14-مايو-2023
 الشاعر والكاتب القطري علي المسعودي

الشاعر والكاتب القطري علي المسعودي

يكشف الشاعر والكاتب القطري علي المسعودي عن مدى التأثير البالغ للنقد الذي يمارسه بقسوة على نفسه، ما أدى لتجاوز الحالة النقدية لديه إلى أبعد من الشعر والأدب، وصولًا لمراجعة نقدية معمقة لأفكاره ومسار حياته كاملًا.

ألف المسعودي تسعة عشر كتابًا مطبوعًا، خمسة منها في مجال النقد، آخرها كان عام 2022 تحت عنوان "الأدبيات في شعر المؤسس الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني". فيما تتنوع البقية منها ما بين القصة والدراسات البحثية وأدب الأطفال.

يشغل المسعودي في الوقت الحالي منصب مدير "دار سعاد الصباح للثقافة والإبداع"، ويعمل كذلك مستشارًا لـ "مركز قطر للشعر - ديوان العرب"، التابع لوزارة الثقافة القطرية، إضافة لكونه المشرف العام لجوائز الشيخة سعاد الصباح للإبداع الأدبي في الكويت.  


  • أنت كاتب وناقد وشاعر وإعلامي، في أي من هذه الفنون الأدبية تجد نفسك أكثر، ولماذا؟

ما زلت أبحث عن نفسي المتشظية في كل فن.. شعريًا أعرف مستواي. هناك من يكتب ليقف في صفوف الشعر الأولى. لكنني لست أكتبه لهذا الغرض. الشعر جزء من تكويني، من نسيجي الإنساني، يؤثر في مزاجي وقناعاتي. شيء مختلط بلحمي وحلمي، أكتب الشعر لأنني أريد أن أكتب الشعر.. فقط لا غير.

لا أطمح أن أكون رقمًا صعبًا أو نجم شبّاك، لقب "شاعر" لا يطربني.. بل يزعجني.

أما القصة القصيرة فشهد لي عدد من كبار الأدباء والنقاد العرب أنني من المميزين في حبكتها، ورغم علمي بأفول هذا الفن الجميل وانزوائه إعلاميًا وثقافيًا إلَّا أنني متمسك بانتمائي له.. أحب "القصة" ولم أستطع تجاوز حبي لها.

علي المسعودي: من حق الشاعر أن يكتب رواية، ولا أحد يستطيع منع الروائي من النقد، ولا مانع أن يرسم الناقد لوحة تشكيلية

وأؤمن أن الفنون كلها ملك للمبدع، وأحذّر من الوقوع في فخ التصنيف، من حق الشاعر أن يكتب رواية، ولا أحد يستطيع منع الروائي من النقد، ولا مانع أن يرسم الناقد لوحة تشكيلية، فهذه معطيات إنسانية لا يحتكرها أحد.. بشرط أن تتوفر أدوات الإبداع في كل فن.

  • حدثنا عن البدايات، وكيف تبلورت شخصيتك الأدبية، وما هي أبرز قراءتك الأولى؟

بدايات جافة في بيئة يابسة، جرداء.. لا كتاب، لا مكتبة، لا نقاش ثقافي.. فقد أم وغياب أب. لم تكن هناك أي بوادر إنتاج كاتب أو عامل في الحقل الإعلامي، لولا فضيلة الرعد الذي قد يتسبب في إخراج نبات الكمأ البري المفاجئ.. وإن كان بلا جذور!

لم تكن لي نافذة سوى المدرسة بمنهجها المتواضع، ومكتبة المدرسة بشروط أمينها القاسية.

