22-مايو-2019

ضجيج العصر وتشريح الفاشية (ألترا صوت)

عهود بنت خميس المخيني مترجمة من عُمان، صدرت لها ترجمتان مهمتان لكتابين هما: "ضجيج العصر" للروائي الإنجليزي جوليان بارنز و"تشريح الفاشية" لروبرت باكستون. هنا وقفة مع أفكارها ورؤاها حول الترجمة ودورها.


  • لماذا اخترت مسلك الترجمة؟ كيف حدث ذلك؟

توقفتُ عند "اخترت". هل اختَرْتُها؟ لا أحسبُ ذلك. الترجمة أَحَدُ أبواب اللغة. دخلت ولم أعرف المخرج. وما أزال عالقة بحرية.

عهود المخيني: أهتمُّ بنوعٍ معين من الكتب. تلك التي تكون في المنتصف، بين اللغة والسياسة، وبين السياسة والتاريخ

في سنتي الجامعية الثانية، كان مقرّرًا علينا في خطة التخصص دراسة الترجمة، من الإنجليزية إلى العربية، بأساسياتها. وهناك كان الباب. كنت مأخوذةً باللغة وما زادني ذلك المقرر إلا حبًّا في المكوث أكثر. كانت البداية بسيطة، مجرد نصوص تطبيقية للممارسة. بعدئذٍ، أحببتُ الأمر وما طفقت أترجم! بعد المحاضرات، أصاحب المعاجم وأبحث عنها لكَمٍّ معجمي أوفر. ثم شرعت في اختيار بعض النصوص، باختلاف أنواعها، لأترجمها ثم أطلب من أستاذ الترجمة الكريم – باركه الله – أن يقيِّمها ويعلق عليها. كان ذلك كله ذا جدوى. كان يقول لي أستاذنا الفاضل: تخصصي في الترجمة يا عهود. لكنني آثرت أن أدرسَ الأدب الإنجليزي وأترجم، وكبرت العلاقة مع الترجمة، ونحنُ هنا اليوم، الشاهدُ بيني وبينها اللغة.

اقرأ/ي أيضًا: حوار مع 3 مترجمين.. في ضباب الترجمة ويأسها

  • ما الذي يجعل الكتاب مغريًا للترجمة ونقله إلى العربية، وهل تلتفتين كثيرًا لما يكتب من مراجعات ونقد للكتب التي تهتمين بترجمتها؟

أهتمُّ بنوعٍ معين من الكتب. تلك التي تكون في المنتصف، بين وبين، بين اللغة والسياسة، وبين السياسة والتاريخ وبين الأدب والسياسة وأولع بالتنظيرية منها. ولا ألتفتُ كثيرًا لما يُكتَبُ من مراجعات في الكتب التي أنوي ترجمتها. في حالات معدودة، قد يجدي المكتوب فيها من آراء، لكن لا يؤثر ذلك كثيرًا في فكرة الشروع بالترجمة.

  • هل تمارسين عملك متأثرة بنظريّة محددة أو مقاربة ما للترجمة؟ وما أبرز ما يكون بجوارك أثناء الترجمة؟

لا. إلى جانب صفحات الكتاب الذي أترجمه، بعض المعاجم للضرورة، وقهوة دومًا. ما أتوخَّاهُ دومًا – إن أمكَنَ – قول ما يقوله الكاتب برمته مع الحفاظ على خصوصية اللغة. ليسَ هذا صعبًا ولا سهلًا، لكنه تحدٍ. والجميلُ في الأمر خَبر لغة الآخر. يشدُّني أكثر ما يشدُّني في اللغة التي أترجِمُ منها، إن عربية أم إنجليزية، طريقة تفكير الكاتب باللغة. وهنا المتعة، كيف أستطيع أن أكتبَ فكره بلغتي دون مساس، بفعل هو الترجمة. ويختلف ذلك حتمًا كل مرةٍ.

تنشأ علاقة جميلة في كل رحلةٍ، لها خصوصية زمانها ومكانها وشخوصها. وأحبُّ هذا التطور الذي يُدخِلُ المترجم عالمًا يحبُّهُ يأخذُ وقته فيه، وهذه الرحلات سفر بكسرِ السين وفتحها، ولا بد أن تكون ثرَّةً.

