05-يوليو-2023
gettyimages

الخلافات حول توزيع عوائد النفط تتفاقم على مدار الأشهر الماضية (Getty)

تتزايد التهديدات بوقف إنتاج وتصدير النفط الليبي، وكان أحدث تهديد في هذا الصدد ذلك الذي لوّح به الجنرال المتقاعد خليفة حفتر الذي حذّر من اللجوء للخيار العسكري ما لم يتم توزيع وتقسيم عائدات النفط بشكل عادل حسب زعمه خلال الشهرين المقبلين. 

التقديرات تشير إلى أن حفتر يحاول إنقاذ أوضاع معسكره المتهاوية والضعيفة

وكانت الخلافات حول آلية توزيع الإيرادات النفطية بين الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا، التي يقودها عبد الحميد الدبيبة في الغرب والحكومة المعينة من طرف مجلس النواب في طبرق قد أخذت في التفاقم منذ فترة، ووصلت الخلافات أوجها بدخول حفتر على خط التهديدات التي تنذر بتداعيات قد تطال أسواق الطاقة العالمية في حال توقف إنتاج حقول النفط في ليبيا.

كما تضع الخلافات بين الفرقاء الليبيين مصير رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة على المحك.

وتتزامن هذه التطورات في ملف النفط الليبي، مع تراجع احتمال إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية الهدف الرئيسي من ورائها إنهاء الانقسام.

وفي التفاصيل، دعا الجنرال المتقاعد خليفة حفتر في خطاب جديد له إلى "تشكيل لجنة لتوزيع عادل للثروات النفطية"، ومنح حفتر "مهلة حتى نهاية أغسطس/آب المقبل، قبل أن تدخل قوّاته لحسم خلافات إيرادات صادرات النفط الليبي".

من

ويزعم حفتر وشركاؤه في شرق ليبيا أن البنك المركزي يوزع الجزء الأكبر من عائدات النفط على الحكومة المنافسة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة ومقرها طرابلس، على الرغم من أن النفط يتم إنتاجه في حقول تقع إلى حد كبير في شرق البلاد.

في المقابل، أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، خلال لقائه الإثنين الماضي برئيس المؤسسة الوطنية للنفط بن قدارة، على "الشفافية والتوزيع العادل للثروة في البلاد".

يشار إلى أنّ إنتاج وتصدير النفط الليبي قد توقّف عدّة مرات، تارة بشكل كلّي وأخرى بشكل جزئي، خلال السنوات الماضية، بسبب النزاع المستمر منذ سنوات بين الغرب والشرق.

وفي أول رد فعل حثّ المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند المسؤولين في شرق ليبيا على عدم تعطيل الإنتاج، مؤكدًا حرص واشنطن على استمرار تدفق إنتاج النفط الليبي، فمن شأن وقف تدفقه أن يؤدي إلى "تداعيات مدمّرة على الاقتصاد الليبي".

ودعا المبعوث الأمريكي الفرقاء الليبيين "لوضع آلية شاملة للتحكم في الإيرادات النفطية بصفة بنّاءة لمعالجة التظلمات حول توزيع عائدات النفط دون المخاطرة بسلامة اقتصاد ليبيا أو الطبيعة غير السياسية للمؤسسة الوطنية للنفط".

getty

وأثارت تصريحات المبعوث الأمريكي انزعاجًا كبيرًا في شرق ليبيا، حيث اتهمه المسؤولون هناك بالتدخل في الشؤون الداخلية، إلا أنه تجاهل الهجمات الشخصية التي شنت عليه بسبب تعليقاته قائلًا قبل خطاب حفتر: "إن القضية المهمة المتعلقة بكيفية توزيع عائدات النفط الليبية كانت إحدى القضايا الكامنة وراء الصراع في ليبيا، لذا يسعدني أن تعليقاتي الأخيرة قد ولدت مثل هذه الفائدة. النقاش بين القادة الليبيين".

وبالعودة إلى تهديدات حفتر التي أطلقها على هامش اجتماع مع قيادات عسكرية، فقد اتهم الجنرال المتقاعد "حكومة الوحدة الوطنية ومصرف ليبيا المركزي في طرابلس بالفساد وإهدار المال العام"، وفق مزاعمه.

وتحدث حفتر في كلمته عن "كوارث مالية في إدارة توزيع عوائد النفط" في إشارة إلى تقسيم تلك العائدات من طرف البنك المركزي الذي يتهمه بالانحياز لحكومة الدبيبة، قائلًا: "إن بيانات المصرف المركزي تفيد بأن الاعتمادات المستندية لعام 2022 وُزِّعَت على 1646 شركة، كان نصيب المنطقة الشرقية 7%، ولم تحصل المنطقة الجنوبية إلّا على 2% من مجموع هذه الاعتمادات".

