23-مايو-2018

بول أوستر

يشرّح لنا الناقد السينمائي وآشلي كلارك، في المقال المترجم الآتي، علاقة الروائي الأمريكي الشهير بول أوستر مع السينما، إذ طالما حلم في طفولته أن يصير مخرجًا، وقد فعل ذلك بمشاركة عدد من المخرجين، كتب لهم أفلامًا، وشارك في التمثيل في بعضها، حتى أنه أخرج فيلم "Lulu On the Bridge" بمفرده.


كان الروائي والكاتب المقيم في بروكلين، بول أوستر، الذي كانت أشهر أعماله "ثلاثية نيويورك" (1987) و"كتاب الحيل" (2002)، يتمتع دائمًا بعلاقة عميقة بالسينما. كان الروائي المتحمّس للسينما (قال عن نفسه في عام 2011، "كنت دومًا مجنونًا بالأفلام منذ الطفولة المبكرة")، يفكر في أن يصبح مخرجًا سينمائيًا في شبابه، لكنه شعر أن شخصيته الخجولة لن تنجح في إدارة طاقم العمل كبير الحجم في الأفلام.

بحث بول أوستر خلال كتاباته مواضيع الوجودية والإجرام والقدر، مصاغة في رواية القصص التي تردد أسئلة شخصياته المستمرة عن الهوية

بحث بول أوستر خلال كتاباته مواضيع الوجودية والإجرام والقدر، مصاغة في رواية القصص التي تردد أسئلة شخصياته المستمرة عن الهوية. غالبًا ما يقوم أوستر "بكسر الجدار الرابع"، في حين أن النقاد غالبًا ما يصفون كتابته التي تميل إلى الغيبيات بأنها ذات "سمة سينمائية".

ومع ذلك، على الرغم من الشخصيات البارزة والأجواء التي تشبه أجواء "الفيلم الأسود" التي يستحضرها بول أوستر في أعماله، فهو يرى أن رواياته بعيدة الصلة بالأفلام (على وجه التحديد: المشاهد قليلة جدًا والحوار قليل).

لكن بول أوستر قال ذات مرة: "أنا مؤمن بشدة بعدم وجود قواعد في الفن. كل مسار مختلف"، لذلك لم يكن مفاجئًا أن تصل أعماله إلى السينما، على الرغم من التحفظات حول ملاءمتها للسينما.

بول أوستر في فيلم سموك
بول أوستر ممثلًا في "Smoke"

وفي عام 1993، قام بتكييف روايته "The Music of Chance" التي صدرت عام 1990 للسينما. أخرجه فيليب هاس مع الأداء الممتاز لجيمس سبايدر وماندي باتينكين، دراما مثيرة حول اثنين من المقامرين اللذين يخططان لخداع زوج من العزاب الأثرياء في لعبة الورق، لكن الخطة تسير بصورة كارثية وخاطئة.

على الرغم من أنها ممتعة، إلا أن الفيلم يؤكد بوضوح بعض مخاوف بول أوستر. كتب جوناثان روزنباوم في مجلة شيكاغو ريدر عن وجود تنافر في إخراج هاس لأسلوب أوستر المميز: [الفيلم] سطحي بقدر رواية أوستر - بل أكثر منها، بالنظر إلى بعض الإضافات المشوشة (مثل النهاية المبتذلة). ولكن من حيث أسلوب السرد، يزيل الفيلم الكثير من المساحة للجمهور التي تفتحها الرواية للقارئ، ودون استخدام أي أسلوب سينمائي قد يعوض ذلك.

