14-فبراير-2019

الفنان فؤاد هاشم

ليس في معرض الفنان اللبناني فؤاد هاشم "دواب" (غاليري Tree of Art Gallery) في بيروت؛ ما هو مُعتاد أو تقليدي، ولا نرى في الأعمال المعروضة انحيازًا واضحًا لفن اللوحة التقليدية كذلك الأمر. هناك نوع من التجريب، يتزامن مع اشتغال فؤاد هاشم على أعمالٍ تسعى لأن تطرح أفكارًا ووجهات نظر جديدة غير تقليدية، تبدو صادمةً في أحيانٍ ما، ومستفزةً في أحيانٍ أخرى، في مقاربتها للعلاقة بين الإنسان والحيوان.

لوحات فؤاد هاشم تحاول شقّ طريق جديد لخلق منطق أكثر دقّة وجدّية في التعامل مع الحيوانات

ما نراه في معرض "دواب" يشدّ المتفرّج إليه بقوّة. هناك 15 لوحة موزّعة على جدران الغاليري، بأحجام متفاوتة، وألوان تتوزّع بين ترابية داكنة، وأخرى نارية. ولا يبدو أنّ الناظر يحتاج أكثر من بضع دقائق ليكتشف أنّ لوحات فؤاد هاشم تحاول شقّ طريق جديد لخلق منطق أكثر دقّة وجدّية في التعامل مع الحيوانات: تجسيد وتصوير داخل اللوحة. ويخصّ الرسّام اللبناني الدواب بهذا المنطق، أي كل الحيوانات التي اعتمد البشر عليها طيلة زمن.

اقرأ/ي أيضًا: التونسية منى الجمل.. الهامشيّ بعدسة فينوس

من هذا المنطلق، تصبح دواب فؤاد هاشم خارج الحيّز الضيّق الذي لطالما صوّرت فيه، ورُسِمت بناءً عليه، أي الريف. ولا تحضر كذلك ضمن اللوحة بصورةٍ فانتازيّا، مُعيدةً طرح ميثولوجيا وحكايات قديمة. هكذا، لا نرى حيواناتٍ بجسدٍ مختلفٍ عن الرأس، أو رأس بشريّ مركّب على جسد حيوان، أو حيواناتٍ أخرى بأجنحة، أو مشوّهة، وغير ذلك. كما لا نرى حيواناتٍ تعيش وفق نمط حياة معيّن، لا تملك القدرة لأن تشذ عنه. ببساطة، ما نراه في المعرض هو حيوانات حاضرة دون إضافات، بصورةٍ أولى أصلية، فتبدو داخل العمل متفرّدة، دون الحاجة إلى ما يدلّ أو يشير إلى وجودها إطلاقًا.

يُلاحظ المُتفرج بالضرورة أنّ الحيوانات وضِعت داخل اللوحة بشكلٍ أقرب إلى البورتريه. بورتريه حكّاء، لديه الكثير ليقوله، أدخل الدواب ضمنه كيلا تظلّ صامتة.

يُعاد سرد سيرة العلاقة بين الإنسان والحيوان، الدواب على وجه الخصوص. ويترك فؤاد هاشم الباب مفتوحًا على مصراعيه، لا للتأويلات والقراءات المتعدّدة والمختلفة فقط، بل لتلك السير التي يجمعها ويوضّبها في مكانٍ واحد، لتروى في سياقٍ واحد، وفي وقتٍ واحد. في هذا السياق، تدفع اللوحات المتلقّي، في مكانٍ ما، إلى الشعور بضرورة التفرّغ لمعاينة الأسلوب غير التقليدي الذي يوحّد هذه اللوحات. وأن يؤجّل التأمّل قليلًا، ريثما تكتمل الفكرة والمشهد والحكاية في ذهنه.

اللوحات في معرض فؤاد هاشم يظهر البعض منها بملامح واضحة تدلّ على هويته، ولا تؤسّس شكله بصورةٍ دقيقة، فليس هذا الهدف. في المقابل، هناك حيوانات أخرى بملامح مشوّشة، غير واضحة، وخاضعة نوعًا ما لما يُمكن تسميته مسحات بسيطة من التشويه والتلاعب في الشكل. هذه الأخيرة إشارة صريحة إلى عنوان المعرض، باعتبار أنّ الدابة هي "كلّ ما يدبّ على الأرض". ومن جهةٍ أخرى، يبدو غياب ملامح هذه الحيوانات داخل العمل إشارة أخرى إلى إسقاط أو تغييب حكاية الحيوانات عن حكاية البشر، دون الاهتمام بدورها، أو الإشارة إليه.

هكذا يعرّي فؤاد هاشم طبيعة علاقة الإنسان بالكائنات الأخرى، لا سيما تلك التي اعتمد عليه في صنع حضارته. فنرى الحيوانات في بعض اللوحات على غير طبيعتها. نتأمل حركة الجسد، الرأس تحديدًا، فتبدو كمن خرج لتوّه من حفلة إذلال، بجروح غائرة في النفس.

يعرّي فؤاد هاشم طبيعة علاقة الإنسان بالكائنات الأخرى، لا سيما تلك التي اعتمد عليه في صنع حضارته

اقرأ/ي أيضًا:​ فنون الشوارع وسباق توثيقها

"دواب" هو المعرض الفردي الأوّل لفؤاد هاشم. ويبدو أنّه يتعامل معه كمجموعة شعرية أولى ربّما، بحيث يبدو حذرًا من العثرات الحاضرة في أي تجربة أولى، وليس مستعدًا للتخلّي عنها في وقت لاحق. هكذا اشتغل على ما يترسّخ ويُحفر عميقًا في ذهن المتفرّج. فجعل من الموضوع الذي يشتغل عليه تحدّيًا أو اختبارًا جدّيًا. وحاول أن يضمنه طابعًا فلسفيًا، أو أن يلعب دور المؤرّخ، ولكن بريشةٍ بضرباتٍ ولطخاتٍ غير منفعلة أو مستفزّة، تؤسّس عالمين زمنيين مختلفين هما المساحة المطلوبة لإعادة قراءة هذه العلاقة التي تبدو ملتبسة بين الإنسان والحيوان.

 

اقرأ/ي أيضًا:​

معرض "لا مكترث".. فوتوغرافيا تتقلّب مع المزاج

معرض مروان رشماوي.. 22 مدينة في فلسطين