22-سبتمبر-2019

محمد الأمين ولد الشاه (فيسبوك)

"أنا مؤمن بما يسمى بوحدة المعارف، بمعنى أن الفقه والميكانيكا والأدب وعلم القراءات كلها معارف، وأنْ تنتقل من فن السرد أو القصص إلى الفقه أو علم الأصول فالمسافة ليست بعيدة"، يقول الفقيه الموريتاني محمد الأمين ولد الشاه متحدثًا عن نظرته للمعرفة، ومبررًا تحوّله من عوالم الأدب إلى مجال الفقه والأصول.

كان محمد الأمين ولد الشاه أديبًا، قبل أن يصادر بنفسه بعض أعماله الأدبية، ويتحول لفقيه يفتي الناس في أمور دينهم

كان الشاه أديبًا، قبل أن يُصادر بنفسه في عام 2005، بعض أعماله الأدبية التي رأى لاحقًا أن فيها "تصويرًا أدبيًا غير مألوف"، وأن في بعضها اقتباسات من القرآن، ليتحول بعد ذلك إلى فقيه يفتي الناس في أمور دينهم.

اقرأ/ي أيضًا: جديد موريتانيا.. القتل بدون استتابة لتارك الصلاة و"المنافق"!

"الترا صوت" أجرى مقابلة مع ولد الشاه، تحدث فيها عن تحولاته الفكرية ودوافعها، وعن الاتهامات المستمرة له بإثارة الجدل، وحول آرائه في بعض القضايا الجدلية.

من "المحاظر" إلى الجامعات

وُلد ولد الشاه في مدينة رصو جنوب موريتانيا، سنة 1959. بدأ مسيرته التعليمية في "المحاظر" أي الكتاتيب التقليدية. حفظ القرآن والمتون والنصوص الأدبية التراثية في سن مبكرة، ويقول عن ذلك: "درست نظم الآجرومية لعبيد ربه، ونظم ابن عاشر في الفقه، ولاميّة الأفعال في الصرف لابن مالك، وعلم العروض ومبادئ المنطق والبيان، ومثلث قطرب، وألفية ومثلث ابن مالك، وحفظت باكرًا ديوان الشعراء الستة، ونقائض الفرزدق وجرير وعيون الشعر الموريتاني".

بعد أكثر من عشر سنوات من التنقل بين المحاظر الموريتانية والتحصيل المعرفي "العصامي"، على حد تعبيره، دخل ولد الشاه عالم المدينة، سنة 1974، إذ كانت نشأته في البادية.

محمد الأمين ولد الشاه

على مدار سنوات اشتغل ولد الشاه في المتاجر الصغيرة بالسنغال، وفي كثير من المهن بشكل غير منتظم. كما انخرط في الحركات السياسية التي كانت تعج بها موريتانيا، وتفاعل مع المد القومي، ثم ارتاد النوادي المراكز الثقافية في العاصمة نواكشوط، كالمركزين المصري والعراقي وغيرهما، وكذا النوادي الفنية والأدبية.

"رأيتُ أنه عليّ أن أنخرط في عالم التعليم النظامي، وتقدّمت لامتحان تحديد المستوى الثانوي ونجحت، وسافرت بعهدها للمغرب في رحلة تحصيل معرفي، بدأتها من معهد محمد الخامس للعلوم الأصلية في تارودانت بالمملكة المغربية، وحصلت على الثانوية العامة الأدبية من مدرسة وادي المخازن القصر الكبير 1983"، يقول ولد الشاه. 

أكمل بعد ذلك دراسته الأكاديمية، بدبلوم الدراسات الجامعية العامة من كلية الآداب في جامعة مكناس، والإجازة في الأدب العربي الحديث من نفس الكلية، وذلك سنة 1987. 

يقول ولد الشاه إنه يتحدث بالإضافة للعربية، الإنجليزية والفرنسية وعددًا من اللغات واللهجات الأفريقية. وبالإضافة لدراسته في كلية الآداب، استفاد من دروس في الإعلام والاتصال واللغات والترجمة الفورية من المعهد الوطني للغات العصرية في العاصمة الباكستانية إسلام آباد، وكذا من معهد التجارة الخارجية في نابولي بإيطاليا.

في الشعر والقصة

نزع ولد الشاه للأدب، فكتب الشعر والقصة القصيرة. وكما يقول: "حاولت إيجاد أسلوب خاص بي، فعمدت إلى مزج الأجناس الأدبية، وتقليص الهوة بين الشعر والنثر، متجاوبًا مع نظرية الخطاب الأدبي على نهج رولان بارت وأحمد برادة وغيرهما".