  • الحديث باسم الموتى لعبة خطرة أتقنها بارنز في "ضجيج العصر"، ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتها في ترجمة هذه الرواية؟

أتصوَّرُ أن أكثر ما قد يشق على المترجم أثناء عمله هو شح المصادر أو تعذرها. سيظل يقتفي أثر المصطلح ليصلَ إلى أصله، وقد تطول العملية هذه أو تقصر تبعًا لتيسر سبل الوصول للمصدر. وهذا الحال يسري على ضجيج العصر وتشريح الفاشية وغيرها من الترجمات التي تضم بعض المصطلحات المستغلقة.

وفي هذا السياق، دعني أطري على جوليان بارنز القارئ الحذق. هذا الاسم الروائي ذكي، لا في السرد فقط بل في ربطه. يجيدُ التنقل بخفَّة بين القارات والأماكن والشخوص والمشاعر بطريقة تجعلكَ تقفُ في مكان ما، تشاهدُ بصمت وتوجُّسٍ شوستاكُڤِتش في محادثته التاريخية مع ستالين، تخشى من الطغيان معه. ثم إلى مكان آخر أيضًا، دون انقطاع، ترى ركض الملحن المضطهَد إلى جانب رفاقه فرحًا بلينين. لن تشعرَ بالانقطاع وغربة الشخوص الميتة. أجادَ بارنز في روايته السيرية هذه تفريغ حياة بأكملها في قالب أدبي جميل.

  • قدّمت للقارئ العربي أيضًا ترجمة "تشريح الفاشية" لروبرت باكستون، وهو أحد أهمّ الكتب التي تناولت بإيجاز وتركيز تاريخ الفاشية في محاولة لتفسير نشوئها، لم أقدمت على ترجمة هذا الكتاب، وما هي أهمّيته اليوم مع تجدد صعود الفاشية اليوم حول العالم؟

قبل أن أقدِّمَ للقارئ العربي ترجمة تشريح الفاشيَّة، قَدَّمتها لنفسي، لِأفهَم. لمعت الفكرة في رأسي ولم تخفت. بعد اطِّلاعي على الكتاب، ارتأت لي فكرة ترجمته، لأسباب كائنة فيه، ليس آخرها أهميته. منطلق الكاتب في تقصِّيهِ للحركة بأفعالها لا شعاراتها وأقوالها مجرَّدَةً جانبٌ آخر. وهذا لافتٌ.

عهود المخيني: قبل أن أقدِّمَ للقارئ العربي ترجمة "تشريح الفاشيَّة" قَدَّمتها لنفسي لِأفهَمَ

الأهمية كامنة في أن الكتابَ يوفر للقارئ مفهومًا للحركة بتشريحها، بذلك يتبينُ القارئ معالم الحركة ويرى تمظهراتها حوله. وهذا ديدني بشكل أو بآخر في انتقاء ما أترجمُ. كما أقول دومًا، شأني اللغة؛ اللغة وما تقول وهي في السطور. الفحوى مهمة، لكن اللغة لا تقلُّ أهميَّةً. قد يكون عدلًا أن أناصفَ المهمة كلها؛ أُسدِي لكاتب النص خدمةً بتعريف كتابه للغة أخرى هي العربية وأنتفعُ كثيرًا باستمتاعي حين أترجم، اسمح لي أن أقول، حين أعزفُ الكلمات في الضفة الأخرى، حين تأخذ طريقها من رأسي إلى لوحة المفاتيح إلى الصفحة. يهمُّني هذا كله بلا شك حين أشرعُ في ترجمة أي نصٍّ.

اقرأ/ي أيضًا: الترجمة والأدب.. ممارسة تأويلية وإبداعية

  • قليلة هي أسماء المترجمات العربيات البارزات اليوم، ما الذي يقف وراء ذلك في رأيك؟

أولًا، إن تحدثنا عن البارز من الأسماء، فهي قليلة للجنسين. ثمة الكثير. لكن من البارز ومن المترجم؟ هذا شأن آخر. وفي شأن الكثرة، لا شيء يحول دون ذلك غير المترجم نفسه. أعني أن الوسائل متاحة والسبل متيسرة نسبيًّا، وعلى المترجم أن يهمَّ ويترجم فقط. أفرحُ كثيرًا بأعمال الترجمة والإصدارات الجديدة وأحتفي بها. ويسرني أن أرى اهتمام بعض الأسماء. لكن لا أُسَرُّ بالوفرة قدر سروري بالجودة والعمل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جائزة BTBA تحتفي بالأعمال العربية المترجمة

5 كلمات ألمانية عصيّة على الترجمة