07-مايو-2019

زكريا تامر، جميل حتمل، إبراهيم صموئيل (ألترا صوت)

لم تأخذ القصّة القصيرة العربية المكانة ذاتها التي حظيت بها الرواية. ظلّت دائمًا نمطًا أدبيًا قليل الاحتفاء، دون أن يعني ذلك عدم وجود أسماء قدّمت أعمالًا قصصية لا تقلّ أهمية عما أُنجز من رواياتٍ سياسية أو اجتماعية أو غير ذلك. ولا تختلف هذه الحالة بين بلدٍ وآخر، ذلك أن الرواية باتت مهيمنة.

في هذا المقال، اخترنا أن نعرّفكم على ثلاث مجموعاتٍ قصصية سورية لا بدّ من قراءتها.


1- دمشق الحرائق

في خمسينيات القرن الماضي، دخل زكريا تامر (1931) المشهد الأدبيّ بقوّة، قادمًا من ورشة للحدادة وسط حيّ "البحصة" الدمشقيّ. صاحب "صهيل الجواد الأبيض"، استطاع سريعًا فرض نفسه ككاتب قصّة قصيرة من طرازٍ مختلف، بالنظر إلى ما كان سائدًا في تلك الحقبة. هكذا، عُرِفَ تامر ككاتبٍ يُقارع الخوف والخنوع والقمع؛ يكتبُ عن الحرية باحتجاجٍ وغضب، وكذلك عن بشرٍ مذعورين في فضاءات كابوسية، حيث يرزحون تحت وطأة استبدادٍ قديمٍ ومتجدّد. بهذا المعنى، تكون الكتابة عند صاحب "ربيع في الرماد" إزاحة لثامٍ عن أوجاع هؤلاء البشر، أولئك الذين قد لا يبتعدون كثيرًا عن ورشة الحدادة، حيث كان يعمل.

مجموعته القصصية المعنونة بـ "دمشق الحرائق" الصادرة سنة 1973 بعد مجموعتين قصصيتين؛ لا تخرج عن أجوائه المعتادة، وفضاءاته المتراوحة بين ما هو كابوسي ومألوف. هكذا، تدور حكايات المجموعة حول الفقر والعوز والبؤس والعنف؛ نقرأ عن طفلةٍ تبكي بالقرب من صخرة، فتتفتَّتُ الصخرة وينبثق منها طفل يسأل الفتاة عن سبب بكائها، فتقول إنّ أمّها لم تشتر لها ثوبًا أحمرًا أحبّته، لأنّ شراء الخبز أهم. وبينما يلعب الطفلان إلى جانب شجرة كبيرة، يأتي رجال مسلّحون ويربطون رجلًا بالشجرة ثمّ يطلقون نحوه رصاصًا يخترق جسده. تبكي الطفلة خوفًا من المشهد، وتلصق رأسها بصدر الطفل الذي كان صخرة، ليصير الطفلان مخلوقًا واحدًا يرتجف راغبًا بالفرار، قبل أن يتحوّلا إلى صخرة.

زكريا تامر

2- قصص المرض... قصص الجنون

لن يكون قارئ مجموعة "قصص المرض.. قصص الجنون" للراحل جميل حتمل، على موعدٍ مع حكايات كابوسية كما قد يدلّ العنوان، وإنّما حكاياتٍ موجعة، تغرفُ من وجع وألم كاتبها دون غيره. نتحدّث بطبيعة الحال عن مجموعة قصصية كتبها الراحل عشية رحيله، ودوّن فيها، لمن يقرأ أخذًا بالاعتبار حياة صاحب "حين لا بلاد"، مراراته وأوجاعه، كاتبًا وعاشقًا ومغتربًا ومواطنًا عربيًا اختبر حياة القمع المريرة في المدن العربية، قبل أن ينتهي به المطاف في العاصمة الفرنسية باريس، حيث استعدّ للرحيل بعد أن ضعف أمام المرض، وبلغت هشاشته حد أن كتب هذه المجموعة التي تعامل معها القرّاء والنقاد معًا على أنّها مجموعة تبوح بما يجول في داخل صاحب "انفعالات".

في واحدة من قصص المجموعة، يقول جميل حتمل "القصة باتت سخيفة -إنما لا تزعلوا مني فهذه حال قصص ان تكتب في فراش وخارج الوطن -لا تزعلوا لأني أريد أن أكتب، كيما أشعر أني ما زلت حيًّا. رغم أنّ الكتابة ليست هي التي ستشعرني بذلك الوهم، بل حركة أصابعي على الورق". بهذا المقطع، يختزل الراحل الفترة الأخيرة من حياته، حيث عاشها منعزلًا ومسكونًا بهاجس الموت، ومرارة الغربتين، إن كانت الداخلية أو الجغرافية، لا سيما بعد أن هجر الفتاة التي يحب، بالإضافة إلى المدينة التي ظل يحلم بالعودة إليها.

جميل حتمل

3- رائحة الخطو الثقيل

يأخذنا إبراهيم صموئيل في مجموعته "رائحة الخطو الثقيل" الصادرة عام 1988 في رحلة قصيرة نتعرّف من خلالها على الصراع الذي يعيشه المعتقلون يوميًا مع السجن والسجّانين. يتحدّث صاحب "النحنحات" في هذه المجموعة عن أجواء الاعتقال دون الذهاب نحو مشاهد التعذيب وعنف السجّانين ضدّ المسجونين، وإنّما يكتفي بالتقاط ما يُمكن تسميته باللحظات الإنسانية والمؤثّرة لأبطال قصصه الذين يعانون فقرًا حادًا، ويعيشون توقًا للحظة الحرية، واللقاء بمن هم خارج جدران السجن. فالزيارات ليست كافية، لا سيما وأنّها إمّا تلغى، أو تنتهي فجأةً بأمر من السجّان.

في "رائحة الخطو الثقيل" هناك سجين تزوره زوجته مرّتين؛ في الأولى تسلّمه فيها ورقة نقدية من الخمسين ليرة، فيعود بها فرحًا إلى زملائه الذي ساندوه ماديًا، ذلك أنّه يرى فيها وسيلةً لردّ جميل زملائه. قبل ذلك، يتعامل السجين مع الورقة عاطفيًا، فهي من زوجته، تحمل ملمس يدها ورائحتها وآثار أصابعها، ولكنّه يعود في النهاية للتعامل مع القيمة الشرائية لها فقط. في الزيارة الثانية للزوجة، قرّرت أن تأتي بابنهما الذي لا يتعرّف إلى والده، ويصدّ محاولات تقرّب الأخير منه. فالطفل، كما سنعرف في قصة أخرى، يتعامل مع الصورة التي دلّته عليها أمّه على أنها والده. ولذلك، حين يخرج من السجن، يصدّه الطفل من جديد.

إبراهيم صموئيل

 

اقرأ/ي أيضًا:

عوالم الكتابة عند ليلى سليماني

أمبرتو إيكو.. عن الكتب التي لا نقرؤها