وجاءت تهديدات حفتر عقب تهديدات أطلقتها "الحكومة المكلفة من برلمان طبرق"، حيث هدد رئيسها أسامة حماد "بإيقاف إنتاج وتصدير النفط، في حال عدم تمكين الحارس القضائي من مباشرة مهامه ومراقبة حسابات وأموال المؤسسة الوطنية للنفط".

وكانت دائرة القضاء الإداري بمحكمة استئناف بنغازي قد رفضت مؤخرًا الطعن المرفوع من المؤسسة الوطنية للنفط بغرض إلغاء قرار أسامة حماد بالحجز الإداري على إيرادات النفط وحسابات المؤسسة الوطنية للنفط.

وتتهم حكومة حماد الموجودة في الشرق حكومة الدبيبة بالعاصمة طرابلس "بإهدار المال العام وباستغلال عوائد النفط في شراء الولاءات بالداخل والخارج من أجل البقاء في السلطة".

يذكر أن الإنتاج الحالي للنفط الليبي يصل نحو 1.2 مليون برميل، وبحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية فقد بلغت إيرادات النفط الليبي خلال الـ5 أشهر الأولى من العام الجاري 12 مليار دولار.

أي دلالات؟

يرى الباحث السياسي الليبي فتحي الشهوبي، أن أوضاع حفتر ومعسكره "المتهاوية وضعفه الكبير"، مضيفًا في حديث لـ"العربي الجديد": "أهم رسالة ضمنها حفتر خطابه كانت موجهة لحكومة الوحدة في طرابلس، للضغط عليها لتسمح له بالحصول على أموال لإنقاذ وضعه المالي الصعب، وقد يكون ذلك مؤشرًا أيضا على انهيار الاتصالات غير المباشرة التي كانت تجرى بينه وبين الدبيبة لعقد صفقة لتقاسم السلطة، ولم يعد أمامه سوى تهديد الحكومة بإغلاق الموارد النفطية".

وأضاف الشهوبي، أن مواقف حفتر المتضاربة خلال الفترة الأخيرة تعكس وضعًا مرتبكًا يعيش وسطه، وقال: "قبل أيام دعا مجلسي النواب والدولة لتشكيل حكومة جديدة، إذا فما الداعي لتشكيل لجنة للنظر في توزيع الثروة إذا كانت الحكومة الحالية التي يتهمها بالفساد سوف تحل محلها؟".

وتابع الشهوبي "لو كان حفتر يمتلك قوة عسكرية كافية لتنفيذ تهديداته، لما تأخر حتى الآن، وباعتقادي أن دعوته قواته للتأهب هدفها الآخر هو رفع معنويات مقاتليه المنهارة، خصوصًا مع الضيق المالي الذي يعاني منه وعدم قدرته على دفع رواتبهم، واستهداف قاعدة الخروبة قبل أيام، وهي حادثة بكل تأكيد لها وقعها السيئ على نفسية ومعنويات مقاتليه".

getty

من جانبه، رجح الناشط السياسي مالك هراسة أن يوقف حتفر تقدم النفط، معتبرةً ما قال: "رسالة للخارج الذي ركز في جزء من كلمته عليه، خصوصا نقده وتهجمه على السفراء الأجانب، والرسالة مفادها أنه لا يزال يمتلك أوراق مؤثرة". وأشار هراسة في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن كلمة حفتر جاءت بعد ساعات من ترحيب السفير الأميركي بتقدم في المداولات بين مؤسسات ليبية حول مسألة توزيع موارد النفط.

وحول المهلة التي وضعها حفتر قبل تنفيذ تهديده، قال هراسة: "حفتر يدرك جيدا أنه لن يتمكن من قفل النفط في الوقت الحالي لتنفيذ تهديداته للوصول الى هدفه بلفت أنظار المجتمع الدولي لأوراق قوته، لكنه يستطيع ذلك ما بعد أغسطس/ آب".

وأوضح هرسة أن "السعودية وروسيا أعلنتا أنهما سيستمران في إنتاج النفط بالمستوى المنخفض الحالي الذي لا يتجاوز مليوناً و500 ألف برميل حتى أغسطس، ولذا يدرك حفتر أن قفل النفط حاليا سيزيد من انخفاض الإنتاج العالمي للنفط ويحدث أزمة لا يقدر هو على مواجهتها مع الدول الكبرى، ولذا ربما قد ينفذ تهديده بعد أغسطس، حيث لن يؤثر توقف تدفق النفط الليبي بعد رفع السعودية إنتاجها، وكذلك روسيا".

الخلافات حول آلية توزيع الإيرادات النفطية بين الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا، التي يقودها عبد الحميد الدبيبة في الغرب والحكومة المعينة من طرف مجلس النواب في طبرق قد أخذت في التفاقم منذ فترة

واعتبر هرسة، أن تهديد حفتر بملف النفط لا يتجاوز كونه مناورة منه قبله، وفي حال قام بتنفيذ تهديده، فإن ذلك "لن يتعدى بضعة أيام".