21-فبراير-2019

و.ج. سيبالد

ألترا صوت - فريق التحرير

في كتاب "حلقات زحل" (ترجمة أحمد فاروق، دار التنوير 2019) نقف وجهًا لوجه مع كآبة ف. ج سيبالد، أحد أهم أعلام الأدب الألماني في القرن العشرين، عبر تجواله الغريب الذي استطاع تحويله إلى مادة أدبية غريبة، وغير مألوفة، في أدب الرحلة، أو أدب الأمكنة.

في "حلقات زحل"، تبدأ الأفكار لدى سيبالد من مشاهدة شيء ما، ومن تلك المشاهدة تتداعى الأفكار والذكريات

يروى الكتاب من وجهة نظر رجل يمشي على الساحل الشرقي لإنجلترا، وخلال تجواله تحدث له أشياء غريبة، ويقابل أشخاصًا شديدي الغرابة، في شهر آب/أغسطس، وهو لمن لا يعلم؛ الشهر الذي يكون فيه زحل قويًّا.

خلال المشي، يتكلم سيبالد مع عجائز يسكنون في منازل كبيرة. كما يتحدّث مع نفسه عن جوزيف كونراد وفلوبير، وعن التجارة الأوروبية مع الصين، وتدمير الإنسان للبيئة.

اقرأ/ي أيضًا: المغتربون لـ ف. ج. زيبالد

في "حلقات زحل"، تبدأ الأفكار لدى سيبالد من مشاهدة شيء ما، والكتاب يضمّ صورًا، ومن تلك المشاهدة تتداعى الأفكار والذكريات والهواجس، ومن تداعيها تبدأ بالتراصف والانباء في مقاطع سردية مختلفة الأحجام. مثلًا، عند مشاهدته مطعمًا صينيًّا يبدأ بالحديث عن الصين من خلال قصص سمعها من قبل، وحين يرى كلبًا يتذكّر أن اسمه هو اسم جزيرة أنشأها تجار العبيد البرتغاليون.

رحلة غريبة في الداخل، في العقل، في المشاعر، ولأنّ السارد شخص حساس فإنه يستحضر أشياء منسية لزمن يطول، ويعيد إحياءها من جديد.

اقرأ/ي أيضًا: و.ج. سيبالد: بدون ذكريات لن تكون هناك كتابة

توفي سيبالد في عمر الـ57 عامًا، في حادث اصطدام بشاحنة. رغم أنه عاش منذ كان في عشرينياته في إنجلترا إلا أنه حافظ على الكتابة بلغته الأم التي أصدر فيها روائع أدبية منها: "المغتربون" و"أوسترليتز". كان معروفًا بأنه كئيب جدًّا، لكنه كان يعتبر الكآبة نوعًا من أنواع المقاومة.


من الكتاب: ثورة التايبينغ

"ففي خمسينيات وستينيات القرن التاسع عشر انتشر تمرد التايبينغ، الذين اتبعوا حركة خلاص عالمي مستلهمة من الكونفوشية والمسيحية، كما النار في الهشيم ليشمل كل جنوب الصين تقريبًا. التفت أعداد هائلة من الفقراء والمعوزين من الشعب والفلاحين الجوعى والجنود الذين سُرحوا بعد حرب الأفيون والحمالين والبحارة والممثلين والعاهرات حول هونغ هسيو تشيوان تسو الذي نصب نفسه ملكًا للسماء، وأبصر في ظل هلاوس الحمى مستقبلًا مجيدًا وعادلًا. وسرعان ما تحرّك جيش من المحاربين المؤمنين الذين ازدادت أعدادهم باستمرار من كوانغسي باتجاه الشمال، واكتسح مقاطعات هونان وهوبيه وأنهوي ووقف في مطلع عام 1853 أمام أبواب مدينة نانكينغ القوية، التي اقتُحمت بعد يومين من الحصار وأُعلنت عاصمة سماوية للحركة. ومن الآن فصاعدًا بدأت موجات جديدة من التمرد تسري بشكل دائم في أنحاء البلاد، وينعشها الأمل في السعادة. غزا المتمردون أكثر من ستة آلاف حصن واحتلوها لبعض الوقت، ودُمرت خمس مقاطعات خلال المعارك فلم يبق منها إلا أديم الأرض. ولقي أكثر من عشرين مليون شخص مصرعهم خلال خمسة عشر عامًا. ولا شك أن الفظائع الدموية التي طغت آنذاك على الإمبراطورية الصينية تفوق أي قدرة على التخيل.

في صيف عام 1864 وبعد سبع سنوات من الحصار من قبل القوات الإمبراطورية، سقطت نانكينغ. استنفذ المدافعون آخر ما لديهم من موارد، وفقدوا الأمل في تحقيق الفردوس الأرضي الذي تراءى لهم مع بداية الحركة وكأنه قاب قوسين أو أدنى. بحواس مشوشة بسبب الجوع والمخدرات اقتربوا من نهايتهم. في الثلاثين من يونيو انتحر ملك السماء. وحذا حذوه مئات الآلاف من أتباعه، سواء على سبيل الإخلاص له، أو خوفا من انتقام الغزاة. وقد انتحروا بكل الأشكال الممكنة بالسيف وبالسكين، بالنار أو بالحبل أو بإلقاء أنفسهم من فوق أسوار القلاع وأسطح البيوت. بل ويقال إن بعضهم دفنوا أنفسهم أحياء. إن إفناء أتباع حركة التايبينغ لأنفسهم أمر لا له مثيل في التاريخ تقريبًا. عندما دخل خصومهم المدينة في التاسع عشر من يوليو، لم يعثروا على نفس واحدة حية، في كل مكان كان يُسمع طنين الذباب.

وحسبما ورد في برقية بُعثت إلى بكين، كان ملك الإمبراطورية السماوية للسلام الأبدي ملقى على الأرض ووجهه داخل إحدى البلاعات، ولم يُبق جسده المنتفخ متماسكًا سوى الرداء الحريري ذي اللون الأصفر الإمبراطوري المزين بصورة التنين، الذي كان يرتديه دائمًا من باب إهانة المقدسات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

باتريك زوسكيند.. قصة مشّاء

نويد كرماني.. إذا انفجرت القنبلة في دارنا