في عام 1995، تمكن بول أوستر من التخلص من بعض الخجل الذي عانى منه شبابه ليشارك في إخراج سيناريو فيلمه "Smoke" مع وين وانغ (مخرج The Joy Luck Club). الفيلم عن رواية عيد الميلاد التي كتبها لصحيفة نيويورك تايمز، والتي تدور حول متجر للتبغ يديره أوغي (هارفي كيتل)، وهو عبارة عن دراما ساحرة ومتعدّدة الشخصيات تستكشف مواضيع الحزن والأبوة والحظ. تمشيًا مع تساؤلات بول أوستر الملحة عن أفكار التأليف، تظهر في الفيلم أيضًا شخصية مؤلف يدعى بول بنجامين كشخصية مركزية (بنجامين هو الاسم الأوسط لأوستر). حاز سيناريو بول أوستر المعقد على جائزة Independent Spirit.

تبع Smoke مباشرة فيلم "Blue in the Face" (مرة أخرى شارك في الإخراج مع وانج)، احتفظ فيه بموقع متجر أوغي للتبغ كنقطة مركزية اجتماعية، وقام فيه العديد من المشاهير من أمثال جيم جارموش ولو ريد ومادونا بأدوار شرفية. تم تصوير الفيلم في ستة أيام، وكان يتكون فقط من لقطات مرتجلة لم يتدرب الممثلون عليها، وكان الفيلم فريدًا وممتعًا في حي متنوع في بروكلين.

في خضم ما كان إجازة ممتدة من الكتابة الروائية (قال الكاتب لمجلة باريس ريفيو في عام 2003، "عندما شاركت في العمل السينمائي في منتصف التسعينات، أعدت اكتشاف ملذات العمل مع الآخرين")، عاد بول أوستر للإخراج في عام 1997 (هذه المرة منفردًا). هذا كان مع فيلم Lulu on the Bridge، وهو دراما عن عازف موسيقى الجاز (كيتل) الذي أصيب بطلق ناري على المسرح. في الأصل، كان من المقرر أن يخرجه صديق أوستر ويم فيندرز، لكن بول أوستر تراجع عندما قال له أحد الصحفيين أن أفلامه الأربعة الأخيرة كانت تدور حول صناعة الأفلام.

بول أوستر في أحد المشاهد
بول أوستر ممثلًا في "The Music of Chance"

عاد بول أوستر إلى الكتابة بعد "Lulu on The Bridge" الذي استقبله النقاد استقبالًا معتدلًا، وفي مقابلة عام 2005 مع زميله الكاتب جوناثان ليتم قال"... بكل سرور، بدون أي ندم على الإطلاق، تقاعدت. لقد اعتزلت صناعة السينما". لكن هذا المنفى الاختياري لم يدم طويلًا، لأن أوستر وقف خلف الكاميرا لإخراج The Inner Life of Martin Frost في عام 2007. بطولة ديفيد ثيولس في دور المؤلف، كان الفيلم متقلب المزاج ويدور حول مخاطر الإلهاء.

في عام 1995، تمكن بول أوستر من التخلص من بعض الخجل الذي عانى منه شبابه ليشارك في إخراج سيناريو فيلمه Smoke مع وين وانغ

صوّر بول أوستر الكثير من حياته الخاصة في الفيلم، بما في ذلك صور العائلة على رفوف المنزل (التي تملكها شخصية تدعى رستاو، وهو إعادة ترتيب لكلمة أوستر)، والإشارات إلى الألعاب التي لعبها في طفولته. للأسف، كانت استجابة النقاد للفيلم أقل من جيدة، وركزت على طبيعته الخانقة والمصطنعة وشديدة الكآبة. كانت تلك هي المرة الأخيرة التي أخرج فيها أوستر فيلمًا.

على الرغم من حظ بول أوستر المتضارب مع السينما، فقد كان هناك تكرار كبير وناجح للفيلم كموضوع واضح في كتبه. الشخصية الرئيسية في "كتاب الحيل" هو صانع أفلام اختفى من العصر الصامت يدعى هيكتور مان، الذي يشبه مزيج من دور النبيل الفقير في "الطلاق على الطريقة الإيطالية"، الذي قام به مارشللو ماستروياني (1961)، والكوميديان الصامتان ماكس ليندر ورايموند جريفيث.