23-يناير-2017

لا تزال الكتاتيب تستقطب تلاميذ المغرب من كافة الأعمار (جيمس سكايفلد/ ناشيونال جيوغرافيك)

تظل الكتاتيب القرآنية حاضرة في حياة المغاربة. ومهما اختلف الزمن ومرت السنوات، كانت هذه الكتاتيب وما زالت مكانًا لتعلم القرآن وحفظه، زيادة على تلقين اللغة العربية للناشئة. إذ يلاحظ في الآونة الأخيرة، إقبال آباء على الكتاتيب القرآنية بهدف تعلم أطفالهم القرآن الكريم، برغم من بنيتها التقليدية. ويطلق المغاربة على دور الكتاتيب القرآنية مصطلحات عديدة في عاميتهم، مثل "المسيد" أو "الكتاب" أو "لحضار".

لا تزال الكتاتيب القرآنية في المغرب لها حضور في المجتمع المغربي وتقدير من الأسرة المالكة

وكان المعلم أو "الفقيه" كما يسمونه المغاربة، سيد المكان، يدّرس قواعد وحفظ القرآن لتلاميذ من مختلف الأعمار. ويتمتع "الفقيه" بحظوة مهمة لدى المغاربة، يرتدي جلبابًا تقليديًا، وغالبًا ما يجلس القرفصاء، وأمامه تلاميذ من مختلف الأجناس والأعمار، يتناول عصا في إحدى يديه، لا يتردد أبدًا في استعمالها بين الفينة والأخرى، عصاه التي يهابها الكبير قبل الصغير، يحظى باحترام وتقدير من طرف الجميع، كيف لا وهو الذي كان يعلم أجيالًا تعاليم الكتاب المقدس عند المسلمين، خصوصًا وأن الكتاتيب لعبت أدوارًا مهمة في تاريخ المغرب، تخرج منها فقهاء وعلماء وكتاب. وكانت أيضًا مكانًا للرجال الوطنيين أو رجال المقاومة حيث واجهوا الاستعمار ببسالة، لكن بعد ظهور الروض أو "الحضانة" بشكلها العصري، لم يعد الإقبال على الكتاتيب بالوتيرة نفسها التي كانت في الماضي، ليبقى هذا الفضاء تقليديًا فقط يحيل المغاربة على ماضيهم وذكرياتهم.

أقرأ/ي أيضًا: الجامعات المغربية.. فجوة بين التعليم وسوق العمل

 لكن في السنوات الأخيرة يلاحظ الإقبال على الكتاتيب القرآنية من قبل الآباء والأمهات، خصوصًا للذين لم يتعلموا قط من "المسيد". آباء بهندام وأفكار عصرية، يعتقدون بأن الطريقة الوحيدة لتلقين أطفالهم الصغار تعاليم القرآن أو حتى اللغة العربية، هو هذا المكان المليء بالخصوصية والهوية المغربية.

 تقول سوسن بوترتة، معلمة "يوغا" و"مدونة" إنها تفكر في أخذ طفلتها الوحيدة إلى "الكتاتيب القرآنية" لسببين أولهما تعلم اللغة العربية، وثانيًا تلقين طفلتها ذات الثلاث سنوات الفهم الصحيح والسليم للقرآن، وفق حديثها مع "ألترا صوت". وتضيف مسترسلة: "لهذا أبحث عن مواصفات خاصة لكتاتيب القرآنية، ليس بشكلها التقليدي المتواجد بكثرة من حولنا، والذي تعلمت فيه أنا ووالدها، حيث "الفقيه" يعلم القرآن بطريقة كلاسيكية عبر الحفظ والضرب والصراخ أحيانًا". ولم تجد سوسن بعد مواصفات "المسيد" الذي تبحث عنه، تقول إن الأمر صعب للغاية، تتابع حديثها لـ"ألترا صوت" بحماس: لا أحبذ أسلوب التدريس الذي تعتمده الكتاتيب كما المدارس القرآنية، أبحث عن "كتّاب" يساعد طفلتي على الفهم السليم لتعاليم القرآن، وليس حفظه فقط، بهدف حمايتها مستقبلًا من التطرف والفهم الخاطئ لديننا".

