02-مايو-2017

احتجاجات للصحفيين التونسيين سنة 2011 (صورة أرشيفية/أ.ف.ب)

"مكسب حرية التعبير مهدد في تونس"، هكذا حذرت منظمات تونسية ودولية اليوم، في بيان صادر عنها بمناسبة الاستعراض الدوري الشامل لأوضاع حقوق الإنسان في تونس بالأمم المتحدة، وذكرى اليوم العالمي لحرية الصحافة في 3 أيار/ مايو من كل عام.

رغم مرور أكثر من عام على المصادقة على قانون "الحق في النفاذ إلى المعلومة" في تونس فإنه لم يدخل بعْدُ حيز التطبيق

استندت هذه المنظمات إلى ما أسمته "تكرّر محاولات التضييق على الصحافة، وتعطّل تفعيل قانون النفاذ إلى المعلومة، وإعداد مشروع قانون حكومي سالب لصلاحيات الهيئة التعديلية للاتصال السمعي البصري (الهايكا) واستقلالية قرارها".

ومن المنظمات الممضية على هذا البيان، منظمة المادة 19، مراسلون بلا حدود، والشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، ومركز تونس لحرية الصحافة، وعديد المنظمات الأخرى المتابعة للشأن الإعلامي التونسي.

اقرأ/ي أيضًا: انتهاك حرية الإعلام في تونس من جديد.. السلطة متهمة

قانون النفاذ إلى المعلومة.. التفعيل غائب

بداية العام الحالي، أصدرت الحكومة التونسية "المنشور عدد 4"، الذي يمنع مسؤولي الإعلام والاتصال بالوزارات والمؤسسات العمومية من "الإدلاء بأي تصريح أو مداخلة" أو "نشر أو إفشاء معلومات أو وثائق رسمية عن طريق الصحافة أو غيرها من وسائل الإعلام" إلا بـ"إذن مسبق وصريح" من السلطات. وهو ما اعتبره الصحفيون في تونس حينها خرقًا لأحكام الدستور والقانون ولالتزامات تونس دوليًا، باعتبار الأمر التفافًا على حق الصحافة في النفاذ الحر إلى المعلومات الرسمية، ونتج عن ضغط الصحافيين والمنظمات المحلية والدولية إعلان الحكومة تعليق العمل بالمنشور في شباط/فبراير الماضي.

وخلال فترة تطبيق المنشور عدد 4 أصدرت وزارة التعليم العالي التونسية مذكرة داخلية وضعت فيها ثلاث مؤسسات إعلامية ضمن "قائمة سوداء"، وهو ما يعتبر مسًا من حق النفاذ إلى المعلومات.

ورغم مرور أكثر من عام على المصادقة ونشر قانون "الحق في النفاذ إلى المعلومة" بالرائد الرسمي (القانون عدد 22 لسنة 2016 المؤرخ في 24 آذار/ مارس 2016) فإنه لم يدخل بعْدُ حيز التطبيق، كما لم يتمّ بعث "هيئة النفاذ إلى المعلومة" التي كان يُفترض أن تباشر مهامها، في ظرف سنة على أقصى تقدير، من تاريخ نشر هذا القانون بالرائد الرسمي.

وقد أبدت عديد المنظمات التونسية استغرابها، في ذات البيان السابق، من "توقف مجلس نواب الشعب عن استكمال مسار انتخاب أعضاء هيئة النفاذ إلى المعلومة، رغم إتمام عملية فرز ملفات المترشحين منذ شباط/ فبراير الماضي". وجاء في بيانها أنها "تخشى من أن يكون هذا التعطيل مرَدُّه عدم رضا أطراف سياسية عن الأسماء المترشحة، ومحاولة منها لإخضاع الهيئة المستقلة إلى المحاصصة الحزبية". ودعت هذه المنظمات مجلس نواب الشعب إلى "تحمل مسؤولياته والمسارعة بإحداث هذه الهيئة".

الهايكا في نسختها الجديدة.. صلاحيات مبتورة؟

اعتبرت منظمات تونسية أن مشروع القانون الجديد للهايكا يسلبها صلاحياتها واستقلالية قرارها

في الأثناء، أعدت الحكومة التونسية مشروع قانون جديد للهيئة التعديلية للاتصال السمعي والبصري الهايكا، وهو مشروع القانون الذي لم تصدره بعد بشكل علني، لكن عديد الفاعلين في الشأن الإعلامي ممن اطلعوا عليه اعتبروه "سالبًا لصلاحيات الهيئة التعديلية واستقلالية قرارها"، مؤكدين أنه "عرض على استشارة متسرّعة لم يشارك فيها الخبراء ومنظمات المجتمع المدني ذات العلاقة وأنهم يخشون أن يكون فصل الحكومة هذا القانون عن قانون حرية الاتصال السمعي البصري، بهدف تشتيت القوانين وإضعافها".

