29-أغسطس-2017

أحد المتدخلين المشكوك في شهادتهم في برنامج العربية (يوتيوب)

شطحة جديدة من الشطحات والسقطات الإعلامية المتتالية لقناة "العربية" إثر بثّها لما سُميّ "تحقيقًا استقصائيًا حول شبكات تسفير الشباب التونسي إلى سوريا برعاية حركة النهضة وقطر"، وذلك ضمن برنامج "مهمّة خاصّة"، يبدو أنها، بالنهاية، لم تكن غير إثبات السقوط المهني ولكن بطريقة هزلية. وربّما لا يكون هذا الوصف مستغربًا، عند العديدين، بما أن معدّ التحقيق هو الصّحفي الخليل ولد اجدود، الذي نشر قبل أسابيع خبرًا حول استعانة قطر بـ"الجنّ" لتجاوز الحصار، وهو ما كان محلّ سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.

أثبتت قناة العربية من خلال حلقتها الأخيرة من برنامج "مهمة خاصة" سقوطها المهني بطريقة هزلية هذه المرة

ويعوز ما قدّمته "العربية" في تحقيقها ضعفه أساسًا من حيث قصور التقصّي والعمل الميداني الجدّي وذلك وفق ما تفترضه فعلًا تحقيقات استقصائية، فلم يكن المعروض إلا حلقة جديدة تفتقد لأدنى مقوّمات المهنية التي تحترم المشاهد. فالتقرير المعروض، استخلاصًا، هو محاولة جديدة ضمن الحملة الإعلامية لدول الحصار من أجل مهاجمة قطر وتلفيق القضايا واختلاق التهم وتوجيهها لها، دون احترام لأدنى متطلبات العمل المهني الجدّي. المسألة في جوهرها، من الزاوية الإعلامية، ليس مضمون التقرير وأطرافه وسياق إعداده، بل افتقاره للمهنية والنزاهة احترامًا للمشاهد على الأقل.

اقرأ/ي أيضًا:  عودة المقاتلين إلى تونس.. الإطار والسيناريوهات

ماهو موضوع التحقيق في البداية؟

طرح التحقيق مسألة تسفير الشباب التونسي إلى سوريا إبان فترة حكومة الائتلاف الثلاثي في تونس سنتي 2012 و2013 والتي قادتها حركة النهضة الإسلامية، وحول الاتهامات الموجّهة للحركة ومن ورائها قطر في تسهيل عمليات تسفير الشباب وتواطئهم.

وليس بالمستجدّ طرح هذه المسألة، حيث لم تتردّد أصوات تونسية معارضة للإسلاميين، وهي كذلك غالبًا من داعمي النظام السوري، لتوجيه الاتهام للنهضة محلياً، وقطر إقليميًا، في الوقوف وراء تسفير الشباب التونسي إلى سوريا، ولكن دون تقديم أي أدلة. لم تتجاوز المسألة في جوهرها الحملات الإعلامية ضمن الصراع السياسي.

برنامج العربية حول تسفير الشباب التونسي إلى سوريا يندرج ضمن حملة إعلامية لدول الحصار ضد قطر وتلفيق التهم لها ولم يتضمن أي أدلة

وقد عرض التحقيق شهادة موجزة لمهدي بن غربية وهو وزير العلاقات مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، وهو الوزير المكلّف بملفّ الجمعيات في الحكومة، والذي أوجز في المسألة اختصارًا بخصوص ملف الجمعيات الخيرية المتّهمة بوقوفها وراء تمويل تسفير الشباب.

حيث قال إن "حكومات سابقة قامت بتجميد عدد من الجمعيات الخيرية لمجرّد الشبهة بموجب قرار إداري صرف، حيث لم يثبت القضاء تورّط هذه الجمعيات في أعمال مخالفة للقانون".

اقرأ/ي أيضًا:  حرب على الجمعيات الخيرية والإسلامية بتونس؟

شهود أم هزليون؟

انبنى التقرير منذ دقيقته الأولى على مسلّمة تدعي وقوف قطر وراء تسفير شباب تونس إلى سوريا، فما كانت الدقائق العشرون اللاحقة إلا محاولة لإثبات هذه المسلّمة دون حتى محاولة فحصها، على الأقل باستضافة الشقّ المقابل لرواية التقرير، وذلك وفق ما يفترضه العمل الصحفي المهني النزيه.

والأنكى أن التقرير لجأ إلى متدخلين لإثبات روايته رغم أنهم لا يتمتّعون بمصداقية لدى الرأي العام التونسي، والأكثر تماديًا في التحريف، هو إعطاؤهم صفات وهمية.

فقد استعان التقرير بمن وصفه بضابط سابق في الداخلية التونسية وهو عصام الدّردوري، وهو في الواقع عون سجون نشط بعد الثورة ضمن النقابات الأمنية، التي أنشئت والتي يقف وراءها ضباط سابقون في الداخلية زمن بن علي. كما عُرف عصام الدردوري بأخباره المختلقة مثل ادعائه سرقة مسؤول تونسي لألف طن من الألماس من مركز أثري بتونس. وقد سبق وتم الحكم عليه بالسجن بتهمة نسبة أمور غير صحيحة لإطار في وزارة الداخلية اتهمه بارتكاب تجاوزات في صفقات سلاح.

