17-نوفمبر-2019

حسين السلمان (فيسبوك)

يقتفي حسين السلمان في كتابه "داخل الرؤية وخارجها: اللقطة السينمائية" (دار ومكتبة أوراق)، سيرة وتاريخ اللقطة السينمائية، أو ربّما يقترح لها أوّلًا تاريخًا وسيرة، ثمّ يذهب لاقتفاء أثرهما. الاحتمالات مُتعدّدة، والثابت أن اللقطة، بما تنطوي عليه، وبكلّ تفاصيلها، هي ما تعني وتشغل المخرج السينمائي العراقيّ.

يتطلّع حسين السلمان ويسعى إلى دراسة اللقطة السينمائية من خلال وضعها تحت مجهره بطريقة نقدية تتكئ على أُسسٍ علمية رصينة

يتطلّع السلمان ويسعى إلى دراسة اللقطة السينمائية من خلال وضعها تحت مجهره بطريقة نقدية تتكئ على أُسسٍ علمية رصينة، وأسلوبٍ يفصل الخلاصة، ويُحيلها إلى طبقتين؛ واحدة تضعنا في مواجهة جُملة أسئلة وأجوبة تدور في فلك النقد. والثانية تبتعد عنه، أو تأخذ منه مسافة مُعيّنة بحيث تكون قادرة على تقديم حكاية للقارئ نُسجت تفاصيلها، وبُنيب أحداثها على ما يُستعاد من أفلام وأشرطة سينمائية يأخذ منها المخرج العراقي لقطات ومشاهد يُمكن أن يُستضاء بها، نقديًا.

اقرأ/ي أيضًا: من يكتب تاريخنا السينمائي؟

ينطوي ما يستخلصهُ حسين السلمان على إحالاتٍ مُتعدِّدة ومُتشعِّبة، ولكنّه، رغبةً منه في البقاء ضمن خطٍّ واحد يُستدلُّ به من خلال بوصلةٍ ثابتة، ذهب نحو إحالة خُلاصاته الموزّعة على طبقتين، إلى جهةٍ افتراضية وأخرى واقعية. وبينهما شرعَ في عملية التنقيب ليُخبرنا بأنّ العمر الحقيقي والافتراضي لأوّل لقطةٍ سينمائية امتدّ إلى 53 ثانية.

الحديث عن اللقطة الأولى في تاريخ السينما، سوف يُحيل إلى زمن السينما الصامتة، حيث اللقطة تعبيرية وبصرية في آن معًا، قبل دخول العنصر الصوتي. بمعنى أنّ زمن اللقطة الصامتة كان زمنًا للإبداع السينمائي، ذلك الذي يضمّ في قاموسه مصطلح "اللقطة القريبة" التي يرى فيها المُخرج العراقيّ مساحة أو خزّانًا من المشاعر الذي يضخّ وفقًا لمدى قدرته على استبطان ما هو غامض ومستتر في النفس البشرية. وبالتالي، تكون اللقطة القريبة ركيزة أساسية لبناء أي عملٍ دراميّ، باعتبارها تنطوي عليه، لا سيما إبّان تحولها من النسق الوصفي، إلى آخر تعبيري مهمته تغذية الحدث، ومدّه بأسباب الحياة.

انشغال المؤلّف حسين السلمان باللقطة السينمائية، والاعتناء الواضح بالتفاصيل والشكل، بين لقطة صامتة وصوتية، أو قصيرة وطويلة، بالإضافة إلى السياقات الزمانية والمكانية، وزاوية التصوير، والحوادث التي خلّفت اللقطة نفسها، سوف يدفعه إلى التوقّف عند مجموعة أفلام لاستكمال عملية التنقيب، منها: "كابريا" (1914) أوّل روائي إيطالي طويل من إخراج جيوفاني باستروني. وفيلم "لا تلمسني" (1971) للمخرج الفرنسيّ جاك ريفيت. و"هيرمايس" (2006) للمخرج الفلبيني لاف بياز. ومن خلال هذه الأفلام، يشترك حسين السلمان في السجالات حول المونتاج باعتباره وفقًا للمدرستين الإيطالية والفرنسية، تزييفًا للواقع، وتضليلًا للمتلقّي، يُسقط غالبًا الموضوع من المتن لصالح الاعتناء بالصورة فقط.

الحديث عن اللقطة الأولى في تاريخ السينما، سوف يُحيل إلى زمن السينما الصامتة، حيث اللقطة تعبيرية وبصرية في آن معًا

شروحات حسين السلمان ستمتدّ إلى المدرستين التعبيرية والسريالية، حيث سنصادف "كابينة الدكتور كاليغاري" (1919) للمخرج الألماني روبرت وين. ونكون على موعدٍ مع المخرج الفرنسي لويس بونويل بوصفه مؤسّسًا للسينما السريالية وواحدًا من آثروا هجاء الكنيسة الكاثوليكية، والفاشية، والثقافة البرجوازية. ثم سننتقل برفقة المؤلّف إلى ما يُعرف بمدرسة "السينما الخالصة" التي يوضّح سلوكها برفقة "سينما المؤلّف" طريقًا واحدًا وفقًا لرؤيته، والسبب بسيط وواضح، وهو أنّهنّ تتشاركان مسألة منح اللقطة الأهمّية المُطلقة على حساب الشخصية داخلها. وكذلك الابتعاد عن الحوارات داخل الشريط قدر المستطاع، والعناية بالصورة.

اقرأ/ي أيضًا: بشار إبراهيم.. الأمل معلّق بالسينما المستقلة

يُنهي صاحب "فيلم افتراضي" شروحاته تلك لينتقل إلى شروحاتٍ جديدة تخصّ ما اصطُلح على تسميته بـ "الموجة الجديدة" التي سيوضّح للقارئ خصائصها، ويشرح تجارب أهّم مخرجيها، ويفنّد أسباب تمرّدهم على الأساليب التقليدية، والاندفاع باتّجاه الحياة العامّة للناس، والابتعاد عن التكلّف في صناعة السينما، بالإضافة إلى المونتاج الذي وقفوا ضدّه، مُتّخذين أيضًا موقفًا من الصناعة الميلودرامية في العمل السينمائي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تجريب تجريب.. السينما التجريبية أصل السينما

رجل في الظلام.. بول أوستر والسينما