23-سبتمبر-2023
gettyimages

يتزايد دعم مجموعات اليمين المتطرف ونظرية المؤامرة في ألمانيا (Getty)

كشفت نتيجة دراسة أجراها فريق من جامعة "بيليفيلد" في ألمانيا، بتكليف من مؤسسة "فريدريش إيبرت"، القريبة سياسيًا من الحزب الديمقراطي الاشتراكي الحاكم، أن واحدًا من كل 12 شخصًا في ألمانيا لديه ميول يمينية متطرفة.

ويشكل ذلك، ارتفاعًا بشكل ملحوظ تجاوز 8%، مقارنة مع العامين السابقين. وخلال استطلاع للمؤسسة لعام 2020/2021، أعرب أقل من 2% من المشاركين بوضوح عن دعمهم لأفكار اليمين المتطرف. لكن النتيجة التي توصلت إليها هذا العام، تبدو مرتفعة بشكلٍ كبير.

يتزايد دعم اليمين في ألمانيا، بشكلٍ كبير وغير مسبوق منذ مدة طويلة

وتوصلت الدراسة، إلى أنه في جميع الفئات العمرية، يؤيد ما بين 5% إلى 7% ممن شملهم الاستطلاع، الديكتاتورية مع حزب قوي واحد، وزعيم واحد لألمانيا. وهذه النتيجة هي ضعف المتوسط على المدى الطويل. 

وتجرى الدراسة بصورة منتظمة كل عامين منذ عام 2002، وتركز على رصد تحولات التفكير داخل المجتمع الألماني، والمواقف التي يتبناها.  ويشارك فيها حوالي 2000 شخص تتراوح أعمارهم بين 18 و90 عامًا. 

وقام بالدراسة ثلاثة من الباحثين بقيادة رئيس معهد البحوث متعددة التخصصات حول الصراع والعنف في جامعة بيليفيلد، أندرياس زيك،

ونُشرت تحت عنوان "الوسط البعيد"، وأشار زيك إلى أنه كلما قلت الأموال التي يكسبها الناس، كلما زاد توجه مواقفهم نحو اليميني المتطرف.

وقال: "يُنظر بشكل متزايد إلى البلاد على أنها تعاني من أزمات قومية. وهذا يؤثر على الناس بشكل أكثر قسوة عندما يكونون أقل ثراءً"، وأضاف "من بين أولئك الذين شملهم الاستطلاع، والذين كانوا من أصحاب الدخل المنخفض، اعتبر كل شخص من 2 تقريبًا، جوالي 48%، نفسه متأثرًا شخصيًا من الأزمات، على عكس 27.5% من أصحاب الدخل المتوسط، و14.5% فقط من أصحاب الدخل المرتفع".

فقدان الثقة في مؤسسات الدولة

ومن الواضح أن هذه النتيجة ترافقت مع انخفاض مستوى الثقة في المؤسسات الحكومية، وفي أداء الديمقراطية، على الرغم من استمرار أغلبية كبيرة في دعم هذا الشكل من الحكم.

لكن هناك الآن، ما لا يقل عن 38% لديهم مواقف تتماشى مع الإيمان بنظريات المؤامرة، و33% لديهم آراء شعبوية، و29% لديهم مواقف على أسس عرقية قومية سلطوية متمردة.

وتمثل هذه النسب متوسط زيادة بنحو الثلث، مقارنة بالاستطلاعات التي أجريت خلال جائحة كوفيد-19 في عامي 2020 و2021. كما زادت الشكوك تجاه وسائل الإعلام التقليدية أو رفض ما تنشره، حيث يعتقد 32% ممن شملهم الاستطلاع أن وسائل الإعلام كانت متواطئة مع السياسيين، مقارنة بـ 24% قبل عامين.

ديمقراطية في خطر

يفكر الكثير من الأشخاص في كيفية إيقاف هذه التوجه، وعكس مساره، بما في ذلك الباحث زيك، الذي أشار إلى "أن  ألمانيا تعيش في أوقات تكون فيها النداءات أو سياسات الرعاية الاجتماعية المحسنة قادرة جزئيًا فقط على تهدئة الصراعات والغضب والاحتجاجات".

وأضاف: "أوقات الأزمات هي الأوقات التي ينشط فيها الناس سياسيًا، ويتخذون مواقف جديدة. وهذه المواقف يمكن أن تنحرف من الوسط إلى اليمين".

وسلط زيك الضوء على مصدر قلق محدد، قائلًا: "عندما يتبنى الأشخاص من تيار الوسط، الذين لا يعتبرون أنفسهم متطرفين يمينيين، مواقف اليمين المتطرف في المجتمع، فإن الديمقراطية تصبح في خطر".

ووصف زيك مدى صعوبة تقييم هذه الظاهرة من خلال الإشارة إلى ما يسمى بدراسة الاستبداد التي أجرتها جامعة لايبزيغ عام 2022. ووفقًا لهذه الدراسة، انخفض تبني الآراء اليمينية المتطرفة في السنة الثانية لجائحة كوفيد-19. ومع ذلك، كان عدم الرضا عن الديمقراطية مرتفعًا، وتم تقاسم العديد من المواقف الكارهة للبشر على نطاق واسع.

جماعات اليمين المتطرف ونظرية المؤامرة

يوضح  زيك: "اليوم نعرف عدد المتطرفين اليمينيين الذين سعوا إلى الانضمام إلى الجماعات اليمينية المتطرفة الأخرى ذات التوجه التآمري، والمناهضة للديمقراطية"، مشيرًا بالتطور الذي بدأ في ذلك الوقت، عندما أصبح الكثيرون أكثر تحالفًا مع الجماعات اليمينية المتطرفة. مذكرًا بمحاولة الانقلاب التي قادها "مواطنو الرايخ" في ألمانيا.

وتعتقد حركة "مواطنو الرايخ"، أن حدود الإمبراطورية الألمانية التي يعود تاريخها إلى عام 1871 لا تزال سارية، وترفض الاعتراف بالدولة الألمانية الحالية وبنيتها الديمقراطية. حتى أنهم شكلوا خلايا "إرهابية".

وفي ظل هذه الخلفية، يرى زيك أن الدراسة جزء من ثقافة "الذكرى في ألمانيا،" حيث تشير مباشرة إلى الديكتاتورية النازية في الفترة ما بين 1933 إلى 1945.

توصلت الدراسة، إلى أنه في جميع الفئات العمرية، يؤيد ما بين 5% إلى 7% ممن شملهم الاستطلاع، الديكتاتورية مع حزب قوي واحد، وزعيم واحد لألمانيا

ويرى زيك، أن "الاشتراكية القومية جاءت من وسط المجتمع، وكانت مدعومة منه، حتى لو تم تطوير هذه الأيديولوجية وممارستها، بما في ذلك الدعاية والتحريض والإرهاب الذي ترعاه الدولة، من قبل النازية".

وتصل الدراسة إلى سؤال حول الكيفية التي يجب أن يتعامل بها المجتمع مع الأزمات العديدة التي يواجهها.  وكان جواب 53%، بأنهم يفضلون العودة إلى سياسات ذات توجه وطني أكبر، ودعوا إلى العزلة عن العالم الخارجي، واعتبروا القيم والفضائل والواجبات الألمانية ضرورية للتعامل مع الأزمات.