18-مايو-2023
رواية نار الله

رواية نار الله

صدرت عن منشورات المتوسط الرواية الوحيدة للكاتب إلياس كانيتي، صاحب نوبل للآداب 1981، تحت عنوان "نار الله"، وبترجمة السوري كاميران حوج.

كتب كانيتي روايته هذه بين عامي 1929 و1931. لكنّه لم ينشرها التزامًا برأي معلّمه كارل كراوس (1874 – 1936) الذي يرى أن على العمل الفني أن ينضج بعد الانتهاء من كتابته حتى يُنشر. ويقول كانيتي في كتابه "ضمير الكلام": "كانت مخطوطة الرواية التي ركّزتُ عليها جهدي وانهيتها خلال عام واحد تحمل عنوان "كانط يحترق". ظلت المخطوطة عندي أربعة أعوام تحت هذا العنوان، وعندما تقرّر نشرها عام 1935 أعطيتها العنوان الذي تحمله مذّاك". كان كانيتي قد خطّط لكتابة ثمانية أعمال ضمن (الكوميديا الإنسانية عن المجانين).  يقول: "فما يفترض به أن يكون كتابي الأول كان واحدًا من ثمانية كتب خطّطت لكتابتها معًا خلال عام واحد بين خريف 1929 لغاية خريف 1930. قلت سأبني ثمانية كشّافات أسلّط بها الضوء على العالم من الخارج"، لكنه تخلّى عن فكرة الثمانية كتب هذه عام 1930 لأن شخصية دودة الكتب (في رواية نار الله) بهرته جدًّا، فركّز عليها متخلّيًا عن كلّ المسوّدات الأخرى.

حين أرسل إلياس كانيتي روايته "نار الله" إلى توماس مان عام 1935 وأعادها له حتى دون أن يقرأها، ترك ذلك جرحًا عميقًا في نفس صاحب "أصوات مراكش"

لم تلفت الرواية الأنظار حين نشرها، ولم تلقَ ما كان كانيتي يتوقعه لها. كان قد أرسلها إلى الروائي توماس مان عام 1935 فأعادها له حتى دون أن يقرأها، ما ترك جرحًا عميقًا في نفسه. ورغم إعادة طبعها عدة مرات بعد 1936 إلا أن النقاد لم يحفلوا بها حتى طبعتها الثالثة 1963، لكن بتردّد مع أنها كانت قد ترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية. لكن بعد أن حصلت على جائزة نوبل عام 1981 لقيت إقبالًا شديدًا وأُلّفت عنها مئات الدراسات. وقد تعدّدت قراءاتها على مستويات مختلفة بين الشكل والمضمون.

وتتمحور هذه الرواية، حول الشخصية الغريبة لمَهوُوس القراءة البروفيسور كين، "أعظم علماء الصينيات"، الذي يحتقر الأساتذة الأكاديميِّيْن، ويعتبر أن التواصل مع العالم لا لزوم له ما دام أنه توجد الكُتُب، لذا يعيش منعزلًا في بيته مع آلاف الكُتُب ولأجلها؛ لكن التفاهة البشرية تتمكَّن من التسلُّل إلى بيته، وإحكام قبضتها عليه، وتقليص وجوده، وحَشْره في غرفة صغيرة مع كُتُبه، ودَفْعه للتواصل مع العالم، والذي سرعان ما سينهشه ويُنكِّل به، وكأن الحياة تنتقم منه انتقامًا شرسًا، وهو يحاول أن يُراوغَها بالدقَّة والعناية أنفسهما التي يُفسِّر فيها نصًّا قديمًا.

بُنيت الرواية على ثلاثة أجزاء "رأس بلا عالَم"، "عالَم بلا رأس" و"عالَم في الرأس". وقُسم كل جزء منها إلى فصول فرعية. يبدأ الجزء الأول بحديث بين مثقف متغطرس وصبيّ في التاسعة من العمر، وينتهي الجزء الثالث باحتراق المثقف. تبدأ بسؤال وتنتهي بجواب يجده المثقف حلًّا نهائيًا لكل الأسئلة.

في الجزء الأول يعرّفنا المؤلف على شخصية "أعظم علماء الصينيات" في حياته اليومية المحددة بصرامة تضعه في عزلة قاتلة، وتجعله كارهًا للبشر والواقع. في الجزء الثاني تبلغ "الفوضى" ذروتها، حين يختلط المثقف المنعزل ببشر حقيقيين في مدينة حقيقية خارج أسوار رأسه. في الجزء الثالث تصوير حدّي للفشل في محاولة استعادة ذلك العالم في الرأس، بعد أن تبيّن أن الجنون سيطر على البشرية. قبل وصول هتلر إلى السلطة كان السرياليون قد دعوا علماء النفس والأطباء إلى إخلاء سبيل مرضاهم، لأنه لا يستطيع إلا الاعتباط وضع حدّ بين "الذُهان والواقع". يحاول كانيتي عرض ذلك العالم البارانوي في صياغة روايته. يضع "نظُمًا" جنونية بعضها جانب البعض الآخر، تتصادم لتؤدي من ثم إلى تلك السريالية، إلى جنون العالم. في دراسة متأخرة فسّر أحد النقاد نهاية الشخصية الرئيسية بأنها تحرير للمثقف من عزلته.

يكتب الناشر على غلاف الرواية: "يقول سلمان رشدي عن هذه الرواية: لا ينجو أحدٌ في نار الله، فالجميع يُعاقَب، من البروفيسور إلى بائع الأثاث، ومن الطبيب إلى مُدبِّرة المنزل إلى اللصِّ. فالكوميديا القاسية التي لا ترحم (في هذه الرواية) تبني عالمًا من أكثر العوالم الأدبية رعبًا في هذا القرن. وأنا بالفعل لم أنجُ كناشر، وأنتَ، أيُّها القارئ، يا صديقي، ويا أخي، ويا شريكي، بعد أن تقرأ هذه الرواية، لن تنجو".

يذكر أن إلياس كانيتي وُلد في مدينة روسه البلغارية عام 1905. هو كاتب وناقد ومُفكِّر بلغاري، مُجنَّس بريطاني، ويكتب باللغة الألمانية، وفيها حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1981، والتي جاء في بيانها: "لكتابة تتميَّز بنظرة واسعة، وثروة من الأفكار، ولقوَّتها الفنِّيَّة". درس في فيينا قبل الحرب العالمية الثانية، ثمَّ انتقل مع زوجته فيزا إلى إنجلترا، ومكث هناك لفترة طويلة. توزَّعت حياته بين لندن وزيورخ منذ أواخر الستِّينيات وحتَّى أواخر الثمانينيات، حيث أصبحت زيورخ بعدها مدينة إقامته الأساسية، وتُوفِّي فيها عام 1994.