ألّف ولد الشاه في الأدب "بلسم الجراح"، ويقول هو "تأملات في الكوت والطبيعة والإنسان"، وكتاب "تقاسيم" وهو " مقامات تأخذ مرجعتيها من تراث الحريري والبديع وبنيتها من القصة الحديثة من حيث السرد والتشكلات الخطابية"، وأخرها صادرها. ولديه ديوان شعر شعبي بعنوان "أماريج". ولديه في الفقه الإسلامي أيضًا مؤلفات.

 التحول والمصادرة الذاتية

في 2005 وقع التحول، بقرار ذاتي بالتوقف عن الإنتاج الأدبي، ومصادرة ذاتية لكتابين له، والانتقال إلى الانشغال بالفقه الإسلامي.

يقول ولد الشاه: "توقف عطائي الأدبي سنة 2005، وانسحبت من الروابط الأدبية العربية والوطنية، وراجعت رصيدي القصصي الذي يحتوي على اقتباسات من القرآن الكريم، والتي فيها تصوير أدبي خارج عن المألوف، حيث سحبت (شناشيل) و(مدينة العجائب)". 

الآن، ولد الشاه إمام وخطيب لمسجد في العاصمة نواكشوط، يصلي بالناس ويخطب فيهم. ويعتبر الأديب السابق والفقيه الحالي، أن تحوله هذا، إنما هو "عودة للأصول". ويقول: "الذين تابعوا ودرسوا تاريخي ونشأتي، يعلمون أنني تم تكويني كفقيه، فطفولتي وشبابي قضيتهما في دراسة القرآن والمتون في المحاظر. وإذا كنت رجعت إلى عالم الفتوى والأصول فهي عودة إلى الأصل، فأنا في الأصل خريج المحظرة". وهو أيضًا مؤمن بما أسماه "وحدة المعارف".

لماذا يثير الجدل؟

يعتبر ولد الشاه اليوم أحد أكثر الفقهاء الموريتانيين إثارة للجدل، والذين يتداول الجمهور فتاويهم وأحاديثهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك لطبيعة ما يتناول من مواضيع، ونمط خطابه.

 يقول ولد الشاه عن ذلك: "فعلًا، قد تجد من الناس من يقول الشاه فقيه مثير للجدل، وأنا لا أتبرأ من هذه التهمة، رغم أنني لا أعتبر نفسي مثيرًا للجدل، ولكن لا أتبرأ من هذه التهمة لأنه هناك جدل فعلًا، فأنا تكلمت في مجموعة من الأمور رأيت أن فيها مخالفات صريحة". 

محمد الأمين ولد الشاه

يوضح: "بعبارة أخرى: أعتبر نفسي مدافعًا عن السنن الصحيحة. طبعًا لست الوحيد الذي يدافع عن سنة النبي عليه الصلاة والسلام، لكن فيما يخصني، فأنا أدافع عن سنة النبي، وأعمل على تنقيتها من الشوائب، فإذا ثار جدل حول مسألة ما، يجب أن يكون الاحتكام إلى الدليل، لأن الخلاف بين أهل البدعة وبين أهل السنة، هو خلاف بين أهل الحق والباطل". 

يعتقد ولد الشاه أن لمواقع التواصل الاجتماعي الدور الرئيسي في إثارة الجدل حول ما لا يثير الجدل. يقول: "حين يقال الشاه يثير الجدل يجب أن نتساءل أي جدل؟ ثم أنه إذا بحثت في الموضوع، تجد أنه لا يوجد جدل، لكن هذه الفترة تمتاز بوجود شبكات التواصل الاجتماعي، حيث حين أقول رأي أو أرفض غيره، قام العوام يناقشون، وهذا ليس جدلًا، فكل القضايا التي أثرت أو خالفت فيها هي قضايا أكاديمية فقهية وانطلقت فيها من الدليل ولم يناقشني ولا فقيه واحد لأنني آتي بالدليل". 

ثم يستدرك: "وإذا كنت مثيرا للجدل، فهذا يشرفني كما كان ابن حزم الأندلي مثيرًا للجدل وكما كان ابن تيمية مثيرًا للجدل وكما كان ابن رشد وباب ولد الشيخ سيدي"، مضيفًا: "ومن يقول أنني مثير للجدل أقول له قدم لي دليلا على عدم صواب ما قلت".

هذا ويرجع البعض أسباب الهجوم على ولد الشاه فقيهًا، إلى كونه غير منتمٍ للفئة التي عُرفت تاريخيًا بالاشتغال في مجال العلوم الشرعية، أي ما تعرف بفئة الزوايا، التي يقول البعض إنها احتكرت الاشتغال في العلوم الدينية. 

