25-أكتوبر-2020

ماريكا لوكاس رينفيلد وروايتها

ألترا صوت - فريق التحرير

أصدرت "دار العربيّ" رواية "قلق الأمسيات" للكاتبة الهولنديّة ماريكا لوكاس رينفيلد (1991) ترجمة محمد عثمان خليفة، وهي الرواية الفائزة بجائزة "البوكر" الدوليّة لسنة 2020، وتُعتبر العمل السرديّ الأوّل لرينفيلد التي جاءت إلى عالم الرواية بعد تجربة شعريّة مُميَّزة تُوِّجت بعددٍ من الجوائز المحليّة، وجعلت منها واحدة من الأصوات السرديّة المُميَّزة في هولندا.

تدور رواية "قلق الأمسيات" حول عائلة ريفيّة تعيش في مزرعة في الريف الهولنديّ كما تُخبرنا الطفلة جاس، بطلة العمل، التي تُفضّل البقاء وحيدة ومنزوية بسبب خجلها

تدور الرواية حول عائلة ريفيّة تعيش في مزرعة ألبان في الريف الهولنديّ كما تُخبرنا الطفلة جاس، بطلة العمل، التي تُفضّل البقاء وحيدة ومنزوية بسبب خجلها وفشلها في الاحتكاك بالآخرين رغم مُحاولاتها المُستمرّة لفعل ذلك، وحين تشعر أنّها باتت قادرة على التغلّب على خجلها ومقابلة الآخرين، تطلب من شقيقها أن يسمح لها بمرافقته في رحلته للتزلّج على الجليد، ولكنّ الأخير يرفض، فتتمنّى له الموت: "لطالما فكّرت كثيرًا في حقيقة أنّني الصُغرى، وكيف أنّ لا أحد يقول لي بأنّني سيُسمح لي بفعل أي شيء عندما أصبح كبيرة كفاية... ولذلك سألت الربّ بأن يأخذ أخي ماتياس، ويترك لي أرنبي.. آمين".

اقرأ/ي أيضًا: توماس برنهارد في "صداقة مع ابن فيتغنشتاين".. التأمل من منظور المصحات

المُفارقة أنّ شقيقها ماتياس يموت فعلًا بعد أن سقط في بحيرة مُتجمّدة أثناء التزلّج، لتتغيّر حينها طبيعة حياة العائلة التي تبدأ بالانهيار بفعل الحادثة، خصوصًا أنّها لم تكن قبل ذلك مُتماسكة بما فيه الكفاية، إذ كانت حسب جاس عائلة مُفكَّكة ومُتشدِّدة دينيًّا، ينصرف فيها الوالدين إلى شؤونهما دون أي اهتمام بأبنائهما، الأمر الذي يجعل من علاقة الأبناء بوالديهما علاقة مُضطّربة غير سويّة، لا سيما بالنسبة إلى جاس التي تتحدّث عن كرهها لوالدها الذي تعتقد أنّه ذبح أرنبها وتناوله على العشاء.

تأخذ معاناة العائلة منحىً آخر أشدّ بؤسًا يُعمِّق من مأساتها حينما يصل مرض الحمّى القُلاعيّة فجأة إلى المزرعة، فيضطّر الأبّ حينها لذبح جميع أبقاره، مصدر رزقه الوحيد، فتدخل العائلة سريعًا في ضائقة ماديّة سُرعان ما تتحوّل إلى أزمة باتت الحياة عندها بالنسبة لأفرادها جحيمًا غيَّر طباعهم وسلوكهم ودفعهم للالتزام بالصمت كردّة فعل على كلّ الأزمات التي تعرّضوا لها، وساهمت بإظهار جوانب باطنيّة كثيرة كانت مخفيّة، وعزَّزت من وجود العنف في حياتهم أيضًا، وهو عنف بدا مُتبادلًا ولكن بأشكالٍ مُختلفة ومُتعدِّدة.

التزام الوالدين بالمُعتقدات الدينيّة بشكلٍ مُتطرِّف، قيّد حركة الأبناء وأثّر على سلوكهم، وحوّل المنزل أيضًا إلى مساحات تفصلها حدود مشيَّدة انطلاقًا من ثنائيّة الحلال والحرام، بالإضافة إلى أنّها باعدت أيضًا بين أفراد الأسرة: بين الأبناء من جهة، وبينهم بين والديهم من جهةٍ أخرى، لا سيما أنّ الأبّ كان يتّخذ من العنيف وسيلة لعقابهم وترهيبهم بحيث لا ينجرّ أحد منهم باتّجاه الخطيئة المُحرَّمة، وهو ما يُضاعف من تصدّع الأسرة وصعوبة السيطرة عليها أيضًا بالرغم من المُحاولات البائسة من قبل الأبّ لفعل ذلك والحفاظ على تماسكها الذي بدا مُستحيلًا.

قدّمت ماريكا لوكاس رينفيلد في "قلق الأمسيات" رواية الغاية منها الخوض عميقًا في النفس البشريّة التي بدت داخل العمل عبارة عن طبقات يتكشّف مضمونها بفعل الظروف الراهنة، لا سيما تلك المأساوية التي تفرض على البشر نمط حياة جديد، وسلوك مُختلف أيضًا ليس بالضرورة أن يكون إيجابيًّا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مع جوليا كاميرون.. نحو كتابة إبداعية دون رجم

تحت شجرة نيتشه