15-فبراير-2023
getty

القتال في ذروته على الجبهة الشرقية وتحقق موسكو فيه مكتسبات بسيطة حتى الآن (Getty)

تستمر القوات الروسية بالتقدم على الجبهة الشرقية لأوكرانيا، أبرز صفات التقدم الروسي حتى الآن هو وتيرته البطيئة، هذا التقدم الذي يترافق مع اقتراب نهاية العام الأول من الغزو الروسي لأوكرانيا، يأتي معه معاناة القوات الأوكرانية، في الأيام الماضية، من نقص حاد في الذخيرة.

قالت نائبة وزير الدفاع الأوكرانية آنا ماليار، إن القتال العنيف مستمر في شرق أوكرانيا

وبعد أن شهدت الفترة الأخيرة نوعًا من الاستقرار على الجبهات، ترافقت مع تصعيد في الهجمات الروسية الصاروخية التي استهدف البنية التحتية الأوكرانية، وتحديدًا منصات الطاقة. وبعد أن تمكنت القوات الأوكرانية، بدعم من الدولة الغربية، من إحراز انتصارات واسعة، جراء الهجوم المعاكس الذي شنته في أيلول/سبتمبر الماضي، وأجبر القوات الروسية على الانسحاب من مناطق واسعة في جنوب وشرق أوكرانيا، واستعادت القوات الأوكرانية مدن كبرى مثل خيرسون، وإزيوم وليمان، بالإضافة لتحرير مقاطعة خاركيف ما عدا جيب صغير،  لكن خلال الأسابيع القليلة الماضية، يبدو أن روسيا بدأت تستعيد زمام المبادرة على الأرض.

وذكرت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء، يوم الثلاثاء، نقلًا عن بيان لوزارة الدفاع الروسية، بأن قواتها ألحقت هزيمة بالقوات الأوكرانية على جبهة أفهليدار في مقاطعة دونيتسك، وفي اتجاه كوبيانسك بإقليم لوغانسك، وسجلت القوات الروسية تقدمًا في بلدتي ليفادين وأوريخوف في مقاطعة زاباروجيا.

getty

أمّا على جبهة باخموت، فقال رئيس جمهورية دونيتسك الانفصالية دينيس بوشيلين، إن القوات الروسية تتقدم في اتجاه باخموت، وأضاف أن القوات المتحالفة عززت مواقعها في ضواحي مدينة باخموت، كما أفاد بأن القوات الأوكرانية حاولت حشد قوات ومعدات إضافية في مدينة سفياتوغورسك، لكن دون أن تكلل المحاولة بالنجاح.

وكانت الوكالة، قد أعلنت يوم الإثنين، أن القوات الروسية تمكنت خلال أربعة أيام، من التقدم مسافة كيلومترين إلى الغرب، في عمق دفاعات القوات الأوكرانية، وجاء في بيان لوزارة الدفاع الروسية أن "الجنود الروس كسروا مقاومة العدو وتقدموا على عمق عدة كيلومترات في دفاعه المتدرج المستوى"، وأضاف البيان "في غضون أربعة أيام تحركت الجبهة مسافة كيلومترين إلى الغرب".

ويتضح أن سير المعارك يمتد من جنوب أوكرانيا إلى شرقها، لكن القوات الروسية تركز هجماتها في مقاطعة دونيتسك، حيث تسيطر القوات الروسية على أجزاء كبيرة منها، وتسعى إلى السيطرة الكاملة عليها، تمهيدًا للسيطرة على إقليم دونباس، الهدف الأول لعملية الاجتياح الروسي لأوكرانيا.  

والتقدم الروسي المتزايد في ساحة المعركة، يتقاطع مع  التقارير الغربية عن تحضيرات روسية لشن هجوم كبير جديد، هدفه الرئيسي هو حسم المعركة في إقليم دونباس، وتمثل المعارك حول مدينة باخموت، ترجمةً للهجوم الروسي.

getty

وفي السياق نفسه، أكد الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، للصحفيين، الإثنين، أن الهجوم الروسي الكبير الذي كان يُخشى وقوعه في أوكرانيا قد بدأ بالفعل، قائلًا "لا نرى على الإطلاق ما يشير إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستعد للسلام، ما نراه هو أن الرئيس بوتين وروسيا ما زالا يريدان السيطرة على أوكرانيا"، مضيفًا "نرى كيف ينقلون مزيدًا من القوات والأسلحة والقدرات".

في المقابل، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي  للصحفيين في مدينة أوديسا الساحلية، إن "روسيا تشن هجمات في الشرق لا هوادة فيها، رغم الخسائر الفادحة التي مُنيت بها"، وأضاف "أعتقد أن روسيا تريد حقًا أن يكون انتقامها كبيرًا"، مشيرًا إلى أنه يعتقد أن الروس باشروا في ذلك بالفعل"، وتابع "كل يوم إما يجلبون المزيد من قواتهم النظامية أو نشهد زيادة في عدد قوات فاغنر".

بدورها، قالت نائبة وزير الدفاع الأوكرانية آنا ماليار، إن القتال العنيف مستمر في شرق أوكرانيا، حيث تحاول القوات الروسية السيطرة على أراضٍ بالقرب من مدينة ليمان، وهي مركز لوجستي استراتيجي، وكتبت ماليار في قناتها على تليغرام: "القتال العنيف يحتدم في الشرق، العدو يحاول توسيع نطاق هجومه في قطاع ليمان، ويقوم بمحاولات قوية لاختراق دفاعاتنا"، مشيرةً إلى أن "القوات الأوكرانية تتصدى لخصم أكثر عددًا وتسليحًا"، وأوضحت بأنه على "الرغم من تكبدهم خسائر فادحة، يواصل الغزاة الروس هجومهم في قطاعات باخموت وأفدييفكا، ونوفوبافليفكا".