 

 

اعتمد برنامج العربية على متدخلين لا يتمتّعون بمصداقية لدى الرأي العام التونسي مما زاد في السخرية من البرنامج والقناة

في نفس الإطار، استعان التقرير بمنّ وُصف بناشط سياسي هو المنذر قفراش، وهو أحد شباب حزب التجمّع المنحلّ، ويُعتبر "أكثر الأوفياء" لبن علي على شبكات التواصل الاجتماعي بطريقة مثيرة للسّخرية. ولا يتمتع هذا الشاهد، الذي اقتنص الفرصة لاتهام حركة النهضة بالوقوف وراء عمليات التسفير، بأي مصداقية ليس فقط لخلفيته السياسية وطريقته الهزلية في الدفاع عن بن علي دائمًا، بل كذلك لثبوت تورّطه في عملية ابتزاز مالي لرجل أعمال تونسي وهو ما كلّفه السّجن الذي لم يغادره إلا قبل بضعة أشهر فقط.

لم يفوت التحقيق الاستعانة بخبير اقتصادي هو معزّ الجودي، وعدا أنه غير متخصّص، فهو معروف، لدى الرأي العام التونسي، بأنه معادٍ للإسلاميين بطريقة هستيرية، على غرار سابقيه. فأي نزاهة لتقرير يستعين بخبير اقتصادي ليقول إن "قطر تقف وراء تسفير الشباب" وثمّ يمرّ التقرير لشاهد آخر يعيد نفس العلكة.

 

 

المهمّ ترديد الاتهامات!

توجّه التقّرير لرئيسة لجنة التحقيق البرلماني حول مسألة شبكات التسفير، المعروفة أيضًا بمعارضتها الكاريكاتورية للإسلاميين رغم تحالف حزبها معهم، حيث اكتفت بترديد بعض الاتهامات، وهو نفس ما فعلته البرلمانية ليلى الشتاوي، والتي كانت قبل بضعة أسابيع في زيارة لبشار الأسد في دمشق، وعلّقت وقتها "سيشهد التاريخ أن بشار الأسد أنقذ شعبه"!

كما لم يفوّت التقرير توجيه الاتهام للملحق العسكري السابق بتونس سالم علي الجربوعي، الذي سبق واتهمته سلطات حفتر بدعمه للإرهاب في ليبيا، رغم أنه سبق وأن تعهد القضاء التونسي منذ سنة 2014 بفتح بحث تحقيقي في الغرض انتهى بحفظ الملف لعدم وجود شبهة جنائية.

"العربية" أمام القضاء التونسي

واتهم التقرير النائب عن حركة النهضة محمد فريخة وهو رئيس شركة طيران محليّة بتجنيده لهذه الشركة في نقل المسافرين من تونس إلى تركيا ومنها إلى سوريا، وذلك دون تقديم أي أدلّة أو براهين. وهو ما حدا بالنائب لإعلان مقاضاته قناة العربية.

وأعلن أنه سينظّم ندوة صحفية للردّ على فبركات تقرير العربية، مشيرًا إلى أنه يرفض استعماله في أجندة إقليمية في إشارة للحملة الإعلامية لدول الحصار ضد دولة قطر.

أعلن أحد الذين اتهمتهم العربية في برنامجها، دون أدلة، مقاضاته القناة مشيرًا إلى رفضه  استعماله في أجندة إقليمية

أين الاستقصاء؟

لم يكن ما سُميّ بتحقيق استقصائي فعلاً استقصائيًا، فهو عمل من جنس صحفي آخر هو أقرب للدعاية المضادّة ضمن حملة إعلامية لوسائل إعلام لا تحترم متطلبات العمل المهني ولا تحترم عقل مشاهديها.

التقرير، الذي دام عشرين دقيقة، هو تجميع لشهادات أشخاص يفتقدون للمصداقية ومعلومٌ عنهم معارضتهم الهستيرية للإسلاميين وقطر، مع ربط هذه الشهادات بفواصل لشهادات مؤثرة لأولياء الشباب "المسفّرين" بهدف استعطاف المشاهدين، ومن ثمّ مواصلة العزف الأحادي على إيقاع اتهام حركة النهضة وقطر بتمويل شبكات التسفير، وذلك دون أي بحث وتقصّ. فأين الاستقصاء الموعود وأين عرض الأدلة؟ لماذا لم يتوجّه التقرير لوزارة الداخلية التونسية؟ وللقضاء التونسي؟ ربّما لأنه سيجد إجابة موجزة تخالف تمامًا الفرضية التي انبنى عليه تحقيق "مهمة خاصة".

يذكر أن العربية تتنافس مع سكاي نيوز عربية وعدد من القنوات السعودية والإماراتية خاصة في فبركة الأخبار وهو ما جعلهما محل مقاضاة من الكثيرين. حيث كانت وكالة الأنباء القطرية قد قاضت القناتين إبان نشرهما تصريحات ليس لها أساس من الصحة وإصرارهما على تداولها والترويج لها رغم النفي الرسمي القطري. كما كان رئيس حركة النهضة في تونس راشد الغنوشي قد رفع دعوى قضائية ضد قناة "سكاي نيوز عربية" بعد اتهامها له بالتورط في اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد في شباط/فبراير 2013، دون أدلة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المقاتلون التونسيون مع النظام السوري.. إرهاب آخر!

من أجل حلب..تونسيون يحتجّون أمام السفارة الروسية