11-نوفمبر-2021

قرداحي في برنامج برلمان شعب

تشي السيرة الذاتية لـ جورج قرداحي بميله المبكر للسياسة، اعتقادًا منه على ما يبدو بكونها الطريق الأقصر للترقي الاجتماعي والثروة من جهة، وتحقيق الذات وامتلاك مفاتيح السلطة عبر التأثير على مصائر الأشخاص والأحداث من جهة أخرى، الأمر الذي يفسّر لنا طبيعة تفضيلاته الجامعية التي ذهبت به لتقديم السياسة على غيرها من الفروع الأخرى، خاصة الإعلام، مع أنه الفرع الذي سيتقرر فيه مصيره المهني فيما بعد.

جورج قرداحي رجل عاثر الحظ، عمل كل ما بقدرته للاصطفاف إلى جانب القوى التي أعتقد بأن لديها قدرة لتوزيره

لا يعلم المرء الأسباب التي قد دفعت قرداحي الشاب إلى التخلي عن حلمه في ولوج عالم السياسة من بابها التقليدي؛ الأحزاب والوظيفة العمومية. أهو تعجله للوصول السريع إلى السلطة؟ أم معرفته اللاحقة بالعقبات والألاعيب الحزبية التي قد تقف أمام رغبته بتبوؤ المناصب القيادية؟ أم لا هذا ولا ذاك، وإنما مجرد اعتقاد لدى الرجل بقدرته على ممارستها، من وراء ستارة غرفة تحرير الأخبار، تلك الغرفة السحرية التي غالبًا ما يكون لديها اليد العليا في تسويق الحدث، التعظيم من شأنه أو التبخيس من قدره، كما قدرتها اللامحدودة في التلاعب بالمخيال الجمعي للناس عبر دفعهم للقيام بالمبادرات أو ردات الفعل، التي تتقاطع مع الخطوط العامة لاستراتيجية الوسيلة الإعلامية.

اقرأ/ي أيضًا: أغضب السعودية وورّط الحكومة اللبنانية.. جورج قرداحي يشعل مواقع التواصل

كان لقرداحي أن يظل إعلاميًا مغمورًا على الرغم من جميع النجاحات التي حققها ضمن عمله في إذاعتي مونت كارلو والشرق 1978ـ 1994، ومن ثم في الـ MBC – FM، ذلك أن حضوره الجماهيري فيها سيظل مقتصرًا على فئة محددة من الناس، هم الأشخاص المهتمين بشؤون العمل السياسي لدولة مثل لبنان أو الدولة الفاعلة في تشكيل الأحداث فيه، لولا الفرصة الذهبية التي عرضت عليه من قبل مجموعة MBC السعودية للعب دور مقدم برنامج الترفيه البريطاني بنسخته العربية "من سيربح المليون"، الذي سيتيح له الظهور بمظهر الإعلامي المحايد الذي لا يختلف على نزاهته ودماثته أحد، ما دام كل همه ينحصر بالسعي لإسعاد المتنافسين بالفوز بإحدى جوائر البرنامج الثمينة، كل ذلك دون أن يبعده عن ممارسة السياسة من بابها الدعوي أو الخيري، المتمثل بتظهير صورة السعودية كدولة راعية للعمل الخيري، ومن ثم أحقيتها غير المتنازع عليها في قيادة العالم العربي وشؤونه.

في إدارته لـ"من سيربح المليون"، حقّق قرداحي نجاحًا باهرًا سواء على صعيد حضوره الإعلامي أو على صعيد ثرائه الشخصي، إلا أن ولعه القديم بالسياسة من بوابة السلطة التنفيذية، بكل ما يعنيه ذلك من حضوره السياسي المباشر في الشأن الحياتي للناس والمساهمة بتقرير مصائرهم ظل على ما يبدو يقض مضجعه، ويدفعه إلى مزيد من التورط في السياسات اللاديمقراطية للفاعلين المحليين، حزب الله وحلفائه الإقليميين، سوريا الأسد وإيران الملالي، كي يتمكن من حجز مقعد له على طاولة السلطة التنفيذية، ضاربًا بعرض الحائط بجملة المنافع الشخصية التي حققها من خلال عمله طيلة العشر سنوات الماضية في مجموعة MBC الإعلامية.

مسكين هو قرداحي، فقد خانته حصافته الاجتماعية كإعلامي من الاستفادة من دوره المبتكر في برنامج "المسامح كريم" كحلّال مشاكل من الطراز الرفيع

مسكين هو قرداحي، فقد خانته حصافته الاجتماعية كإعلامي من الاستفادة من دوره المبتكر في برنامج "المسامح كريم" كحلّال مشاكل من الطراز الرفيع، في توظيف لغته الدبلوماسية التي عرف بها عند مواجهته ضرورة تقديم امتنانه لما أوصله إلى سدة الوزارة، حزب الله. فقد كان لديه متسع من الوقت لاستخدام لغة المداورة وتمييع الأمور في توصيف الدور السعودي في اليمن، من حيث كونه مسألة خاصة بسياسات الأمن القومي السعودي، لا شأن له ولا رأي اللهم سوى تمني الخير للجميع، كما هي عادته في المصالحات الاجتماعية، بدلًا من أن يضع نفسه في موضع الشخص الذي قدم نفسه كشماعة أو ضحية على مذبح الآخرين وتنافسهم السياسي.

اقرأ/ي أيضًا: جورج قرداحي يثير غضب اللبنانيين فور تعيينه وزيرًا للإعلام.. ما السبب؟

هذا عن وضعه القدري كإعلامي، أما عن وضعه القدري كسياسي فأقل ما يقال فيه أنه رجل عاثر الحظ، عمل كل ما بقدرته للاصطفاف إلى جانب القوى التي أعتقد بأن لديها قدرة لتوزيره. ففي الوقت الذي قرر فيه وضع بيضه في سلة بشار الأسد، عبر تبنيه المبكر لسرديته عن المؤامرة الكونية، شاءت الظروف أن ينتظر عشر سنوات كاملة دون جدوى، وحين عمل جاهدًا على حجز مقعده الوزاري على لائحة التيار الوطني الحرـ ميشيل عون، غرّر به الرجل وتركه يذهب صاغرًا إلى حليفه الأصغر سليمان فرنجية، وحين نزلت عليه مكرمة الدخول إلى الوزارة بدت قاب قوسين أو أدنى من خسارته لها، جراء تلك المقابلة النحس التي أودت برغبة الرجل السبيعني، الذي لا أحد يُعرف سبب إصراره المستميت للدخول في عالم السياسة اللبنانية، من باب وزارة لا تقدم ولا تؤخر في بلد مثل لبنان "كلٌّ يغني على ليلاه". كما إصراره في الدخول إليها من بابها التقليدي المتحجر، الذي يرى الحق والحقيقة في يد الممسكين بتلابيب السلطة التنفيذية، الذين تسيئهم شعارات تقدمية مثل "الشعب يريد تغيير النظام"، مصرًّا عن سبق الإصرار والتصميم على هدر كل رصيد سبق له أن جمعه من الإعلام والمجاملات والطلة الحلوة التي تبشر بالعطاء العميم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

وزير الخارجية اللبناني: اعتذار الحكومة عن تصريحات قرداحي غير وارد

السعودية تصعّد ضد لبنان عبر سحب السفراء ووقف الاستيراد.. كيف علّق اللبنانيون