28-يوليو-2017

يتقدم حزب الله في معركة عرسال دون تصريح دقيق عن خسائره (أنور عمرو/أ.ف.ب)

بعد أسبوع واحد من الهجوم الذي نفذه "حزب الله" اللبناني بالتنسيق مع النظام السوري ضد مواقع فصائل المعارضة في منطقة "جرود عرسال" قرب الحدود اللبنانية – السورية، وبلدة "فليطة" بذات الموقع من الجانب السوري، أعلن الخميس عن وقف لاتفاق إطلاق بين الطرفين تمهيدًا لتنفيذ انسحاب "هيئة تحرير الشام" إلى مدينة إدلب شمال سوريا.

تمكن حزب الله خلال معركة عرسال من توسيع نفوذه عسكريًا وسياسيًا داخل لبنان خاصة وفي سوريا عامة

جرود عرسال.. حزب الله يؤمن الحدود اللبنانية – السورية

تمكن حزب الله اللبناني خلال معركته الأخيرة في جرود عرسال من بسط سيطرته على نسبة تقدر بـ80% من الشريط الحدودي مع سوريا، وتشير الخارطة العسكرية لمناطق سيطرة الأطراف المتحاربة على الحدود السورية اللبنانية، أن فصائل المعارضة أصبحت تسيطر حاليًا على منطقة "بركة الفختة" من الجهة الشرقية للجرود فقط، فيما يتواجد "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش) في مناطق (جرود القاع، ورأس بعلبك) ومساحة صغيرة من بلدة عرسال باتجاه الداخل السوري.

والخميس الفائت توصل حزب الله مع تحرير الشام لاتفاق بوساطة المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم إلى جانب طرف عربي غير معروف، ونص الاتفاق على التهدئة بين الطرفين المتحاربين، والحفاظ على سلامة اللاجئين السوريين الراغبين في البقاء في بلدة عرسال، تأمين خروج مقاتلي فتح الشام (يقدر عددهم بـ200 مقاتل) مع أسرهم، ومن يرغب من اللاجئين السوريين إلى مدينة إدلب، وأخيرًا تبادل الأسرى والجرحى والجثث بين الطرفين.

وكان فصيل سرايا "أهل الشام"، المنضوي ضمن تشكيلات الجيش السوري الحر، أعلن الأحد الفائت وقفًا لإطلاق النار مع حزب الله تمهيدًا لانسحاب مقاتليه (500 مقاتل تقريبًا) من مناطق سيطرته في جرود عرسال، وقالت السرايا بعد ثلاثة أيام من تنفيذ وقف إطلاق النار إن مقاتليها سيتوجهون إلى مناطق سيطرة المعارضة في منطقة القلمون الشرقي بريف دمشق.

ومن المتوقع أن تبدأ خلال الأيام القادمة معارك مماثلة مع تنظيم داعش المتواجد في الجرود ما لم يتوصل الطرفان لاتفاقية على غرار الاتفاقات الجارية، وتقول مواقع إعلامية مقربة من حزب الله إن مفاوضات جارية بين الطرفين محورها السماح بخروج مقاتلي داعش في الجرود إلى مناطق سيطرة التنظيم داخل سوريا، إلا أن الحزب وضع شرطًا يقضي بتسليم التنظيم العسكريين اللبنانيين المخطوفين منذ نحو ثلاثة أعوام تقريبًا.

اقرأ/ي أيضًا:  معركة جرود عرسال.. حنين حزب الله لحرب المخيمات

نتائج معركة جرود عرسال

في حال تمكن حزب الله من إبرام الاتفاق مع داعش يكون قد أمن كامل الشريط الحدودي من الجانب السوري مسيطرًا على مساحة تصل بين حمص ودمشق

استطاع حزب الله خلال المعركة الأخيرة الحصول على عدة نقاط إيجابية تصب في مصلحته ضمن إطار توسيع نفوذه عسكريًا وسياسيًا داخل لبنان خاصة، وفي سوريا عامةً نظرًا لتوافق أجنداته الخارجية مع الميليشيات التي تدعمها إيران، ويعتبر حزب الله أول جهة خارجية قدمت الدعم العسكري لقوات الأسد داخل سوريا بناء على مصالح توسع إيران الإقليمي في المنطقة.

