22-يوليو-2017

بسيطرة حزب الله على جرود عرسال ينهي تواجد فصائل المعارضة في منطقة القلمون الغربي (أرشيفية/ إبراهيم حتيب/ الأناضول)

فجر أمس الجمعة، أعلن حزب الله اللبناني ومعه النظام السوري، مدعومَيْن بمليشيات محلية منها عناصر تابعة للحزب السوري القومي الاجتماعي، بدء العملية العسكرية في المنطقة المعروفة بـ"جرود عرسال" ببلدة عرسال اللبنانية الملاصقة للحدود السورية، ضد فصائل هيئة تحرير الشام وسرايا أهل الشام وجيوب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي يملك تواجدًا بشكل منفصل عن الفصيلين السابقين في المنطقة.

يعيد التاريخ نفسه إذ بدا المشهد بعرسال أقرب لحرب المخيمات التي شنتها حركة أمل عام 1985 ضد المخيمات الفلسطينية في لبنان 

ومهّدت خلال الأيام الماضية حملات مكثفة تبنتها وسائل إعلامية مقربة من حزب الله، للعملية العسكرية، ظهرت بوادرها ما أُلحق من نشرات إخبارية بعد اقتحام "الفوج المجوقل" للجيش اللبناني مخيمات اللاجئين السوريين في عرسال، كون المنطقة تعتبر من أكثر المناطق التي يحتمي فيها لاجئون سوريون قياسًا بالأعداد المتواجدة داخل المدن.

حنين قيادات حزب الله لحرب المخيمات!

شكلت حلمة الدهم التي نفذها لجيش اللبناني على مخيمات اللاجئين السوريين في عرسال، نهاية حزيران/يونيو الماضي، صدمة للنشطاء اللبنانيين المناصرين للسوريين في ثورتهم ضد رئيس النظام السوري بشار الأسد. وتعالت الأصوات المنتقدة لانتهاكات الجيش اللبناني بعد الصور ومقاطع الفيديو التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، وردت عليها مجموعة من مناصري حزب الله نادت بالتصدي للحملة التي يتعرض الجيش اللبناني، وقامت بالتهجّم على اللاجئين السوريين بحجة أنهم ينالون من هيبة الجيش اللبناني.

اقرأ/ي أيضًا: لاجئو عرسال.. العودة قسرًا إلى حكم الجلاد برعاية الدولة اللبنانية!

وبدا مشهد ما قبل بدء عملية جرود عرسال أقرب لحرب المخيمات في لبنان التي شنتها حركة أمل بدعم من رئيس النظام السوري الراحل حافظ الأسد عام 1985، وقتل على إثرها مئات الفلسطينيين الذين كانوا يقاتلون جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى جانب جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، قبل أن تختلق حركة أمل ذرائع مجهولة المسببات لشن حربها على المخيمات، حتى لا تعود لقوتها العسكرية المعروفة قبل اجتياح بيروت 1982.

واليوم، وبعد مرور أكثر من ربع قرن على حرب المخيمات، اعتبرت أحزاب لبنانية أن عملية "جرود عرسال" تأتي في إطار تدارك حرب المخيمات عينها، فيما قالت أصوات مقابلة إنهم لا يريدون تكرار مأساة حرب المخيمات، لذا كان واجبًا على حزب الله أن يمهد لعمليته العسكرية بدهم مخيمات عرسال، والرفع من منسوب الاحتقان الشعبي ضد اللاجئين السوريين، حتى وصلت لما آلت إليه الأمور من تعديات بأبشع الشتائم على الشبان. وكشف تقرير مصور لقناة "الجديد" منذ أيام، إلزام بلدية "غلبون" للاجئين السوريين بأعمال سخرة يومًا واحدًا في الأسبوع مجانًا، مقابل السماح لهم بالإقامة ضمن البلدة!

