05-يوليو-2019

الكاتب والروائي السوري نبيل الملحم

قبل نحو ثمانية أعوام، وضع الكاتب السوريّ نبيل الملحم (1953) روايته الأولى: "آخر أيام الرقص" (2011). ومنذ ذلك التاريخ، لم يتوقّف عن الكتابة والنشر، ليَصدر لهُ خلال عامَي 2012-2013 أربع روايات، بمعدّل روايتين كلّ عام: "سرير بقلاوة الحزين"، و"بانسيون مريم"، و"موت رحيم"، و"حانوت قمر".

كأنّ نبيل الملحم، الكاتب الذي أمضى سنواتٍ طويلة يصول ويجول في عالم الصحافة، تنبّه أخيرًا إلى ذاكرةٍ مليئة بتواريخ وأحداث وتحوّلات

كأنّ الكاتب الذي أمضى سنواتٍ طويلة يصول ويجول في عالم الصحافة، تنبّه أخيرًا إلى ذاكرةٍ مليئة بتواريخ وأحداث وتحوّلات سياسية واجتماعية مختلفة. وبينها، التقط حكايات وحيوات بشر بمصائر قاسية، كمحصّلة أو نتيجة لتلك التحوّلات المريرة.

اقرأ/ي أيضًا: نبيل الملحم: أغار من عبد الباسط الساروت

أواخر عام 2016، وضع نبيل الملحم روايته السادسة تحت عنوان "خمّارة جبرا". الكاتب والصحفي السوريّ احتاج بعدها نحو 3 أعوام لإنجاز روايته الأخيرة، والصادرة حديثًا عن "رياض الريس للكتب والنشر" بعنوان "إنجيل زهرة".

في "خمّارة جبرا"، عكف الملحم على الاشتغال على اختراق أمكنةٍ استثنائية مُهملة أو مُسقطة من سرديات الآخرين. واتّخذ فيها من الأحياء العشوائية المُهلة والكرخانات مسرحًا للأحداث التي تبدأ منذ ما بعد الاستقلال، وصولًا إلى لحظة هتاف السوريين للحرّية و"الشعب يريد إسقاط النظام". وبين هذين التاريخين، عالج الملحم من خلال الحفر بعمقٍ ودراية في ذاكرة دمشق، تحوّلاتها السياسية والاجتماعية، وتفاصيلها الكبيرة وتلك الصغيرة التي لا تلحظها غالبًا حركة الزمن.

في روايته الأخيرة، ونقصد بذلك أنّها ستكون آخر أعمال نبيل الملحم الروائية، لأنّه، وبحسب حديثه لـ "ألترا صوت"، وصل في هذه الرواية إلى ذروة لحظة الكتابة، ما يعني أنّ كلّ اللحظات اللاحقة ستكون أقلّ شأنًا من لحظة كتابتها، وأي رواية لاحقة ستكون باهتة بعدها؛ يتّخذ صاحب "أنا وهو والكلب" من قاع المدينة وعوالمها السفلية مسرحًا لأحداثها التي ستخرج هذه المرّة بعيدًا عن حدود دمشق، لتصل إلى القاهرة وبغداد. هكذا، سنتتبّع حكاية رجل يلعب مع الزمن، بفجورٍ تارةً، وبوحشية تارةً أخرى، متنقّلًا بين عوالم متباعدة ومتناقضة، وغارقًا في وحل بشرٍ محطّمين يشاركونه اللعبة. سنعرف أنّ هذا الرجل الذي يُدعى يوسف لا يكفّ عن الثرثرة، وأنّ هناك سيدة تُدعى سلمى لا تفعل شيئًا سوى الإصغاء لثرثرته التي يحكي فيها قصّة عشقه الذي فتك به ودمّره، ليصير غير قادرٍ على ضبط نفسه والسيطرة عليها، ويعيش بدايات الحرب في سوريا في عزلةٍ طويلة لا شيء يكسرها غير غبار الخارج.