وفي حال تمكن حزب الله من إبرام الاتفاق مع داعش يكون بذلك استطاع تأمين كامل الشريط الحدودي من الجانب السوري مسيطرًا على مساحة جغرافية تصل بين حمص ودمشق، تسمح له التنقل بحرية بين سوريا ولبنان، وتقربه من التحكم بطريق بغداد – دمشق السريع، بالإضافة لنصبه مواقع عسكرية جديدة تعزز من نفوذه في لبنان، الأمر الذي بات يقلق الولايات المتحدة وحليفتها حكومة الاحتلال، كونه أصبح أكثر تهديدًا لتل أبيب بتواجد مقاتليه قرب الشريط الحدودي في جنوبي لبنان وسوريا.

وتساعد استعادة حزب الله للجرود في استثمارها إعلاميًا بين حاضنته الشعبية في إطار حربه ضد "القوى التكفيرية" في المنطقة على حد ما يزعم، وإذا استطاع أن يستعيد أسراه الأربعة لدى تحرير الشام فإن ذلك يرفع من رصيده أكثر في أنظار مناصريه، إلا أن اللافت في معركة الجرود الأخيرة غياب إحصائية دقيقة حول عدد قتلى الحزب، حيثُ سجل مقتل نحو 20 مقاتلًا بحسب وسائل إعلامه، فيما ذكرت وسائل إعلامية مستقلة مقتل أكثر من 30 عنصرًا، وقالت وكالة "إباء" الإخبارية المقربة من تحرير الشام إن الحزب خسر أكثر من 200 عنصر خلال معركة الجرود.

في مقابل ذلك فإن انسحاب مقاتلي تحرير الشام التي تعتبر جبهة "فتح الشام" المكون الرئيسي لها، إلى مدينة إدلب سيعزز من نفوذها في الشمال السوري، بعدما أحكمت سيطرتها خلال الأيام الفائتة على المدينة مع أجزاء واسعة من ريف إدلب، وانحسار تواجد حركة "أحرار الشام الإسلامية" في مناطق محدودة من الريف الجنوبي للمدينة، حيث ترمي تحرير الشام لاستلام كامل مفاصل القرار في محافظة إدلب في إطار مساعيها لإنشاء حكم إدارة ذاتي في المنطقة.

وفضلًا عن ذلك فإن هيئة تحرير الشام كانت ملزمة بقبول شروط الاتفاق بعد أن وجدت نفسها محاصرة من كامل الجهات، فهي بعد أن ضيق حزب الله الحصار عليها، رفض تنظيم داعش في المنطقة خروج مقاتلي تحرير الشام إلى مناطق نفوذه إلا بشرط مبايعته، لذا فإن قبول تحرير الشام لشروط الاتفاق جاء كخيار أخير لتفادي الاعتقال.

كما أن بدء معركة الجرود ساعد حزب الله على إلهاء اللبنانيين عن جلسات الحكومة اللبنانية، ومقرراتها المتعلقة بسلسلة الرواتب والأجور، فضلًا على باقي الملفات السياسية والاقتصادية، إلا أنها لم تستطع أن تثني الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن توجيه التهديدات لحزب الله خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري في واشنطن.

وقال ترامب خلال المؤتمر الصحفي إن تواجد حزب الله في الشرق الأوسط يشكل تهديدًا للمنطقة، مشيرًا لمواصلته تعزيز ترسانته العسكرية، لكن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أعرب عن امتناعه عن الرد على تهديدات ترامب حتى لا يتسبب لرئيس الحكومة اللبناني والوفد المرافق له بـ"الإحراج"، وفي كلمة بثتها قناة "المنار"، الذراع الإعلامي للحزب، أكد نصرالله أنهم سيقومون بتسليم جميع المناطق التي سيطروا عليها للجيش اللبناني.

وكان معظم قادة الأحزاب اللبنانية المعارضة لسلاح حزب الله في لبنان اعتبروا في تصريحات متقاربة أن أهمية معركة جرود عرسال تكمن في أنها تساعد بتأمين لبنان من هيئة "تحرير الشام" وتنظيم داعش، لكنها جاءت على حساب تدعيم نفوذ حزب الله في لبنان مقابل الجيش اللبناني الذي كان عليه هو من يتولى معركة الجرود، مجددين مرًة ثانية رفضهم لتواجد السلاح خارج المؤسسة العسكرية، ورفضهم تدخل حزب الله عسكريًا في سوريا.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

لاجئو عرسال.. العودة قسرًا إلى حكم الجلاد برعاية الدولة اللبنانية!

مأساة اللاجئين السوريين.. هل نشهد "عرسال" جديدة في مخيم الركبان بالأردن؟