاثي المزمع عقده الشهر الجاري في تل أبيب بين مستشاري الأمن القومي لإسرائيل وروسيا والولايات المتحدة، والذي يهدف لبحث تحجيم الدور الإيراني في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط، حيثُ تشكل طهران خطرًا بالنسبة للدول المذكورة سابقًا على مصالحها الاقتصادية والعسكرية في الشرق الأوسط.

قبل أسابيع من الزيارة الأولى للسبهان لشرق الفرات، كشفت تقارير عن إجراء وفد من الاستخبارات السعودية زيارة التقى خلالها بوجهاء العشائر في المنطقة، وتعهد بتقديم دعم مالي "غير محدود"، مقابل عمل العشائر تحت راية قسد

ومن هنا فإن زيارة الوزير السعودي جاءت في إطار محاولات سعودية متكررة للتواجد في المنطقة التي تشهد نزاعًا بين الأطراف الدولية الفاعلة في الشأن السوري، وفي حال تمكنت من وضع قدم لها هناك فإن ذلك يعني إعادة توزيع جديدة لتحالفات الأطراف الدولية عينها، فإذا كانت موسكو تملك علاقات مستقرة مع السعودية، فإن التوتر الدبلوماسي بين أنقرة والرياض من الممكن أن يكون السبب المباشر لإعادة توزيع التحالفات من جديد.

 

أقرأ/ي أيضًا:

 سياسات الرياض المضطربة في الشرق الأوسط.. الحالة السورية نموذجًا

لقاء القدس: تحجيم لإيران أم عقد صفقة معها؟