30-أكتوبر-2016

الكاتبة والناشرة آسيا علي موسى

راهنت آسيا علي موسى على الحضور الهادئ والبعيد عن الابتذال، الذي تقع فيه بعض الكاتبات، منذ أن أعلنت عن نفسها قاصّة ومترجمة، من خلال "عفوًا.. إنه القدر" عام 2001، و"أحلام مصادرة" عام 2003، و"رسائل اللحظة الأخيرة" عام 2005، و"ورسائل إلى آدم" عام 2013، وترجمة روايتي "باب القنطرة" لنجية عبير و"عيد ميلاد" لمولود فرعون عام 2007، وهي السنة التي أطلقت فيها مشروع دار نشر أسمتها "ميم".

سياسة الدعم الحكومي لدور النشر في الجزائر منحازة، ولهذا أسالت لعاب أصحاب المال

جعل ميلها إلى مفردات الهدوء والصمت والخجل والزهد في الظهور كثيرين يتوقعون الفشل لمشروعها، في ظل مشهد نشر جزائري يصارع فيه الكبارُ الكبارَ، فكيف بالصغار الوافدين بالصفات المذكورة، ذلك أن الحكومة وضعت الملايين في طريقهم، من خلال سياسة دعم منحازة، أسالت لعاب أصحاب المال على حساب أصحاب الجمال، فانتشرت دور النشر كما ينتشر الفطر بعد هطول المطر.

اقرأ/ي أيضًا: عبد اللطيف ولد عبد الله.. أن تكتب الجريمة

لم تكن القاصّة الناشرة تحتكم في طريقها الجديد، إلا إلى شغفها بالكتاب والرغبة في إضاءة طريق المبدعين المهمّشين فيه، مسخّرة جيبها وبيتها وأسرتها في توفير هذا الضوء، مترنحة بين أمل ويأس وتفاؤل وتشاؤم وإقدام وإحجام وجرأة وخوف، وكانت في الحالات كلّها تنتصر إلى الطرف الأول من الثنائية. "أعلم أنه حلم كبير وأن الواقع يشدّني إلى الوراء، ولكنني واثقة من أن العطاء بمحبة لا يخيّب أصحابه، وأن الشق التجاري مهما كانت أهدافه لا يجب أن يطغى على الشق الإنساني والروحي. شيء صغير قد ينقذ العالم قليلًا من قبحه، ويسدّ بعض بؤر الخراب".

وما جعل "ميم" تبدو مغامرة مضاعفة، أنها راهنت منذ البداية على الكتاب الأدبي شعرًا وقصة ورواية ونقدًا متخصّصًا، وعلى أقلام تشقّ طريق البدايات، في مشهد تهيمن عليه أقلام كرّسها تواطؤ الإعلام والسياسة والمال والعشيرة، فكان الأمر شبيهًا بصراع بين عصفور وعُقاب. "في العالم كله توجد دور كبيرة متخصصة في الأدب، فلماذا لا يحدث ذلك في الجزائر؟ تمنيت للجزائر دارًا كبيرة تحترم الكتاب والكاتب والقارئ وتقدم الماركة الجزائرية بكل وقار وكرامة وجمال، ولازلت أسعى ليترسخ ذلك. أعلم أن الدار لم تتقدّم كثيرًا ولا تزال تتعثر، لكن يكفي أنها فتحت باب الأمل، في وجه الجيل الجديد".

هذا الجيل الطازج الذي يحمل أدواته وأساليبه ورؤاه وغناه، ويعبّر عن واقع جديد وكتابة تختلف. "مغفل من يستهين بهذا المدّ القادم، علينا أن نفسح المجال له ليكتب حاله وحلمه وغضبه ورؤيته للحياة والجمال والقبح كما يراه. لقد آن الأوان لأن نؤمن بأن جيلًا مختلفًا سيفرض نفسه شئنا أم أبينا، فلنكن من صنّاع التغيير والمساهمين فيه، عوض الوقوف ضدّ اتجاه تيار الزمن".

بالموازاة، راهنت "دار ميم"، التي استمدّت دلالتها من "كتاب الحروف" لشيخ المتصوفة ابن عربي، على الأقلام الشابة من دول عربية أخرى، وكانت التجارب نادرة في هذا الباب جزائريًا، منها تجربة جمعية ثم دار "الاختلاف". تقول آسيا علي موسى: "نحتاج إلى أن ننفتح ونحطم هذه الحدود، نعطي ونأخذ، ثم ما الذي يمكننا غلقه وقد بات العالم مدينة صغيرة. فقط علينا أن نحرص على غربلة ما نصدره".

آسيا علي موسى: لزم ميم وقت طويل لتجد الشريك الذي يحترم خصوصيتها

اقرأ/ي أيضًا: بوزيد حرز الله.. يد عالقة في الصّلصال

جاءت الأقلام الفلسطينية في مقدّمة الأقلام العربية التي تفتحت على متونها الدار، فكانت التجربة مناسبة للقارئ الجزائري لأن يعرف شعراء وساردين من غير الأسماء الفلسطينية المكرّسة. "كانت نصوصًا تستحق أن يقرأها الجزائري، ويكتشف أسماء لا يتداولها الإعلام المجحف كثيرًا، وما زلت أكتشف دررًا تستحق أن تنشر وأن تعرف. لو كانت لـ"ميم" إمكانات بعض الدور الأخرى، لاختلف أداؤها مع فلسطين وكتّابها النادرين".

بعد عشر سنوات من المكابدة/المغامرة، باتت "ميم" حقيقة في المشهد الجزائري، وباتت تحيل على الحضور لا على الصمت، كما هو معروف في القاموس المسرحي، بما أهلها لأن تدخل في شراكات مع دور نشر عربية شبيهة في الأهداف والمنطلقات، منها الشراكة التي جمعتها مع "دار فضاءات" الأردنية، لصاحبها الكاتب جهاد أبو حشيش، حيث تمّ نشر عناوين وازنة، تأتي في مقدّمتها روايات الجزائري حبيب السايح.

تشرح آسيا علي موسى خلفية هذه الشراكة: "لزم ميم وقت طويل لتجد الشريك الذي يحترم خصوصيتها، إذ لم ترضَ أن تتعامل مع شريك ينظر إليها من علٍ، أو أن تتحيّن الفرصة لتحقق رغبات الكتّاب على حساب سيادتها واحترامها لذاتها". تضيف: "نسعى لانتشار عربي وعالمي. قد يبدو ذلك وهمًا، لكن الإيمان بالكتابة علّمنا الإيمان بالأحلام".

اقرأ/ي أيضًا:

عماد الدين موسى.. كجندي منشق وبفردة حذاء واحدة

ربيع علم الدين يفوز بـ"فيمينا": خصوصية الروائي