05-نوفمبر-2020

الكاتب عز الدين شكري فشير

"عناق عند جسر بروكلين"  (صدرت طبعتها الأولى عام 2011 عن دار العين في القاهرة) للكاتب المصري عز الدين شكري فشير رواية سوداوية الرؤية، كثيرة المآسي العقلية والنفسية والواقعية، حادة في كل جوانبها سواء من حيث انتقاء الشخصيات، سيرورة العمل، الأحداث الأساسية والأحداث الثانوية. قولبها الكاتب لتعكس رؤية ووجهة نظر واحدة تصب في خانة "صراع الحضارات" وضمنها الكثير من النقد العلني والنقد المبطن ثم جعل من شخصيتها التي شكلت الرابط بين أجزائها سلمى رمزًا سأعود إليه في فقرة الرمزيات.

"عناق عند جسر بروكلين" للكاتب المصري عز الدين شكري فشير رواية سوداوية الرؤية، كثيرة المآسي العقلية والنفسية والواقعية

"العناق" كمفهوم قد يكون للقاء أو لوداع! وعلى ما يبدو فإن فشير قد ضمّنه معنى الوداع والفرقة والقطع، على الصعيد العاطفي في القصة، وعلى الصعيد الفلسفي ما بين الشرق والغرب، وقطعية الصراع، برأيه، وعدم الاندماج ما بين هذين القطبين.

اقرأ/ي أيضًا: رواية "عناق عند جسر بروكلين" لعز الدين شكري فشير.. القصص التي سُميت رواية

من هنا يمكننا فهم نماذج الشخصيات في هذا العمل فهي كلها نماذج سلبية سواء تلك التي اختارت التغرب التام عن أصولها (درويش) والاندماج الكامل في الغرب، أو تلك التي اختارت الغربة وشعرت بالحنين المتأخر (رامي) أو تلك التي تعيش في أمريكا داخل قوقعتها الدينية (الشيخ داوود) أو حتى ليلى التي رفضت الغرب وعادت إلى مصر وجنحت صوب التعصّب الديني. هذه الشخصيات أدّت دورها في إيصال أفكار الكاتب الذي أغفل متعمدًا التجارب الإيجابية الواقعية الأخرى. تقول الرواية: "الوحدة أن يكون المرء في مكان وكل من يحب في مكان آخر، وعليه أن يحاول العبور لهم في كل مرة يحدثهم"

اللغة أتت بسيطة وسلسة، بعيدة عن التركيب الصعب والمحسنات، لغة مفهومة جدًا وقد يكون ذلك مقصودًا من الكاتب الذي لا يكتب لفئة معينة من القرّاء. استعمل الكاتب تقنية تعدد الأصوات بدمجها بصوت الراوي العليم وكانت تقنية مميزة وأجادها الكاتب. البناء الروائي كان ممتازًا من حيث تقسيم الفصول وإعطاء جزء من الصورة في كل فصل لتشكيل الفسيفساء أو اللوحة الأخيرة. النهايات المفتوحة كانت نقطة القوة الجوهرية لهذه الرواية.

الثيمات تراوحت بين ثيمة الغربة والتغرّب والصراع الحضاري بشكل أولي، الصراعات النفسية للشخصيات كانت حاضرة أيضًا. زرع الكاتب مروحة من الأفكار بين السطور من عبثية الأمم المتحدة وضعفها إلى وضع الأقليات في الولايات المتحدة وبعض مشاكلها إلى التعصّب الديني وغيرها الكثير.

الرمزية في الرواية

هناك العديد من الرمزيات سأتناول بعضها: كتاب ألبرت حوراني "تاريخ الشعوب العربية" والذي لم تقرأه امرأته الأولى ولم تفهمه الثانية ولم تكمله الثالثة ووصلت إلى فصل المماليك وماتت، وأعتقد أنه يرمز إلى أننا لا نعرف تاريخنا، وأن الزمن توقف بنا عند ذلك العصر.

الرقم 21، وهو عيد ميلاد سلمى ورمز للقرن الواحد والعشرين والذي لم يصله أحد من الشخصيات! "سلمى" التي ترمز لمصر المستقبل، التي فاتها القطار في العديد من المرات، اعتداء الشبان السود عليها في النهاية وأظن أن الكاتب حمّل هذه الجزئية رمزية العنصر الأفريقي بإحالة سياسية إلى مشكلة مصر مع اثيوبيا. فقدان سلمى الوعي في النهاية برمزية لا تحتاج إلى أي شرح.

تناولت رواية "عناق عند جسر بروكلين" الغربة والتغرّب والصراع الحضاري بشكل أولي، وعبثية الأمم المتحدة وضعفها

ختامًا الرواية ممتعة، سلسة، تثير عشرات الأسئلة، يعيبها الفرق في الإيقاع فبينما كانت الموسيقى كلاسيكية في فصولها الأولى تحولت في الفصل الأخير إلى حفلة روك! غياب المثل المضاد للشخصيات ولو شخصية واحدة على أقل تقدير، وتبني وجهة النظر الغربية في أحداث 11 أيلول/سبتمبر.

اقرأ/ي أيضًا: 5 من الروايات المصرية الجديدة

تقول الرواية: "لا نعرف كيف نترك بعضنا، ولا كيف نظل سويًا. ثم قالت ربما، بعد سنوات أخرى، ربما في نهاية طريقنا أو قبلها بقليل يمكننا أن نكون سويًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

3 مجموعات قصصية سورية

3 روايات مصرية صارت أفلامًا