03-نوفمبر-2016

منى حاطوم/ فلسطين

لماذا لا يزال يظهر كتاب تقليديون رغم تطور الكتابة كفن؟ سؤال يلحّ على المتابع للمشهد الأدبي في فلسطين. ولعل من بين الإجابات العديدة التي تقدم نفسها تأتي الإجابة الآتية في المقدمة: لأننا لا نقرأ، يتواصل ظهور الكتاب التقليديين. القراءة أكثر التباسًا وتعقيدًا من عملية الكتابة نفسها، وذلك لما تنطوي عليه من غموض، ولارتباطها بحقول معرفية عديدة ومختلفة، وبقول أكثر كثافة، فالحداثة بمدلولتها وشموليتها، في الكتابة بشكل خاص، والفن بشكل عام، لا تفرز أشكالها ولا مضمونها، ولا طريقة تفكيرها، بأبعادها ذات الدلالة في الوجود الإنساني، دون قراءة.

عملية القراءة لا تعني بالتأكيد نظامًا تربويًا، أو اجتماعيًا، أو دينيًا، وهي ليست بالواجب الوطني

ربما يكون أصدقاء الكتابة الآباء، هم من روج لفكرة أن الكاتب الشاب لا يقرأ، لكن في التدقيق بالإصدارات الشابة في فلسطين، أو في متابعة صفحات هؤلاء على الفيسبوك، نجد أن حركة النهوض والتطوير التي ترافق الكتابة كفن في العالم، لا تزال بعيدة عن النقاش، أو عن فهم هؤلاء، أو حتى عن نصوص هذه الإصدارات وأصحابها. 

اقرأ/ي أيضًا: الضباب والنثر الجميل

عملية القراءة لا تعني بالتأكيد نظامًا تربويًا، أو اجتماعيًا، أو دينيًا، وهي بالتأكيد ليست بالواجب الوطني، كما أنها ليست بتلك السهولة التي تبدو عليها، فأن تقرأ ماركيز مثلًا وتحب رائحة ريمودوس الجميلة في روايته "مئة عام من العزلة"، وهو يكتب باللغة الإسبانية، ثم تقرأ جورج أورويل وتحب ما كتبه عن المغرب رغم عنصريته، ثم تقرأ إلياس خوري وتحبه، ثم تصرخ مع نيكوس كازانتزاكيس: الحرية أو الموت؛ كل ذلك يعني أن عملية القراءة، شأن شخصي بالدرجة الأولى، ومصدر من مصادر الكتابة بالأساس، وأنك ككاتب، بالضرورة، يجب أن تكون منفتحًا على تجارب الآخرين، وأكثر مرونة، وأوسع فهمًا لواقعك الذي يأتي منه النص.
 
هناك حاجز أكبر من اللغة، وأكبر من الخجل والارتباك، يتعلّق بحاجز الخوف الذي يعشش في نفوسنا كبشر يتلقون تربية تقليدية، ويعيشون في مجتمعات تضعهم في قوالب منمطة مسبقة الصنع، ما يجعل العلاقة مع الكتابة تتصل بذلك التنميط والطمأنينة لما نشأ عليه الإنسان، من هنا يبدو التجريب مغامرة خروج مضاعفةً، على أطر ثقافية واجتماعية مختلفة لكنها متشابهة من حيث إنها راسخة وقارّة، لهذا يبدو الإبداع موجودًا في قدرة المرء الحيوية على التجريب، النابعة من فهم خاص لحيوية العالم، في حين أن الرضوخ لشروط الثابت والراسخ والقارّ هو ذهاب إلى سكون لا يختلف عن سكونية الموت.

سوف تختفي التقليدية، حين يدرك الكاتب أن طبيعة الكتابة وحاجاتها، تشبه طبيعة الحياة نفسها

سوف تختفي أخطاء الكاتب ويقلّ وقوعه في التقليد والنمطية، حين يدرك أن طبيعة الكتابة وحاجاتها، تشبه طبيعة الحياة نفسها، من حيث إنها رغبة متوثبة في البحث عن هواء جديد، وسعي محموم للانطلاق إلى آفاق أخرى، غير ما هو معتاد ومألوف.. في هذا السياق فقط يمكننا الحديث عن حداثة وأدب جديدين، في فلسطين وسواها.

اقرأ/ي أيضًا:

آسيا علي موسى.. ملتقى الأصوات المهمّشة

مصطفى خليفة.. القبور ترقص في سوريا