ثم مكتبة المنطقة العامة كنافذة دافئة رغم جهلي بكيفية التعامل معها وما يجب أن أقرأ، إلى أن جاء العمل الصحفي المبكّر ليفتح لي أفق المعرفة الاجتماعية والاحتكاك برواد الكلمة. وفّر لي العمل في الصحافة اليومية محاورات مبكرة مع يحيى حقي وعبد الله البردوني وأحمد مطر وسعاد الصباح وليلى العثمان وغازي القصيبي وبدر بن عبد المحسن وفاروق جويدة وحسن طلب وقاسم حداد وأدونيس.. احتكاكًا يوميًا بمفكرين وأساتذة وشعراء، لم يكن يتخيل ذلك الطائر القادم من مدن الجفاف أن يجد نفسه في هذا الربيع.

لكن ركام المعلومات الناتج من هذا الاحتكاك لم يشكل وعيًا فكريًا مُنظّمًا، بقدر ما أعطى متعة ثقافية لا تحدد لك الوجهة ولا تستطيع من خلالها تكوين وجهة نظر خاصة تجاه: العالم، الفكر، الحياة، السياسة، المجتمع.. للمساهمة في فعل التغيير.  

ثم كانت دراسة دار القرآن، لتشكّل النقطة الفاصلة التي كوّنتني بشكل حقيقي.

  • كيف استطعت الجمع ما بين ثنائية النقد والشعر؟ وأيهما يلقي بظلاله أكثر على شخصيتك؟ 

الشعر والنقد جناحان لهذا الطائر النادر الفريد المولود في صحراء العرب..

منذ الصرخة المُضريّة الأولى: "وايداه وايداه".. استلّ العربي قلم الكتابة بيد، ومبضع النقد باليد الأخرى، فكانت تلك المقابسات المدهشة التي تزينت بها مجالس الخلفاء.

  • ماذا يعني لك الشعر؟ وما الذي يفتح باب القصيدة لديك؟

الشعر جزء من حياتي، مرتبط بمزاجي، أحبّ بالشعر، وأشكر الناس بالشعر، إذا حزنت أبحث عن قصيدة، وإذا اشتقت أهرب إلى القصيدة، وإذا شعرت بالخذلان أصرخ بالمتنبي: "أنجدني بشعورك يا أبا مُحسّد".

علي المسعودي: كنت أتمنى أن تسير حياتي بشكل هادئ خال من المنعطفات والمباغتات والعواصف المخادعة، التي لا يسبقها أي إنذار يسمح لي أن أرفع شراع سفينتي لفعل مواجهه وفق الإمكانيات

 الشعر من نعم الله علي، ملجئي الآمن في كل الظروف الذي يقبل بشروطي ولا يملي عليّ شروطه.

  • مررت بأكثر من منعطف في حياتك، تغيرت كثيرًا، وأصبحت تراجع توجهاتك بشكل نقدي قاس أحيانًا، لماذا؟

كنت أتمنى أن تسير حياتي بشكل هادئ خال من المنعطفات والمباغتات والعواصف المخادعة، التي لا يسبقها أي إنذار يسمح لي أن أرفع شراع سفينتي لفعل مواجهة وفق الإمكانيات. لكن قدري كان فيه الكثير من صعود الجبال والوقوع في الحفر، ولن أدّعي أن هذه الظروف جعلت مني رجلًا صلبًا متماسكًا، بل تركت في روحي الكثير من الجروح والكلوم.. ومحسوبك مواطن عربي يقف على الحدود.. ضحية من ضحايا اتفاقية "سايكس بيكو".

  • وهل كان كتابك "مذكرات طالب حلم" هو أول انعطافة علنية في مراجعة الذات؟ 

لم يكن انعطافة، كان استشفاء ذاتيًا لجانب من جوانب أثقال الحياة.. زيارة لمعالج نفسي قلت له كل شيء، تمددت على السرير، وحكيت عن تلك الرحلة المؤلمة مع التعليم. عندما وُضعت أمامي حواجز دخول المدرسة الابتدائية وعبرتها، ثم وُضعت أمامي حواجز دخول الجامعة وعبرتها.  ثم وضعت أمامي حواجز عبور الماجستير فتعثرت بها وسقطت.

كان العلم هو الحلم الذي أرادوه أن يكون أضغاث أحلام.

