20-يناير-2019

مخطوطة كتاب "الترياق"

لا تختلف مسؤولية كتابة روايةٍ عن مسؤولية رعاية أسرة. ثمّة واجبات صغيرة وأخرى كبيرة. وإنّ أيّ إهمالٍ قد يساهم في تجريدك من صفة "ربّ البيت" الجيّد. هل يُعقل أن تسألك ابنتك عن معلومةٍ، فلا تكلّف نفسك البحث عنها في مرجع ما، ورقيًّا كان أم إلكترونيًّا؟ إنّك ستبدو في عينيها، لحظتئذٍ، بخيلًا أو مهملًا أو جاهلًا، وهي الأحكام التي إذا استقرّت في ذهنها عنك، فستبحث عن الأبوّة عند غيرك، أو ستنكمش على نفسها لتكون لك ابنته معقّدة.

لا تختلف مسؤولية كتابة روايةٍ عن مسؤولية رعاية أسرة. ثمّة واجبات صغيرة وأخرى كبيرة

اقرأ/ي أيضًا: إيمان مرسال.. الشعر في جنّة السرد

لماذا ننتبه إلى الأطفال المعقّدين، نتيجة سلوكٍ أبويٍّ خاطئ، فنعمل على علاجها ولو بالرّقية، ولا ننتبه إلى العقد، التّي تصيب شخوص السّرد العربيّ، نتيجة إهمال السّارد لخصوصياتهم المختلفة؟ لماذا لا يحاسب النّاقد العربيّ مَنْقودَهُ على هذه التعسّفات، ويتخذ في حقّه عقوباتٍ، مثل تلك التّي تتّخذها منظمات حقوق الإنسان؟ أليس رائعًا أن ندخل مرحلة يتلقّى فيها الرّوائيّ رفضًا من لجنة القراءة بسبب أنّه تعسّف/ ظلم أحد شخوصه؟ أو تدخّل في خصوصياته بأن لعب دور "الرّاوي العليم"؟

قصّة قصيرة جدًّا

القصّة جاهزة في تقديره. لقد قبض على بطلها في كلّه كما لو كانَهُ:

قال
نال
هال
صال
شال
مال
طال
خال
حال
جال
كال
آل
بال..
وهو يفكّر في النّشر، عضّته ابنتُه: أبي.. هل دخلت معه المرحاض أيضًا؟

لماذا يكتفيّ قطاع واسع من الرّوائيين بالكيفيّة، التّي ينظرون بها إلى شخوصهم، ولا يهتمّون بالكيفيّة، التّي ينظر بها شخوصهم إليهم؟ إلى أيّ مدى يمكننا أن نتخذ من ذلك دليلًا على دكتاتوريّة السّارد أو على إهماله؟ بعضهم لا يكلّف نفسه البحث حتّى عن تفاصيل اللّباس السّائد في البيئة، التي تنتمي إليها الشّخصيّة، أمّا مستويات اللّغة، فهي واحدة لديه كثمرة لعدم الاجتهاد/الإدراك.

سؤال غير بريء: ماذا لو انخرط شخوص الرّوايات العربيّة في "ربيع سردي عربي" مطالبين بحقهم في الحرّية؟

سؤال غير بريء: ماذا لو انخرط شخوص الرّوايات العربيّة في "ربيع سردي عربي" مطالبين بحقهم في الحرّية والاهتمام رافعين شعار: الشّعب (يقصدون أنفسهم) يريد تغيير النّظام (يقصدون النّظام السّردي)؟ أجزم أنّ عدد القتلى والجرحى والمعطوبين والمهجّرين والمختفين قسريًّا، على يد السّارد العربيّ، سيتفوّق على عددهم، الذّي كان على يد الحاكم العربي. هل هذا الشّبه بين السّارد والحاكم العربيين هو ما جعل النّخبة العربيّة الكاتبة/ المثقفة لا تستشرف، والاستشراف من صميم مهمّة النّخبة، أنفاس الثّورات العربيّة؟    

اقرأ/ي أيضًا: السرد والتكنولوجيا

يبدو أنّنا سنهرم من أجل لحظة تاريخيّة يُحرّر فيها السّارد العربيّ شخوص رواياته، قبل أن يطالب الحاكمَ العربيَّ بتحرير الشّعب، فيكون خطابه ثمرةً للانسجام لا لركوب الموجة حتّى يُقال عنه إنّه كاتب معارض.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جبور الدويهي.. حميمية السرد

أولاد الطين.. مهمَّشو السرد الروائي