هدف سوسن من "الكتاب" هو تعلم طفلتها الدين الإسلامي من مصدره، "وليس من تعلمه من التأويلات التي يمكن أن تلتقطها الطفلة من الشارع أو من المدرسة، لأنها من الممكن أن تكون غير صائبة" بحسبها دائمًا، لكن نعيمة الحوزي، لها هدف ورأي آخر حول الكتاتيب القرآنية. إذ تقول لـ"ألترا صوت" إن طفلها يدرس القرآن في إحدى الكتاتيب المتواجدة بالقرب من منزلها، فهي مقتنعة بأن قرار تعلم ابنها في "الكتّاب" كان قرارًا صحيحًا، خصوصًا وأن طفلها بدأ في حفظ بعض من سور القرآن، وهذا أمر جد مهم بالنسبة إليها.

يقصد الأهالي الكتاتيب لوضع أطفالهم فيها ليتعلموا القرآن والتجويد واللغة العربية

نعيمة التي تعمل "مصممة إعلانات"، تقول إن طفلها تغير إلى الأفضل بفضل الكتاتيب القرآنية، تتابع حديثها لـ"ألترا صوت": "في البداية، كان هدفي من "الكتّاب" هو ملء وقت فراغ طفلي ذي الخمس السنوات، لهذا كان يرتاد "الكتّاب" في كل نهاية أسبوع، لكن بعض أخذه حصصًا متكررة من القرآن، لا حظت أن طفلي أصبح هادئًا، حافظًا لبعض السور القرآنية، بالإضافة إلى اللغة العربية، وهذا أمر جميل جدًا".

على مر السنوات تحظى الكتاتيب القرآنية عناية مميزة من قبل ملوك مغاربة، يحتفون بفقهائها، ويخصصون لهم جوائز هامة، وامتد هذا الاعتناء الرسمي إلى أن خصص العاهل المغربي محمد السادس جائزة للكتاتيب القرآنية بهدف تشجيعها على القيام بدورها في تحفيظ القرآن وكذا تحفيزهم على إبداع مناهج وأدوات ووسائل تربوية جديدة وفاعلة في تلقين القرآن. يقول عبد الرحمن العلمي فقيه في أحد الكتاتيب بمدينة تطوان (شمال المغرب)، إن "مؤسسة الكتاب القرآنية فعالة في دعم العقيدة والسلوك الإسلامي للناشئة، لهذا يجب على المعلمين الدارسين للقران الكريم أن يكونوا على وعي تام وإدراك سليم باللفظ القرآني". يختلف عبد الرحمن مع أولئك الذين يعتقدون أن طريقة تعليم الكتاتيب القرآن غير فعاله، يقول: "أعتقد أن طريقة الكتاتيب القرآنية في المغرب في تعليم القرآن فعالة، فالتلميذ يحفظ القرآن بشكل سليم ولا يخلط معه أي علم آخر، وهذه الطريقة أبدت نجاحًا كبيرًا، يكفي أن نقول إن علماء أجلاء تخرجوا من "المسيد" المغربي". ويؤكد عبد الرحمن أن "المسيد" يدرس التلاميذ بالمجان، لهذا أبوابه مفتوحة أمام الأغنياء كما الفقراء. وأكد عبد الرحمن: "مهما تطورنا، فإن الكتاتيب القرآنية تظل مهمة في حياة المغاربة، فهي تمثل هويتنا وأصالتنا، ماضينا وحاضرنا، لهذا يجب على المغاربة التمسك بها، فهي ناجعة في تلقين السلوك السليم لطفل الناشيء وتربيته على الأخلاق الإسلامية السمحة". 

برغم ما تقدمه الكتاتيب من مساعدة الأطفال في حفظ القرآن، وتعلم اللغة العربية أيضًا، إلا أن رياض الأطفال بشكلها العصري تبقى منافسًا قويًا للكتاتيب القرآنية، خصوصًا وأنها تقدم دروسًا متنوعة، وتلقن أبجديات اللغات الأجنبية، على رأسها اللغة الفرنسية التي تظل عنصرًا أساسيا في إيجاد فرص عمل مهمة بالمغرب وبناء مستقبل زاهر.

اقرأ/ي أيضًا:

المغرب يمنع تسويق "البرقع".. هل حان دور النقاب؟

حلق للشعر في مدارس المغرب يثير الجدل