  • ألا ترى أن مقصل النقد أثر كثيرًا على شخصية الأديب والشاعر المبدع والمنفتح لديك؟

صحيح فعل ذلك في البدايات قيّد استمتاعي، أصبحت أقرأ النص الإبداعي وبيدي مشرط النقد، مثل صديقك الطبيب الذي يحدّثك أثناء جلوسك إلى مائدة الطعام عن مضار الأكل ويملي عليك وصفة تجنّب بعض الأطباق لأنها مضرَة بالصحة، ثم يتصفح وجهك وينصحك بشرب السوائل والفيتامينات لأن لون بشرتك فيه اصفرارًا، كذلك النقد أيضًا قيَد حريتي في الكتابة.

لكنني عندما توغلت في عمقه وجدته يفتح لي آفاقًا أرحب في المعنى، ففي حين ترى المستمعين يستمتعون بوقوفهم على شاطئ الكلمة، تغوص أنت في لجة البحر لتقف على حياة أخرى أعمق، وكان دليلي الأول في رحلة الغوص عمدة ابن رشيق القيرواني.

  • ما الذي أردت إيصاله للقارئ من خلال كتابك "ديوان العرب"؟ 

العنوان يحكي محتوى الكتاب والرسالة التي يريد تأكيدها أن المنطقة العربية لا يمكن قراءتها بأي شكل من الأشكال بعيدًا عن الشعر؛ تاريخها مكتوب بالشعر، دينها يؤرّخه الشعر، عشقها مكتوب بالشعر، حروبها مُسطّرة بالشعر.

الكتاب يقول باختصار، الشعر ديوان العرب، والعرب روح الشعر.

  • كيف أثرت بك شخصية الشاعرة والأديبة الكويتية الدكتورة سعاد الصباح؟ وماذا تعني لك هذه القامة الأدبية؟

أحتاج أن أقول كل مشاعري عن سعاد الصباح في مكان لا تقرأه سعاد الصباح ولا ينقله إليها أحد، أريد أن أقول كم أحبها وكم أنا ممتن لها ولا تتحول كلماتي إلى رسالة تصل إليها عبر الواتساب.

ولا أجد ذلك إلا في دعوة سجود تذهب إلى السماء قبل أن يسمعها أحد من أهل الأرض.

علي المسعودي: إنني مخلوق تشكّل على يديّ سعاد الصباح، وأصبح صوتها جزءًا من كياني، استلهم من حياتها حياتي

 

إنني مخلوق تشكّل على يديّ سعاد الصباح، وأصبح صوتها جزءًا من كياني، استلهم من حياتها حياتي، أعرف غضبها الذي يشبه غضب الورد، وأفهم إشارة عينيها، ومعنى التفاتتها وسبب حزنها الطويل.

وسعاد الصباح في الجانب العام ليست شاعرة أو كاتبة فحسب، بل مؤسسة ثقافية متكاملة، لا تكل ولا تمل من العطاء الثقافي، دار نشر عريقة لم يفتر نشاطها، جوائز عربية في مجالات الشعر والقصة والرواية والبحوث والعلوم والفنون، جوائز أوروبية على مستوى الباحثين الأجانب في شؤون الشرق الأوسط، دعم لطلاب الماجستير والدكتوراه، تكريم للمبدعين الرواد، وأنشطة أخرى كثيرة يصعب حصرها في هذا اللقاء.

لو سمعتها لا أشكّ أنك ستسأل: هل هذه امرأة أم هي وزارة ثقافة؟

حتى أنني والله أشفق عليها مما تنفق من أموال طائلة وجهد تسكب فيه ماء عينيها فوق الورق عطاءً وإنتاجًا ومبادرات، ثم نقرأ تغريدة من اسم مجهول ينال من هذه المنارة العربية التي تستحق من وطنها وسامًا رفيعًا يليق بمكانتها.

