28-نوفمبر-2018

الصحفية المصرية رشا الديب (الحب ثقافة)

نموذج لامرأة شابة، معنية بهموم المرأة في مصر والعالم العربي عمومًا. إنها رشا الديب المتخصصة في إنتاج البودكاست، ولها أكثر من 40 تدوينة صوتية، وهي مديرة سابقة لراديو حريتنا وراديو تريندز، إلى جانب عملها منتجةً للوثائقيات لدى منصة "الحب ثقافة". وهي الآن تعمل في شبكة ARD الألمانية.

رشا الديب: مجتمعاتنا ربت فينا الخوف، فكل ما خطر لدينا فكرة أو حلم، نفكر مباشرة في "الخازوق"

كتبت رشا الديب قصتها في "كلكن بطلات"، وهي حكاية في البحث عن الذات ومطاردة الشغف والكفاح من أجل صعود درجات الحياة من أولها. وهي قصة تشبه قصص كثيرات من الساعيات نحو الحياة والغارقات في تفاصيلها. "ألترا صوت" أجرى هذه المقابلة مع رشا الديب عنها وعن المرأة من حكاياتها ومشوارها المهني الثري.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا تعرف عن سوء المعاملة العاطفية؟.. وحشُ العنف الخفيّ ضد المرأة

  • قلتِ في مقالك عن قصتك إن "البطلات هُن من يسقطن"، فلماذا تعتقدين أن مجتمعاتنا ربت فينا الخوف من السقوط؟

مجتمعاتنا ربت فينا الخوف من كل شيء بشكل عام: الخوف من المجهول ومن العقاب ومن حدوث شيء سيئ فجأة. ومشكلة الخوف ليست في الخوف بحد ذاته، ولكن مشكلة الخوف أنه يتسبب في خلق نمط من التفكير المُعوِّق.

ما يحدث أنه كل ما خطرت لدينا فكرة أو حلم، نفكر مباشرة في "الخازوق"، وهو نمط يجعلنا غير قادرين على الاستمرار فقط، بل خائفون من الاستمرار، لأننا نفكر متى ستوقفنا الحياة.

  • كانت والدتك تقول لكِ دومًا: "تخيلي نفسك مكان البطلة، فماذا كنت ستفعلين؟". هل الوقوف مكان البطلات أمر سهل؟

الوقوف مكان البطلات ليس أمرًا سهلًا، لكنه يتطلب وعيًا وجلدًا، ويتطلب أن تدركي من الأساس أنك بطلة حكايتكِ، وأن لا أحد آخر سيتولى الوقوف مكانكِ لحل المشكلة التي تواجه البطلة في هذه اللحظة.

رشا الديب
رشا الديب: "إذا لم تواصل البطلة مسيرتها، فلا توجد حكاية!"
  • ومن هن البطلات في رأيك؟

ببساطة البطلات هن من يواصلن. تخيلي أن هناك قصة معروضة في الأسواق، وبطلة القصة قررت أن تتخلى عما تريد، وتتوقف، ثم تبدأ في رثاء حالها، هل تودين قراءة هذه القصة من الأساس؟! 

إذا لم تواصل البطلة، فلا توجد حكاية، لذا لكي نواصل قراءة قصتك عليكِ أن تواصلي بالأساس السير، وأحيانًا الزحف، نحو ما تريدين. المهم أن تواصلي وأنت مؤمنة بأن الخوف دائمًا سيرافقك على الطريق، كمرافق سمج وثقيل الظل، ولكن عليك أن تتعلمي كيف تتعاملين مع سماجته، وألا تجامليه بالضحك على نكاته ثقيلة الظل.

  • العمل على ملفات شديدة الوطأة على النفس مثل العنف ضد المرأة والتحرش، وغيرها، يترك أثرًا نفسيًا من الصعب تجاوزه. هل حدث ذلك معك؟

في البداية كانت القصص تؤلمني، ولكن مع الوقت دربت نفسي أن أتعلم من كل حكاية أقوم بتوثيقها. بعض الحكايات تكون بالنسبة لي درسًا والبعض عِبرة والبعض نموذجًا أتعلم منه ويشد من أزري.

أكثر أثر نفسي تركته هذه الحكايات، هو أن الخوف محرك أساسي لدى أغلب الناس، ولذا أصبحتُ أكثر ذكاءً ووعيًا في التعامل مع مخاوفي.

  • وفي نفس الوقت، هل منحتك قصص أخرى أملًا في الاستمرار أكثر من غيرها؟

القصص تمنح الأمل عندما يشارك الآخرون مشاعرهم في لحظاتهم الصعبة، وما جعلهم يستمرون عندما كان كل شيء يدعو للتوقف. على سبيل المثال، أذكر هذه السيدة التي اًصيبت بسرطان الدم، وعندما بدأت حالاتها بالتدهور، وأخبرها الأطباء أنها ستفقد بصرها قريبًا، وكان من المفترض عقد قران ابنتها؛ فقررت أن تُعجّل بالفرح، وأخبرتني أنها كانت تريد نهاية سعيدة، فهي تكره النهايات الحزينة  كالتي في الأفلام. 

أخبرتني هذه السيدة أيضًا أننا نردد دائمًا أن الحياة يجب أن تستمر، ولكننا لا نُعدّ أنفسنا للاستمرار معها، وهي أرادت من خلال تصرفها بهذا الشكل، أن تجعل ابنتها تتذكرها كامرأة شجاعة. 

لقد روت لي ذلك بعد أن فقدت بصرها، وكانت تتكلم وهي راضية بصورة لم أستطع استيعابها في تلك اللحظات. ولكن الآن أرى أنها كانت بطلة لقصتها عن جدارة، وحصلت على نهايتها السعيدة من وجهة نظرها، وهذا هو المهم، أي كيف نرى نحن حكايتنا.

هناك أيضًا الأسطى نوسة، من صعيد مصر، وهي تعمل في الدهانات. أعد عنها قصة لم تنشر بعد. وهي من السيدات التي انتهيتُ من التسجيل معها وأنا مؤمنة أنني أستطيع أن أكون أي شيء أريده. إنها من وجهة نظري نموذج عملي وشجاع وذكي إلى أبعد حد، لامرأة لا تتوقف عن الاستمرار والمواصلة مهما حدث. فهي دائمًا تتكلم بمنطق أن كل شيء ممكن برغم كل شيء.

  • هل تذكرين حكايات غريبة صادفتك؟ مفارقات مضحكة مبكية؟

أغرب حكاية من وجهة نظري، عندما كنت أقوم بالتسجيل مع إحدى النساء الشابات، وفي نفس الوقت كنت على وشك أن أعلن خطبتي، وفي تلك الأثناء كنت مترددة، فوضعت أسئلتي لنفسي ضمن أسئلتي الصحفية، وكان من ضمن الأسئلة: كيف تفرقين بين الرجل الطيب والرجل الضعيف؟

رشا الديب
رشا الديب مع بطلة إحدى قصصها

عندها فوجئت بالفتاة ترد بسرعة قائلة: "أنا تزوجت زوجي الذي يضربني الآن بقسوة، معتقدة أنه طيب، ولكن بمرور الوقت تعلمت أن أفرق بين الرجل الضعيف والرجل الطيب؛ الرجل الضعيف ينتظر الفرصة حتى يصبح لديه ما يمارس به تسلطه، لأنه جبان في داخله، وهو رجل غير واثق من نفسه، ولا يفهم ولا يتفهم، إنما يأمر فقط، وفي نهاية الأمر لا يملك إلا التنظير بالكلام بدون فعل، ولا يملك إلا مبرراته تحت اسم الدين، بينما الرجل الطيب هو رجل راضِ عن نفسه واثق منها ويعلم معنى أن يتصرف بتفهم وليس باللغة الآمرة".

أما القصة الأغرب فهي أن زوجة كانت تتعرض لعنف شديد، وفي إحدى الأيام تعرض لها زوجها بالضرب الشديد، وهي تحكي لي أن آخر ما تتذكره أنها قالت له "حسبي الله ونعم الوكيل في إيدك"، قبل أن يغشى عليها. وفي اليوم التالي تعرض لحادث سيارة تسبب في تضرر يده. وبعد أن تعافى، وخرج من المشفى، تشاجر معها وهو يقول: "أنتي السبب، لأنك حسبنتي علي يدي"!

  • حكايات الناس والعمل معهم وبينهم، تترك بصمات في النفس. كيف شكلتك حكايات الناس؟ وماذا غيرت فيكِ؟

الحكايات تمدنا بالجلَد اللازم لمواصلة الطريق، وكأننا نعيش حيوات أخرى موازية لحياتنا، فأنا على سبيل المثال جعلتني قوية بدون أن أشعر، فبعد فترة من التوثيق والاستماع، استيقظت لأدرك أنني أصبحت شخصًا أكثر وعيًا.

رشا الديب: الحكايات تمدنا بالجلَد اللازمة لمواصلة الطريق، وكأننا نعيش حيوات أخرى موازية لحياتنا

وكأن الحكايات أعادت تشكيلي ببطء، مثلما تتشكل الشُعب المرجانية، التي تبدو من الخارج هشّة وجميلة، بينما هي في جوهرها كفيلة بتحطيم أعتى السفن لو ارتطمت بها. هكذا تشكلنا الحكايات إذا استمعنا إليها بإدراك واعٍ.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

زهور المصري.. طموحٌ على هيئة امرأة لاجئة

جميلة جميل: لن أصمت ليرضى المجتمع الذكوري