ومنذ انطلاق عملية عرسال، سيطر حزب الله بإسناد جوي من مقاتلات النظام السوري، على أكثر من ستة مواقع لهيئة تحرير الشام في القلمون الغربي داخل سوريا وجرود عرسال في لبنان، ويرجع تواجد تحرير الشام في المنطقة لأكثر من ثلاث سنوات، عندما سيطرت عليها جبهة فتح الشام التي كانت تسمى جبهة النصرة آنذاك.

أهمية جرود عرسال بالنسبة لحزب الله

حذر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، قبل عشرة أيام تقريبًا، الفصائل المتواجدة في جرود عرسال من رفضها الاستجابة لمطلب انسحابهم إلى مناطق تسيطر عليها المعارضة السورية في سوريا، وإلا فإنه سيكون هناك "كلام أخير" يقضي بإنهاء وجودهم فيها بالقوة العسكرية. وظهر الحزب أنه ماضٍ لوحده في العملية دون أن ينتظر الدعم العسكري من الجيش اللبناني الذي لعب دور المراقب داخل الحدود، وأعلن لاحقًا أنه قصف بالمدفعية الثقيلة تجمعات لمقاتلي الفصائل السورية كانت تريد التسلل لداخل بلدة عرسال.

وفشلت مفاوضات بين تحرير الشام وأهل الشام وحزب الله، تفضي بالضغط عليهم حتى ينسحبوا إلى داخل سوريا، غالبًا محافظة إدلب في الشمال، لذا عمل الحزب على التمهيد إعلاميًا للعملية كونها لا تملك جدولًا زمنيًا يحدد انتهائها، فضلًا عن أنها قد تساهم في تردي أوضاع اللاجئين السوريين في مخيمات عرسال، ما ينذر في حال اقترابها من أماكن إقامتهم بسقوط ضحايا، فضلًا عن أنّ حزب الله عزّز من فكرة انتماء اللاجئين السوريين إما لداعش أو للقاعدة!

لكن بدء حزب الله –الذي يملك قوة عسكرية تفوق الجيش اللبناني في القدرات– العملية العسكرية، يكشف عن تناقضات في تصريحات يرجع تاريخها لأيار/مايو الماضي، عندما أعلن أمينه العام أنهم سلموا مواقعهم في جرود السلسلة الشرقية لجبال لبنان، إلى الجيش اللبناني لانتهاء مهامهم العسكرية فيه، ما يعكس أهمية المنطقة من الناحية الجغرافية.

تمثل جرود عرسال أهمية لحزب الله، لأن سيطرته عليها تعني إنهاء تواجد فصائل المعارضة في منطقة القلمون الغربي

وتكمن الأهمية لحزب الله في جرود عرسال بموقعها، حيثُ تتيح السيطرة عليها إنهاء تواجد فصائل المعارضة في منطقة القلمون الغربي، وتسمح له باستعادة السيطرة على بلدة "فليطة"، التي تبعد أقل من سبعة كيلومترات عن الحدود اللبنانية، وهي تتوسط الطريق الواصل بين مدينة يبرود بريف دمشق الغربي وبلدة عرسال الحدودية، أي أن تواجد الفصائل السورية داخلها يحد من تحركات الحزب في محيطها.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا سرّب "حزب الله" صور عرضه العسكري في القصير؟

واستطاع حزب الله بالاشتراك مع مليشيات تدعمها إيران، وغطاء جوي من النظام السوري، فرض السيطرة على مدن القصير والنبك ويبرود عام 2013، وجميعها مدن محاذية للحدود مع لبنان، وبالتالي فإن سيطرة النظام السوري على بلدة "فليطة" وجرود عرسال، تسمح لحزب الله بالسيطرة على كامل الشريط الحدودي مع سوريا، ويكون بذلك قد سيطر بنسبة كبيرة على الطريق الواصل من الحدود العراقية مرورًا بعمق البادية السورية حتى بلدة عرسال، وهو الطريق الذي تخطط إيران لبسط نفوذها عليه.

