فاجأ وزير التربية اللبناني السابق إلياس بو صعب، القيادي في التيار الوطني الحر ومستشار الرئيس ميشال عون لشؤون العلاقات الدولية، مشاهدي تلفزيون الجديد ومن خلفهم أنصار التيار بمواقف مثيرة للجدل، خلال مقابلة معه منذ أيام، حيث قال إلياس بو صعب : "كان هناك وجود سوري في لبنان والحكومات المتعاقبة قد شرّعت وجوده، على الأقل عبر جميع بياناتها الوزارية، لذلك هو لا يعتبر احتلالاً فقد كان مشرعاً من بعض اللبنانيين الذين كانوا في الحكم وهم من شرّعوا هذا الوجود".

لخلاف جان عزيز وإلياس أبو صعب  الأخير أبعادًا انتخابية وتنظيمية داخل التيار وهو مرتبط بإعادة توزيع الأحجام داخل الحزب

ورغم توقيعه لورقة تفاهم مع حزب الله عام 2006، وانتقاله التام إلى ضفة تحالف 8 آذار الملتصق بالنظام السوري، فإن التيار الوطني عادة ما يُردد أن "نضاله ضد الاحتلال السوري" في تسعينات القرن الماضي ومطلع القرن الحالي هو جزء لا يتجزأ من تاريخه، وبالتالي فإنّ أي تشكيك أو تمييع لتوصيف الاحتلال يعدّ مخالفاً للمبادئ الحزب، ومن هنا كان الجدل حول ما قاله إلياس بو صعب.

كلام إلياس بو صعب أعاد إلى الواجهة من جديد الحديث عن صراع الأجنحة داخل التيار العوني، وعن استقطاب التيار لكوادر عديدة في السنوات الأخيرة من خارج بيئة وأدبيات الحالة العونية والتي نشأت بالأساس كردة فعل على الوجود السوري: محسوبون سابقون على أحزاب موالية لسوريا من قوميين سوريين ( مثل إلياس بو صعب نفسه) وبعثيين وشيوعيين انخرطوا في التيار العوني وتبوؤوا مناصب عالية على حساب الحرس القديم في التيار، الأمر الذي أحدث انشقاقات متعددة داخل التيار، ومن الدائرة الضيقة جداً لميشال عون.

لم يتأخّر الرد على إلياس بو صعب كثيراً، ففي المساء نفسه خرجت محطة الـOTV  بمقدمة إخبارية نارية هاجمته بطريقة غير مسبوقة، حيث ورد فيها ما حرفيته "نحن لن نرد، فواجبنا أن نكون معاً، مع التيار والعهد، أكبر من العملاء المزدوجين، وأشرف من مرخصي الدكاكين وأنظف من سارقي أموال النازح، نحن أكبر لأن قضيتنا أكبر، ولأن شهداءنا أكبر، ولأن تيارنا أكبر، ولأن قائدنا أكبر".

اقرأ/ي أيضًا: سقوط الـ"otv" اللبنانية: إذلال مواطن في مقلب تافه

تفاقمت الأمور داخل التيار، بدأ الحديث عن خلاف بين إلياس بو صعب ومدير الأخبار في OTV  جان عزيز، والذي يشغل في الوقت نفسه منصب مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الإعلامية، إنها إذًا حرب المستشارين وتأكيد آخر لصراع الأجنحة داخل التيار.

جان عزيز هو الآخر لا يعد من "المحاربين القدامى"، فحتى عام 2005، كان جان عزيز ناشطاً في القوات اللبنانية، الخصم التقليدي للتيار العوني. إلا أن خلافاً مع قيادة القوات جعلته يخرج منها ويرتمي في أحضان 8 آذار، صحافياً في جريدة الاخبار، ووجهاً مألوفاً على محطات "الممانعة" يحاجج وينظّر لأدبيات وسياسات 8 آذار، ليصبح لاحقاً مدير البرامج السياسية في OTV  قبل أن يعينه عون بعيد انتخابه في فريقه الإستشاري.

إذا كان المشترك بين عزيز وإلياس بو صعب، وهما من الأسماء المطروحة لتمثيل لوائح التيار في الانتخابات القادمة، حتى الآن على الأقل، هو كونهما دخيلين على التيار، ويجمعهما حب الوصول إلى السلطة بأي ثمن، فإن لخلافهما الأخير أبعادًا انتخابية وتنظيمية داخل التيار وهو مرتبط بإعادة توزيع الأحجام داخله.

اقرأ/ي أيضًا: حرب الجديد وNBN... إعلان فضائح 8 آذار في المقدمات الإخبارية

شعبية أبو صعب وعلاقاته القوية داخل لبنان وخارجه، دفعت عون إلى التخلي عن عزيز عبر دفعه إلى تقديمه استقالته من منصبه كمستشار للرئيس

الاتهامات التي سيقت ضد إلياس بو صعب في المقدمة الإخبارية، وضعت رئيس الجمهورية اللبنانية أمام حتمية تجرع كأس مرة، من خلال التخلي عن أحد مستشاريه. شعبية إلياس بو صعب في ضهور الشوير وعلاقاته القوية داخل لبنان وخارجه، دفعت الرئيس إلى التخلي عن عزيز، عبر دفعه إلى تقديمه استقالته من منصبه كمستشار للرئيس، كأنه اختار خسارة حصان في لعبة الشطرنج ليحافظ على الوزير.

يحاول أبو صعب على الدوام التمايز عن الخطاب العوني، وإرسال رسائل إيجابية إلى الثنائي الشيعي، كتأييده انتخاب نبيه بري لرئاسة المجلس النيابي المقبل على عكس رغبة رئيس التيار جبران وانتقاده لمقدمات الOTV التي هاجمت حملات مقاطعة فيلم The Post. من جهته، ذهب جان عزيز في مقدمته إلى منطقة خطوط حمراء. الاتهامات التي تناولها، إذا صحت، لا تدين إلياس بو صعب وحده، بل تدين وتؤذي التيار بأكمله، خاصةً في هذا الظرف الدقيق "عشية الانتخابات".

ظن جان عزيز، بسبب نرجسيته ربما أو أن أحدهم غرّر به، أنه محمي في التيار فدفع الثمن. قُبلت استقالته من منصبه الاستشاري، بينما موقعه كمدير أخبار في الـOTV أصبح على المحك.

 

اقرأ/ي أيضًا:

صراع أمل والتيار في لبنان.. نقطة اللاعودة في حرب "الحلفاء الأعداء"

الادعاء على هشام حداد.. بلطجة سعودية وحسابات بيار الضاهر على المكشوف