نطلب من نبيل الملحم أن يحدّثنا عن أجواء روايته، فيردّ بالقول: "هي رواية العزلة إن شئنا. تلك العزلة التي يمتزج فيها التأمّل بالهذيان، وصمت الخارج بضجيج الداخل، والرغبة في كل شيء، بعد فقد كل شيء. هكذا، تسطو دكتاتورية الوقت على رجل محطّم، يخرج من حطامه متحدّيًا، وهو على علمٍ مسبق بأنه مهزوم. في الرواية، تتبدّى طاقة السخرية على التوازي مع اللحظات الدامية، بحيث تستحضر كوميديا اللحظة في ذروتها، مع تراجيديا اللحظة بذروتها. وفي الحالتين، يحضر فيها بشرٌ يخالُ لنا أنّنا نعرفهم، أو نكتشف أنّنا نعرفهم وليس من بينهم شخصية واحدة تعبر دون أن تترك فينا أثرًا ما".

في "إنجيل زهرة" لنبيل الملحم، هامش المجازفة أوسع، إن كان ذلك على مستوى البناء الروائي، أو اللغة

اقرأ/ي أيضًا: خمارة جبرا.. وحول القاع الدمشقي

"إنجيل زهرة" رواية تجاوز فيها نبيل الملحم أعماله الروائية السابقة. هنا، كان هامش المجازفة أوسع، إن كان ذلك على مستوى البناء الروائي، أو اللغة. ناهيك عمّا حملته من أسئلةٍ وخلاصات.

مقطع من الرواية

في هذا الشّفق الأبيض، أي؛ في الخطّ الفاصل ما بين الليل والنهار،  كنت عازمًا على خلق معنى ما، لا لشيء سوى لاستعادة روح اللعب، فأنا رجل بلا مبادئ صارمة، كلّ ما كان يشغلني هو اللعب، بما فيه ذلك اللعب العاري، الذي يتّكئ على هاجس السؤال الذي يقود إلى خلق معانٍ رفيعة، تمنح حاملها بعض أسباب استمراره على قيد الحياة، وإذا لم يكن كذلك، فبعض أسباب الموت السعيد، مادامت الحياة الخالية من المعاني، ستأخذه إلى حيث يأتيه الموت، والموت كما يمكن أن يتراءى لي، هو انتقال إلى اللعب مع الديدان، تلك الكائنات المختبئة فينا، والتي تحيا بموتنا، والتي يمكن أن تُكنّى بـ"الوقت"، أو على الأقل تلك هي التسمية التي أقترحها له، فالوقت هو "الدودة".

كنت عازمًا على أن أعيد الاتّصال برقم هاتفيّ لامرأة اتّصلت بي، ليس من وقت بعيد، مع أنني كنت عاجزًا عن تعيينه بدقّة. كانت امرأة ضجرة، هكذا كنت أظنّها... كانت ترغب في اللعب، هكذا كنت أظنّها أيضًا، وكنت أظنّ أنها لم تكن تعرفني، وكنت ألعب مع أرقام هاتفيّة لأتّصل بالكثير من الناس، بمن أعرفهم وبمن لا أعرفهم، كما كنت متشكّكاً في أن أتلقّى أيّ إجابة من أيّ طرف آخر، ذلك، لأنّ أرقام الهواتف تغيّرت بعد سنين طويلة من هجري الناس الذين أعرفهم، أو ممّن هاجروا ما بعد الحرب الفتّاكة، وقد اجتاحت البلاد.

- نعم، كنت عازمًا على مقايضة الكلام بالوقت. لا، لا تفهموني خطأً، فليس من العار في شيء، أن تُقايض كلامًا مزدهرًا بوقت موحش، وكأنما هو درس في التاريخ.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سرير بقلاوة الحزين.. سجن تدمر بلحمه ودمه

نبيل الملحم: الكتابة فعل أقرب إلى الاستحمام