03-مايو-2017

غابت جريدة "الشروق اليومي" عن الأكشاك أمس (فاروق بعطيش/أ.ف.ب)

تتميّز الصحافة المكتوبة في الجزائر بكونها رافقت المسار الديمقراطي، بالرغم من تعثراته الكثيرة، منذ أقرّت التعددية الحزبية في البلاد بموجب دستور عام 1989. ويشار إلى أن معظم الصّحف المستقلّة الأولى، أنشئت من طرف إعلاميين كانوا يشتغلون في الصّحف والمجلات الحكومية، مثل "الشعب" والمساء" و"الوحدة"، وهي من القرارات التي اتخذها رئيس الحكومة الأسبق الإصلاحي مولود حمروش.

تتحكم السلطات في الجزائر في توزيع الإشهار على الصحف المكتوبة وذلك حسب درجة الولاء للخط الحكومي مما قد يؤدي بصحف مستقلة للاندثار

ولئن كانت الصّحف الموجودة اليوم، وعددها يتجاوز الـ100 ما بين ناطقة بالعربية والفرنسية، تتمتّع بحرية كبيرة في النقد والسّخرية من الوجوه والسّياسات الحكومية، بما يجعل الحكومة في منأى عن اتهامها بالتضييق على حرية الإعلام والتعبير، إلا أنها ما تزال تتحكّم في زمام الإشهار الموزع على هذه الصحف عن طريق "الوكالة الوطنية للإشهار، النشر والتوزيع"، إذ لا يتمّ منحه للجرائد حسب كمية السّحب، بل حسب درجة الولاء للخط الحكومي، مما يؤدّي بالجرائد ذات النزعة المستقلة إلى الضمور في صمت.

اقرأ/ي أيضًا: الإعلام التونسي في 2017.. مكاسب في خطر

تتفاوت العناوين الموجودة في الفضاء الجزائري، في عدد النسخ التي تبيعها يوميًا، وفي جودة المادّة الإعلامية المقدّمة، وفي التزامها بالأعراف المهنية وبحقوق العاملين لديها، وتأتي جريدة "الشروق اليومي"، التي تمّ بعثها عام 1990 تحت مسمّى "الشروق العربي"، في طليعة الصّحف المعرّبة الأكثر مبيعًا وتأثيرًا في الرّأي العام، لانتهاجها خطًّا يدافع عن مكانة ما يسمّى في الجزائر بثوابت الأمة، منها اللغة العربية، حتى أن سحبها يبلغ مليون نسخة في ببعض المفاصل المتميزة بأحداث جاذبة للاهتمام العام.

بعد سماح الحكومة للإعلاميين ورجال الأعمال، مطلع العشرية الحالية، بإطلاق قنوات تلفزية خاصّة، بادر القائمون على جريدة "الشروق اليومي"، بإطلاق ثلاث قنوات، ما بين إخبارية وعائلية ومتخصّصة في الطبخ، وباتت هي الأخرى في طليعة القنوات مشاهدة وتأثيرًا، من بين 44 قناة موجودة في المشهد الجزائري.

أمس الثلاثاء، غابت جريدة "الشروق اليومي" عن الأكشاك، ممّا خلق بلبلة في أوساط القرّاء والإعلاميين، وتضاربت الروايات بخصوص سبب ذلك، إلى أن أصدرت سلطة الضبط الخاصّة بالسمعي البصري التي يرأسها المدير العام السّابق للإذاعة زواوي بن حمّادي، بيانًا ندّدت فيه باختراق قناة "الشروق نيوز" لقانون الصّمت الانتخابي، الذي يلزم بالتوقف عن الدعاية الانتخابية، أربعة أيام قبل يوم الاقتراع.

اقرأ/ي أيضًا: "كوابيس السلطة الرابعة".. كيف تغيرت الصحافة العربية في 2017؟

يتعلّق الأمر في الحقيقة باستضافة الصحفي خالد درارني للحقوقية سليمة غزالي، متصّدرة قائمة حزب "جبهة القوى الاشتراكية" المعارض، على مستوى الجزائر العاصمة، وقد كان خطابها شرسًا، خاصًة من زاوية نقدها لشخص الوزير الأول عبد المالك سلّال وسياسته، وهو ما أثار، حسب البعض، حفيظة الحكومة، فأوعزت إلى المشرفين على المطابع الحكومية التي تتعامل معها الجريدة التي تتبع لها القناة، بعيدًا عن أيّ وثيقة مكتوبة، بأن يتحفظوا عن الطبع.

تؤكد مصادر إعلامية جزائرية أن استضافة الحقوقية سليمة غزالي المعارضة وخطابها الشرس تقف وراء إيقاف نشر "الشروق" أمس

وحسب مصادر حسنة الاطلاع، فقد اتصل رئيس مجمّع الشروق علي فضيل بالوزير الأول ووزير الاتصال حميد قرين، وقدّم لهما اعتذاره، معترفًا بأنّ ما حدث خطوة غير مهنية، وواعدًا بعدم تكرارها، سعيًا منه إلى احتواء الأزمة ودّيًا في مهدها.

في السّياق، قال رئيس التحرير المركزي في قناة "الشروق نيوز" سامي سي يوسف لـ"الترا صوت" إن القناة اعتذرت في نشرتها الرئيسية، "فنحن مهنيون ولا نجد حرجًا في الاعتذار عن الخطأ غير المقصود، ونتحمّل المسؤولية، علمًا أن منع نشر عدد واحد من الجريدة يكلّفنا الكثير، بسبب التزاماتنا مع المعلنين".

تزامنُ هذه القضية مع اليوم العالمي لحرية الصحافة يطرح من جديد، التساؤلات عن واقع الإعلام في الجزائر، من زاوية مدى إيمان الحكومة بحرية الصحافة وحقها في نشر المعلومة، ومن زاوية مدى احترام وسائل الإعلام لأصول المهنة واحترامها للمواثيق المنصوص عليها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قضية صحيفة "الخبر" توحد صحفيي الجزائر

مخاوف من الإعلام الإلكتروني في الجزائر