28-أبريل-2020

جون دبفات/ فرنسا

ها هو قادم، سيترك ما بيدهِ ويمضي، كعادته كل ليلة. لا تخافي، سنختبئ في الخلف، هُنا، لن نحترق هذه المرّة.

آه، تذكرت ما حدث، كنتُ شاردًا للحظةٍ واحدة حين وصل، رمى ما بيده، توقف، نفث دخانًا هائلًا، ثم رمى الصخرة الحمراء، تذكرتها كأنها الآن، وقَعَت على ظهري. لسعةٌ قاتلة كانت، ركضتُ كأنما مسّني جن، رأسي ارتطم بشيء ما، ولا أذكر شيئًا بعدها.

أنظري إليها، بقعة سوداء دائمة، صرتُ أتوجس من كلَّ شيء أحمر.

لا تقرُطي هذه القطعة، جرّبتها في صغري، كسّرت أسناني، حافتّها الحادة ستجرح لثّتك، وسيعلمون أننا نُقيمُ هنا. تعالي معي، سأدلك على طريق سريع للطوارئ، كلّما أحسست بحركة غريبة، أسلكيها.

يمينًا اذهبي، ثم يمينًا آخر، عشرين قفزة، ستجدي كومة أوراق على زاوية الحائط، بيدك أزيحي بعضها ثمَّ ادخلي، هناك أخبئ مونة الشتاء، وأختبئ حين يأتي هؤلاء.

لهم مواعيدهم الثابتة، سأشرح لكِ جدولهم؛ الذي يرتدي طاقية خضراء موعده أولُّ الضوء، يأتي إلى هُنا ليدق الباب، مسالمٌ بطبعه، لا أذكر أنه آذى أحدًا في الماضي سوى حادثة واحدة كان يحاول أن يَهُشَّ نحلة عن وجههِ فصار يركل كل شيء حوله، طار ذلك الأسود الدائري وغطّى بابَ داري ليومين. عشت بالعتمة ليومين تخيلي.

بعدَ الضوء بقليل، أعني حين تشعري به خيطًا دافئًا على جسدك، تأتي العجوز التي تسكن داخل هذا الباب، إحذري منها، إن رأتك ستلاحقك، قتلت أخي قبل مدّة، اللعنة عليها، فجأة فتحت الباب وفي يدها شيء كبير، لم أره طوال حياتي، صارت تلاحقه إلى أن حشرته في تلك الزاوية، ضربةٌ واحدة، لا زلتُ أسمع صوته يئن، كان تصرخ بشدة، يا الله كم أود الانتقام منها، بعد أن مات أخي، صرتُ أتحين الفرصة لأدخل إلى بابها وأقضم كل شيء تملكه.

حينَ تشعرين بالحرارة على الأرض، ستسمعين همهمة غريبة، لا عليك، هذا كلبٌ لطيف، يأتي كل يوم ليشمَّ أثرنا من الليلةِ السابقة، لكن إياكِ أن تستهيني بسرعته، فمرّةً لاحقني وكدتُ أفقد توازني في طريقي إلى باب الطوارئ، لن يؤذينا، أنا أعلم ذلك، لكنه لا يعلم أنه سيقتلنا بلعبه معنا.

أمّا حين يصبحُ الضوء في عينيكِ مباشرةً، فلا أنصحك أبدًا بالوقوفِ خارجًا، أعلم أنه الحر، لكن أرجوكِ تحملي هذه الساعة التي يقتتلون فيها ويقاتلون كل شيء، كأن الحرارة التي تُصيبنا، تجعلهم ممسوسين، يركضون ويصرخون ويضربون كلَّ شي من حولهم، أرجوكِ، لا تخرجي.

حينَ يحلُّ الأسود على الأرض، تلك ساعة الأمان، أخرجي كما شئتِ، لكن، سأحذرك من الآن، إن سمعت أحدًا يقترب فاهربي، لأنهم، وكما تعلمت بعد سنينَ طويلة، لا يدرون ما يفعلون. تخيلي، في يومٍ ما، سمعتُ صوتًا خارجَ بابي، باب الطوارئ الذي ذكرته لكِ، خرجتُ لأستطلع الأمر، فإذا به نائمٌ على الأرض وبيدهِ شيءٌ ما، باردٌ كان، تذوقته، كانَ لذيذًا، هذا ما أذكره، صحوتُ في اليوم التالي وأنا نائمٌ قربه، لا تسألني ما الذي حدث، فقط هذه هي القصة.

إذا ما اكتمل السواد، راقبي من يأتي، إن كان ذو الطاقية الخضراء، فإلحقي به، ستجدين طعامًا كثيرًا، لا أدري ما يفعلون بكل هذا الطعام، منه أسستُ مخزني، وإن كان غيره، فلا أعلم ماذا سيفعل.

*

 

هذا شرحٌ بسيطٌ لحياتنا هُنا، أعلم أنها صعبة، فنحنُ أبسطُ من كل هذه التفاصيل، لكنهم لا يستطيعون فَهمنا، أو على الأقل، تقديرنا لما يقومون به علينا من تجارب في المختبرات، كي يعيشوا طويلًا، هؤلاء، بني البشر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

وجوه غيرّ الموت ملامحها

الهروب مِن الغرفة

دلالات: