18-سبتمبر-2019

الشاعر اليمني زين العابدين الضبيبي (فيسبوك)

زين العابدين الضبيبي، هو شاعر يمني شاب، من مواليد عام 1989. تخرج في قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة صنعاء. صدر له ثلاثة دواوين، أحدها بالعامية، واثنان بالفصيحة هما: "قطرة في مخيلة البحر" و"توقٌ إلى شجر بعيد".

الضبيبي: المجتمع الذي يحارب الرأي، واقعٌ في وحل الخرافة ومؤمن بقدرة المشعوذين أكثر من إيمانه بقدرة العقل والعلم على تخليصه

تغنى بقصائده عدد من الفنانين اليمنيين. وكان قد حصل على جائزة في القصيدة الغنائية، كما حصل على عدد من الجوائز على مجمل أعماله الشعرية، أهمها جائزة رئيس الجمهورية لعام 2013.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| الروائي اليمني عمار باطويل: تحديت السخرية بالوقوف على حافة ثلجية!

فيما يلي، حوار خصه الشاعر اليمني لـ"الترا صوت"، للحديث عن قصائده، وواقع الشعر والشعراء في البلاد.


  • ولدتَ في محافظة ريمة، وهي منطقة يعود تاريخها للقرن الثالث قبل الميلاد، وتعرف بحالة من التناقض في طبيعتها بين وعورة جبالها وخضرة تلالها. كيف كان تأثير تلك البيئة على نشأة وبدايات الشاعر زين العابدين الضبيبي؟

لقد استطاع سؤالك هذا أن يعيدني إلى الشهقة الأولى في مسيرة البوح. الشهقة التي بقيت يتيمة وماتت بسخرية الجهل من المحيطين، حتى تمكن الخيال من تفتيق أجنحته مرة أخرى بعد سنوات.

أعني بذلك أول قصيدة، أو بالأحرى أول محاولة كتبتها في حياتي بالاشتراك مع أحد أبناء عمومتي، وقد كانت عن ريمة، وكنا في الصف الخامس الابتدائي. تلك البداية أذكرها، لكنني لا أستطيع أن أتذكر ولو كلمة منها. حملتها في وجداني وحملت معها ريمة التي فارقتها بعدها بعام للعاصمة.

أعمال زين العابدين الضبيبي

حملتُ ريمة قصيدةً وارفة الخضرة وعرة الشجون لأنها بنت الينابيع التي انحدرت منها ومن شجونها ومعاناة أهلها واغترابهم. وها هي اليوم تهزمني بالحنين إليها، أعني ريمة والقصيدة، وأصعد جبالها العامرة بالحروف والكلمات حين تضيق عبارة الواقع المر الذي يحيط بنا.

  • دائمًا ما تصرح بأنك تأثرت وماتزال بالشعراء: عبد العزيز المقالح، وبيرم التونسي وأحمد فؤاد نجم، ألا ترى أن كل شخصية ذكرتها تمثل حالة مختلفة عن الأخرى؟

كل هولاء وغيرهم، ليس ابتداءً بأحمد المعرسي وجدي، وشغفه بالشعر والذي كان له أثر كبير في حياتي، ولا انتهاءً بما أقرأ الآن لزملائي أو لدانتي، وجوزيف حرب، ورسول حمزاتوف؛ بمعنى هناك تأثير شخصي بحكم القرب كالمقالح، وهناك أثر إبداعي لأي شاعر أو نص حقيقي يبقى في الروح، ومن كل ذلك أتكوّن، ولا أقف على عتبة واحدة أو صورة واحدة ما استطعت، لكنني أحلم أن أكون أنا في كل العتبات والصور.

  • يصف نقاد شعرك بأن فيه نبرة تحد وفيه تنبؤ أيضًا. هل ترى ذلك ينطبق على شعرك فعلًا؟

لا أستطيع نفي أو إثبات ما قيل عني. غير أنني أتمنى ألا يسبقني عصري، وأن يبقى حدسي وما أكتبه بوصلة صادقة تشير إلى المستقبل، وأن أستطيع رسم صورة للواقع بمقدورها الحفاظ على ديمومتها في وجدان القارئ الذي لم يعش معنا هذا العصر، وأن تترك في نفسه ذات التأثير الذي قد تتركه في نفس من يقرأها اليوم.

  • "قطرةٌ في مخيلة البحر" هو أول ديوان لك، وحصلت بموجبه على جائزة رئيس الجمهورية لعام 2013، وقبلها كنت قد حصلت على عدة جوائز، كيف كان تأثير الجوائز عليك في رحلتك الفتية؟

أذكر أيضًا أن ديواني الثاني فاز بجائزة المقالح للإبداع الأدبي، وأتمنى للديوان الثالث الذي أعكف على مراجعته الآن أن يكون محظوظًا مثل سابقيه، وهذا ليس طمعًا لكنه طبيعة النفس البشرية، وجزء أصيل في شخصية المبدع في رأيي.

الجوائز هي نوع من التقدير، واليد التي تدفع المبدع الأصيل إلى الأمام، مثلها مثل الشهرة التي تأتي بحدث أو موقف ما، وقد تستغل وتستثمر وتكون خطوة تليها خطوات في سلّم الحياة، أو قد تحولك إلى صورة في إطار سرعان ما يكسوها الغبار كما حدث للكثير من الأسماء.

  • كيف تصف تجربتك في الشعر الغنائي؟ وما هي أبرز القصائد التي تغنى بها فنانون يمنيون؟

لا أعتبر نفسي شاعرًا غنائيًا، وإنما هي محاولات بسيطة في هذا الجانب، لأن القصيدة الغنائية شفافة وصعبة الانقياد وتحتاج الكثير من الهدوء والإبحار في دواخل النفس، وأنا إنسان قلق بطبيعتي، لذا كل ما كتبته في هذا المجال قليل جدًا، منها ما كتب لها الغناء، ومنها ما فشل.

بعض القصائد غناها الفنانون محمد الوديع ونجيب سعيد ثابت وشرف القاعدي وحسين محب. وهناك أعمال قادمة قريبًا.

  • في ديوانك الثاني "توق إلى شجر البعيد" وفي القصيدة التي تحمل هذا الاسم تحديدًا، لماذا تعمدت تصوير المقارنة الرمزية بين الماضي والحاضر؟

نص "توق إلى شجر البعيد" هو محاولة لربط الحياة والحركة الإنسانية من خلال المحطات المهمة فيها، كما أتصورها وكما أتصور سعي الإنسان فيها وتوقه الدائم للخلاص من قيود الواقع واشتراطاته وأفكاره التي تتغير مع ولادة كل جيل.

ومنذ بحث الإنسان عن عشبة الخلود، حتى لحظة كتابة النص، وما كنا نعانيه في تلك الفترة من حالة الطفح الوجودي والمأساوي، استنفدت صبرنا، لكننا مع ذلك عشنا الأسوء، وكأن الصبر هو فينيق الخليقة الذي يتجدد، لا الأسطورة المزعومة.

زين العابدين الضبيبي

لكنه حين يموت، يأخذ معه كل الذين كدروا صفو الحياة وقادوه إلى النهاية، وتلك سنة الحياة. ومن خلال تلك المقارنة رسمت صورة تقريبية لرغبة الإنسان الصادقة لهزيمة الحياة، وسخريته في النهاية منها، فهي مثله وهي انعكاس له .

  • برأيك هل ما تزال الخرافات تسيطر على عقلية المثقف اليمني؟

ومن يسيطر على عقل المجتمع العربي عمومًا غيرها، وهو لا يزال يفجر نفسه طمعًا بالجنة، ويلوم نفسه إذا ضحك، ويلاحق مفكريه ومبدعيه؟! 

الدولة والمجتمع الذي يضيق برأي ويحاربه، واقع حتى أذنيه في وحل الخرافة، ومؤمن بقدرة المشعوذين أكثر من إيمانه بمخرجات البحث العلمي ومقدرة العقل والعلم على تخليصه مما يعانيه.

ولك أن تذهب إلى عيادة طبيب مختص، ثم لطبيب أعشاب أو مشعوذ، وستعرف الفرق من خلال الطوابير عليهما.

على كل أعتقد أن ما نعيشه اليوم سبقنا إليه الغرب، وأظننا قد بلغنا الذروة، وأصبحت عقولنا تتفتح -ولو في الحدود الدنيا- على ما ينبغي أن نكون عليه في المستقبل، فقد عاشت هذه الأمة الكثير من عصور الظلام، ولابد لليلها أن ينجلي ويستجيب له القدر أو تصنعه عزائم الرجال.

  • قلت ذات مرة إنك تكتب القصائد بمقابل مادي بسبب الظروف الاقتصادية السيئة التي تعانيها أنت ومعظم شعراء ومثقفي البلد!

أقول بكل صراحة: في زمن كهذا، على الشاعر أن ينزل من برجه العاجي وأن يعيش ويوفر العيش الكريم لأطفاله بالشعر أو بسواه.

نحن في عاصمة وزير ثقافتها لاعلاقة له بالثقافة ولا بالشعر، وصحفها مغلقة، واتحاد أدبائها تعج مقراته بالفئران!

في اعتقادي أن الشعر رسالة و موهبة، وهو أيضًا مهنة إذا لزم الأمر، وإذا عدم الشاعر الوسيلة. ولا يعيب على الشاعر إلا أن يظل عالة على المجتمع، عاجزًا عن توفير الحياة الكريمة.

  • الشعراء: أحمد بخيت ومحمد عبد الباري ويحيى الحمادي، هل تعتبر نفسك نظيرًا لهم وهم نظراؤك في الشعر؟ 

في الشعر لا يوجد نظائر، بل تجارب. ومن ذكرتهم تجارب كبيرة سجلت حضورها في المشهد الثقافي العربي بقوة، ولي أيضًا تجربتي الخاصة التي تختلف عنهم وتتعلم منهم. 

الشاعر أحمد بخيت، يمثل تجربة كبيرة عمرًا، ومنجزًا عمره ربما يفوق عمري، لذا فإن حضور اسمه في هذا السياق مجحف. هذا لا يقلل من شأن الصديقين يحيى الحمادي ومحمد عبدالباري، فهما أيضًا ذرى شاهقة ومتجددة، ولكل منهم مساره الخاص.

زين العابدين الضبيبي

 عمومًا لا أرى أنه من الانصاف المقارنة بين الراحلين من الشعراء، فكيف بالأحياء منهم، والذين لايزالون يقدمون الجديد كل يوم؟!

أقول إنهم محقون، فأنا أستطيع أن أتقمص أسلوب البردوني، ويأتي غيري ليخدعهم بقصيدة من قصائدي يقوم بنسخها من صفحتي وشطب اسمي ونسبتها للبردوني، فيصدقونه، لأنهم لم يقرأوا البردوني؛ وهذا هو الخلل! 

إذا أردتُ أنا وغيري فنستطيع أن نقلد البردوني الآن، متعمدين ذلك، كما قلدناه غير متعمدين في بداية مشوارنا، وقد نكتب ما يشير إلينا دون تأثر أو تقليد، قصيدة سياسية، فيقوم طرف باستغلالها ونسبتها للبردوني والترويج لها، كما حدث لقصيدتين من قصائدي التي كتبت عشرات القصائد أفضل منهما، لكنها لم تنل حظها من الشهرة، لأنها لم تنسب للبردوني!

لا أنكر التأثر النسبي في القصيدتين، بقدر ما أنكر على من يُصدق نسبتهما للبردوني، في ظل سهولة البحث والتحقق، ولأنهما تتحدثان عن الواقع المعاش.

الضبيبي: أقول بكل صراحة إنه في زمن كهذا على الشاعر أن ينزل من برجه العاجي وأن يعيش ويوفر العيش الكريم لأطفاله بالشعر أو بسواه

ومرد ذلك في رأيي، لأننا مجتمع متدين بالنقل، وقارئ بالنقل، ويتزوج بالنقل لصفات العروس عن أمه، ولهذا فيسهل خداعه، إذ لم نحسن على الأقل قراءة منجزنا الثقافي القديم برموزه فضلًا عن الجديد منه.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة أحمد عبد الحسين

حوار| عهود المخينّي: الترجمة أَحدُ أبواب اللغة