  • كان المشهد الثقافي في الكويت ستينيات وسبعينيات القرن الماضي زاخرًا بالعطاء ليس على مستوى الخليج العربي فقط بل على مستوى العالم العربي أجمع، برأيك ما هي أسباب هذا التراجع؟ وبشكل عام ما هي أبرز التحديات التي تواجه الحقل الثقافي في الكويت؟

لا أستطيع الموافقة على فكرة تراجع النشاط الثقافي لولا وجهة نظر شكّلتها حقيقة تراجع التنمية في الكويت، المُنجز الثقافي ما زال متطورًا في الكويت، وإن لم يكن العمل الرسمي بمستوى النشاط الفردي من قبل المثقفين.

أما ما فقدته الكويت فهو الوجود الثقافي العربي الذي كان يعطيها بعدًا أرحب منذ الخمسينيات حتى أواخر الثمانينيات عندما كانت الكويت مستقرًا للطيور العربية المهاجرة من فلسطين خصوصًا، وبلاد الشام عمومًا، ومن العراق ومصر، كما أن قواعد اللعبة الاعلامية تغيرت ففقدت الكويت التصدر الذي كانت تتمتع به في هذا الجانب، لكن النشاط الثقافي الشبابي في الكويت؛ أظن أن لا نظير له لدى دول المنطقة من حيث الإنتاج المحموم والسبق في الأفكار وحصد الجوائز، فما تزال الكويت بيئة خصبة لإنتاج الإبداع والمبدعين.

  • ما وجهة نظرك بواقع المهرجانات الشعرية في الخليج العربي، البعض انتقدها واعتبرها ظاهرة عابرة، خاصة أنها أصبحت شائعة وكثيرة، في حين أن قسمًا من صُناع الثقافة يرونها حالة صحية إيجابية وتخلق حراكًا جيدًا في المشهد الثقافي الخليجي خاصة، والعربي عامة؟ 

الخليج اليوم هو سيد المهرجانات الشعرية خصوصًا، والثقافية عمومًا، فكرةً وتمويلًا وترويجًا، ومن بين دول الخليج أخص بالذكر قطر والإمارات، فهما مركز الضخ الثقافي، والإمارات تتقن اللعبة الإعلامية في ترويج أنشطتها.

علي المسعودي: قطر قدمت العديد من المبادرات الثقافية غير مسبوقة، مثل معجم الدوحة، شاعر الرسول، جوائز الرواية.. وغيرها

قطر قدمت مبادرات ثقافية غير مسبوقة، مثل معجم الدوحة، شاعر الرسول، جوائز الرواية، مسابقات الشعر الفصيح والشعبي على مدار العام، نشاط وزارة الأوقاف في إنتاج كتب التراث، جائزة الشيخ حمد للترجمة، ونشاط مركز ابن خلدون الذي ليس له نظير في المنطقة.

والدور الكبير الذي تلعبه وزارة الثقافة بقيادة شاب مثقف هو سعادة الشيخ عبد الرحمن بن حمد آل ثاني.


 تلويحة سلام.. للأقصى..

 

إنّي إذا أنكرتني أتجذّرُ

            وإذا سحبتَ بطاقتي أتحرّرُ

النازحون إلى الجزيرةِ أيمنوا

        والهاربون من المشارق أبحروا

عبروا الجراحَ فأنجدوا أو أحجزوا

            ماءُ الوفاء بأرضهم يتحدّرُ

الدار داري سقفها وعمودها

          والأهل أهلي والهوى متشجّرُ

كفُّ الضعيفِ مكبلٌ بخنوعه

         من لطمةٍ شرّ الملوكِ تنصّروا

القدس رمز لا يباع ويشترى

            والله أكبر واليهود الأصغر

زيتون غزة موقدًا مشكاته

            صبحُ اليقين مسبحٌ ومكبر

وجه الخليل كما رآه محمدٌ

            يهدي السلام لأمةِ تتصدرُ

لله أوسٌ آخرون وخزرجٌ

           توفي العهودَ مع النّيّ وتثأر

فاجعل سجونك مذبحًا او مسلخًا

           نحنُ البقاءُ وأنت أنت الأبترُ