ويثير التقدم الروسي تساؤلات بشأن وعود الغرب لأوكرانيا خلال الأسابيع القليلة الماضية،  بإرسال دبابات متطورة مثل "أبرامز" الأمريكية، و"ليوبارد" الألمانية، إضافة إلى التفكير في إرسال طائرات حربية أيضًا من طراز "F16".

الذخيرة.. أول التحديات

ويشير تقرير لمجلة "بوليتيكو" الأمريكية، إلى أن أبرز تحدٍ يواجه أوكرانيا حاليًا، وهو النقص الحاد في الذخيرة، إذ تشير التقارير الواردة من ساحة المعركة أن استهلاك القوات الأوكرانية من الذخائر بأنواعها المختلفة، وبخاصة قذائف المدفعية، أعلى بكثير مما كان متوقعًا، وأعلى من قدرة دول حلف الناتو على الإنتاج، فقبل اندلاع الحرب، كانت الكثير من دول الحلف قد "فشلت في الالتزام بالمستويات المستهدفة من تخزين الذخيرة، بعد أن رأى المسؤولون أن حروب الاستنزاف مع معارك واسعة النطاق باستخدام المدفعية قد انتهى زمانها".

وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ للصحفيين يوم الاثنين، "من الواضح أننا في سباق لوجستي"، وأضاف "يجب أن تصل القدرات الأساسية مثل الذخيرة والوقود وقطع الغيار إلى أوكرانيا قبل أن تتمكن روسيا من اغتنام زمام المبادرة في ساحة المعركة".

getty

وفي هذا الإطار، كشفت صحيفة "الواشنطن بوست"، بأن أوكرانيا، من غير المرجح أن تحصل على طائرات "F16"، وبعد جولة زيلينسكي الأوروبية، قال قادة في أوروبا وخارجها، إن تزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة ليس أولوية في الوقت الحالي، وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، للصحفيين في بروكسل، بأن هذا "سيستغرق وقتًا"، وأضاف "من المهم إجراء مشاورات مستمرة بين الحلفاء عن الأسلحة الجديدة التي عليهم توفيرها"، وتابع بأنه بعد التعهد بتوفير أسلحة، فالأولوية الثانية هي "الإيفاء بهذه التعهدات، والتأكد من أن هذه الأسلحة تعمل كما ينبغي".

وخلال مؤتمر صحفي فال وزير الدفاع البريطاني بن والاس، في روما إن "تزويد أوكرانيا بالطائرات محتمل على المدى الطويل". وأضاف "هذه ليست حالة بسيطة، نسحب فيها طائرة إلى الحدود، وبريطانيا تعرف ما تحتاجه أوكرانيا، ويسعدها جدًا أن تساعدها بعدة طرق".  فيما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنه "لا يستبعد أي شيء، لكن الطائرات لا تتوافق مع متطلبات اليوم".

وسبق أن صرحت مصادر مسؤولة في وزارة الدفاع الأمريكية بأن أوكرانيا لديها ما يكفي من الطائرات التي تعود إلى الحقبة السوفييتية، وأن عملية إرسال المزيد منها مهمة شاقة، وستحتاج وقتًا طويلًا، ولدى سؤال الرئيس الأمريكي جو بايدن، عما إن كانت الولايات المتحدة ستمنح أوكرانيا طائرات "F16'، كان رده "لا" بشكلٍ مباشر.

ويتخوف الحلفاء، من أن إرسال طائرات مقاتلة إلى أوكرانيا، سيدفع روسيا إلى مهاجمة دول أوروبية، وكان الرئيس البولندي أندريه دودا قد صرح لشبكة "BBC" البريطانية، بأن القوات الجوية لبلاده لديها أقل من 50 طائرة من طراز "F16"، وإن إرسالها أي منها إلى أوكرانيا سيكون "مشكلة خطيرة". 

ومن كل الدول الاوروبية، أعلنت سلوفاكيا على لسان رئيس وزرائها إدوارد هيغر، بأنه "تلقى طلبًا رسميًا من الرئيس الأوكراني لتزويد بلاده بطائرات مقاتلة من طراز "ميغ 29"، وأضاف هيغر "الآن، وقد جاء إلينا هذا الطلب الرسمي، يمكن بداية المفاوضات". متابعًا القول: "هذه المفاوضات ستكون داخلية ومع المفوضية الأوروبية".

زيادة إنتاج الذخيرة

وقال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، بعد اجتماع لوزراء الدفاع في مقر التحالف العسكري في بروكسل، إن "الوقت جوهري" وكييف لديها "فرصة لقلب التوازن"، مضيفًا أنه يرحب بالتعهدات الجديدة بالدعم التي قدمها أعضاء الناتو، بما في ذلك المزيد من الأسلحة والتدريب العسكري" لكييف.

وأعلن ستولتنبرغ عن نية أعضاء الناتو زيادة إنتاج قذائف المدفعية من عيار 155 ملم، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة اتخذت لزيادة تعزيز الردع والدفاع في الحلف.

أعلن ستولتنبرغ عن نية أعضاء الناتو زيادة إنتاج قذائف المدفعية من عيار 155 ملم

وأضاف، "الأشياء تحدث لكننا بحاجة إلى الاستمرار، نحتاج إلى زيارة أكثر. أصبحت هذه الحرب الآن حرب استنزاف طاحنة، وحرب الاستنزاف هي حرب لوجستية".