كما أن حزب الله أصبح يملك منظومة صواريخ إيرانية بعيدة المدى من طراز فجر وزلزال ورعد، تسمح له بالسيطرة على الحدو، وتأمين سلسلة لبنان الشرقية، الأمر الذي يقلق التقديرات الأمنية الإسرائيلية في حال نشوب حرب بين الطرفين من استهداف مستوطناتها بها. وقد ذكر تقرير لموقع "الخليج الجديد" بالاستناد لوسائل إعلام غربية، أن حزب الله يبني مصنعين لتصنيع الأسلحة والذخائر، الأول في قرية "الهرمل" شرق وادي البقاع، والثاني في حي "الزهراني" بين مدينتي صيدا وصور جنوب لبنان.

مخاوف واشنطن من تزايد نفوذ حزب الله

ويظهر أن حزب الله غير معني بالتصريحات الأمريكية إزاء تعاظم نفوذه في المنطقة، إنما يمضي قدمًا في تنفيذ مخططه بالانتهاء من "جرود عرسال"، التي تشكل حاجزًا لاستكمال تمتين النفوذ الإيراني في سوريا، فيما يعكس صمت واشنطن الحالي حصولها على ضمانات من روسيا بشأن تواجد المليشيات الأجنبية المقاتلة إلى جانب النظام السوري، وفي كلا الأمرين فإنّ واشنطن خرجت خالية من أي مكسب في الجنوب السوري، بعد أن خسرت فرصة التقدم في عمق البادية السورية بحصار قوات الأسد والمليشيات العراقية لفصائل المعارضة التي تدعمها في قاعدة "التنف"، على المثلث الحدودي مع العراق والأردن.

ولم تخفِ واشنطن مخاوفها من تعاظم نفوذ حزب الله في سوريا، محاولِةً في أكثر من مناسبة أن تحد من قدراته عبر فرضها عقوبات على شخصيات موالية له أو قطاعات اقتصادية تساعده على تمويل عملياته العسكرية في سوريا.

 على إثر مخاوفها من تعاظم نفوذه، تسعى أمريكا إلى تضييق الخناق الاقتصادي على حزب الله بفرض مزيد من العقوبات عليه

وأول أمس الخميس قدم أعضاء من الحزبين الرئيسيين في الكونغرس الأمريكي، طلبًا لزيادة القيود على قدرات حزب الله في جمع الأموال والتجنيد والضغط على البنوك التي تتعامل معها، وقبل يوم واحد من تقديم الطلب للكونغرس قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هالي، إن حزب الله يدق "ناقوس الخطر" بشأن مراكمته لترسانة أسلحته في المنطقة.

اقرأ/ي أيضًا: حرب البادية السورية.. ماراثون البوابات الحدودية

وتساعد استعادة حزب الله والنظام السوري لجرود عرسال، علاوًة على السيطرة على الشريط الحدودي، بأن يصبحا مهيآن لبدء عملية مماثلة في قرى جنوب ريف دمشق المحاذية للشريط الفاصل مع فلسطين المحتلة، ما يثير مخاوف واشنطن من اندلاع مواجهات بين المليشيات التي تدعمها إيران في سوريا وجيش الاحتلال الإسرائيلي. 

وكانت تل أبيب قد تلقت لأكثر من مرة، تهديدات من طهران بفتح معركة في الجولان السوري المحتل. وشنت مقاتلات إسرائيلية منذ عام 2013 أكثر من 15 غارة جوية خلال أوقات متفاوتة، استهدفت شحنات أسلحة إيرانية كانت متوجهة لمعقل حزب الله في جنوب لبنان.

إذن هكذا يلعب حزب الله معاركه اليوم، تحركات ميدانية بتغطية إيرانية، لخدمة أبعاد إقليمية أوسع من لبنان وحتى من المواجهة مع إسرائيل، والوقود دائمًا بتغذية التحريض على اللاجئ السوري وتجريم كل ما هو ضد الأسد بجرم الإرهاب!

 

اقرأ/ي أيضًا:

مأساة اللاجئين السوريين.. هل نشهد "عرسال" جديدة في مخيم الركبان بالأردن؟

فوبيا اللاجئين السوريين في لبنان.. عنصرية من الوزير قبل المواطن