ظلم المرأة

من أكثر فتاويه إثارة للجدل، هي الفتوى المتعلقة بحق المرأة في تزويج نفسها دون وليّ. واعتبر هذه الفتوى خروجًا عن المنظومة الفقية السائدة في موريتانيا. يعلق ولد الشاه: "ما قُلتُه ليس جديدًا، فالزواج من فقه المعاملات، فهل الولي ركن أو شرط في النكاح، هذا ما اختلف فيه العلماء".

واستطرد في التوضيح: "أئمة التابعين اختلفوا في المسألة، فترى الزهري والأوزاعي وداوود بن على والشعبي يقولون إنه ليس شرطًا، وترى كذلك أبو حنيفة يقول إنه ليس شرطًا. فأثرتُ هذه القضية لأن المرأة هنا تواجه معضلة عويصة بسبب قضية الكفاءة".

ويتابع: "مثلًا تجد امرأة اتفقت على الزواج مع رجل يحبها وتحبه، فيقوم وليها ويقول لن أزوجها لأنه أدنى منها اجتماعيًا، ويأتي للفقهاء ويفتون له ببطلان الزواج لعدم الكفاءة، رغم أن الكفاءة في النسب لا وجود لها في الشريعة الإسلامية، وأنا حاولت أن ألتف على هذه القضية فالقضاء لا ينصف المرأة في هذه الحالات، رغم أنه شرعًا يمكن أن يكون وليّها، لذا قُلت بأن تزوج المرأة نفسها".

أثير حول فتواه الضجة، وقيل "إنه ليس من مذهبنا"، فرد ولد الشاه بـ"قلت لهم، هذا هو تحقيق مذهبكم من عبد الرحمن بن القاسم. وعبد الرحمن بن القاسم لا يشترط ولاية في النكاح، فنكسوا على رؤوسهم وبعضهم أتاني وقال لي نحن كالحمار يحمل أسفاره".

يعتقد ولد الشاه أن المرأة مظلومة في ظل المنظومة الفقية والثقافية المحلية، ويرى "مفارقة عجيبة" في وضع المرأة بموريتانيا، يوضحها: "هي محبوبة، ولها اليد العليا أحيانًا، ورأيها مسموع في كثير من القضايا. لكنها من الناحية الفقهية تعاني من العضل وتعاني من الطلاق والنفقة، ومهرها يؤكل، ولا يوجد قضاء ينصفها. وضعيتها عموما غير جيدة وأنا أريد أن تجد وضعيتها كما في الإسلام".

فقيه يتحدث في "الإيروتيكا"

يتحدث ولد الشاه في الجنس، بوضوح وبلا مواربة، وأحيانًا بالتعبيرات التي يستخدمها الشباب في جلساتهم الخاصة، فينقل القاموس الشعبي غير الرسمي للفضاء العام، وهذا أيضًا مما يثير حوله الكثير من الجدل، ويجعل مقاطع الفيديو التي يتحدث فيها واسعة الانتشار، مع تعليقات متباينة حول مضمونها.

"نعم أتحدث عن الجنس، ولا آتي بالجديد، فكل من يطالع تفسير ابن العربي المالكي أو تفسير القرطبي لسورة النور، أو درس أو قرأ واطلع على المتون، يعرف أن ما أقوله ليس بدعة من القول"، يقول ولد الشاه.

ويستشهد بنص لأحد أئمة المالكية، وهو أصبغ بن الفرج بن سعيد، يقول فيه: "للرجل أن ينظر إلى فرج زوجته وله أن يلعقه بلسانه"، معلقًا: "اللعق في الجنس موجود كما يتضح، وإذا ترجمت العبارة لأخرى دارجة بين الناس وإن بالأجنبية، فهذا لا يغير من حقيقة الأمر شيء".

تقريب الفقه من الناس

ما ستهدفه ولد الشاه، كما يقول، هو "تقريب الفقه من الناس، ومصالحتهم معه": "رأيت أهل الفروع وضعوا الكثير مما عسروا به على الناس، وابتعد الناس بذلك عن الفقه، لتنفيرهم منه".

ولد الشاه: "أهدف لتقريب الفقه من الناس ومصالحتهم معه، وأن أقلص الهوة بين المتلقين المكلفين وبين القرآن والسنة، بمحاربة أهل الفروع"

ويقول أيضًا: "أنا أحاول قدر الإمكان أن أنسف هذه النصوص التي هي متون، وأقلص الهوة بين المتلقين المكلفين والقرآن والسنة، والله قال أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، وأنا أحارب أهل الفروع، لأن أهل الفروع وأهل التقليد ابتعدوا عن السنة، ويضربون بأقوال الرجال نصوصًا قطيعة الدلالة والثبوت"، مختتمًا: "أنا أتقرب إلى الله بهذا العمل".

 

اقرأ/ي أيضًا:

التكفير في خدمة السلطة

فوبيا الصورة بين اللاهوت والفلسفة