وجاء في البيان، المذكور أعلاه، أن "مشروع القانون الحكومي لهيئة التعديل سلبها صلاحية فرض عقوبات مالية على وسائل الإعلام السمعية البصرية المخالفة للقوانين، وصلاحية إبداء الرأي "المطابق" في التعيينات والإقالات التي تقوم بها الحكومة في وسائل الإعلام السمعية والبصرية العمومية".

وأبدت ذات المنظمات تخوفها، بناء على مشروع القانون الجديد، من "عودة التعيينات على أساس الولاء السياسي وتوجيه الإعلام العمومي وفق أهواء الأطراف السياسية المتنفّذة"، يذكر أن الحكومة التونسية أجرت مؤخرًا تغييرات على رأس إذاعتين مملوكتين للدولة، أثارتا جدلًا واعتبرتا مخالفتين للمرسوم 116 لسنة 2011، المتعلق بحرية الاتصال السمعي البصري وبإحداث الهايكا. وتزامن عرض مشروع القانون الحكومي الجديد الخاص بهيئة تعديل الاتصال السمعي البصري مع حملة تشويه استهدفت الهايكا مؤخرًا، وانخرطت فيها وسائل إعلام وأحزاب سياسية أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: فضيحة "نبيل القروي".. حينما يتحوّل الإعلام إلى إجرام في تونس

مخاوف من تراجع حرية الصحافة..

أكدت نقابة الصحفيين التونسيين رصدها محاولات للتدخل في وسائل الإعلام العمومي من خلال تسميات تعتمد الولاءات

كانت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين قد حذرت في مناسبات متكررة، طيلة الفترة الماضية من السنة الحالية، مما اعتبرته "تراجعًا خطيرًا في مجال حرية التعبير والصحافة"، وما قد ينجر عنه من مخاطر على مسار الانتقال الديمقراطي وعلى سمعة تونس.

وجاء في بيان للنقابة، اطلع "الترا صوت" على نسخة منه، بتاريخ 27 نيسان/أبريل الماضي أن من سمات هذا التدهور: "توفر مناخ عام يضيّق على حرية الصحافة والتعبير، الاعتماد على آليات وقوانين استثنائية على غرار المحاكم العسكرية وحالة الطوارئ، واعتماد قانون مكافحة الإرهاب في قضايا النشر".

ففي السادس من نيسان/ أبريل الماضي، منعت وزارة الداخلية التونسية صدور جريدة أسبوعية استنادًا إلى قانون الطوارئ، وذلك دون إذن قضائي. وهي المرة الأولى التي يتم فيها منع صحيفة من الصدور منذ الإطاحة بنظام بن علي في 14 من كانون الثاني/ يناير 2011. ويتواصل تتبع الصحافيين في تونس على أساس قانون القضاء العسكري أو القانون الجنائي أو قوانين أخرى، عدا المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر، الذي يفترض أن يكون الإطار القانوني للبتّ في النزاعات المتعلقة بخروقات الصحافة دون غيره.

وأكدت نقابة الصحفيين التونسيين في ذات البيان رصدها "محاولات للتدخل في وسائل الإعلام العمومي من خلال تسميات فوقية تعتمد الولاءات على حساب الكفاءة، ومحاولات تهميش وإلغاء دور الهيكل التعديلي للقطاع السمعي البصري على حساب تغول أصحاب بعض المؤسسات الإعلامية، ومحاولات تمرير مشروع قانون لا يرتقي إلى مستوى المرسوم 116 والقيام باستشارات شكلية دون تشريك فعلي للهياكل المهنية".

وذكر ذات البيان، في سياق الحديث عن الوضع الإعلامي التونسي، "تصاعد الاعتداءات  الجسدية على الصحفيين في ظلّ إفلات كامل من العقاب، وتفقير الصحفيين بعدم التدخل لفرض القوانين الشغلية الضامنة لحقوقهم إضافة إلى التضييق على النفاذ إلى المعلومة".

يذكر أن التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي تعده منظمة "مراسلون بلا حدود" لسنة 2017، أبرز تراجع تونس بدرجة واحدة إلى المركز 97 من جملة 180 دولة شملها التصنيف، رغم حفاظها على المنزلة الأولى عربيًا، في ظل عدم اعتراف المنظمة بموريتانيا كدولة عربية (تصنفها في تقريرها كدولة إفريقية).

وكانت تونس قد فازت منذ أيام بشرف احتضان المؤتمر القادم للاتحاد الدولي للصحفيين سنة 2019 بعد منافسة مع روسيا. وستكون بذلك أول بلد عربي وأفريقي يحتضن الصحافة الدولية، وهو مكسب يحرص الصحفيون التونسيون أن يساهم في تعزيز واقع حرية التعبير والصحافة في تونس، رغم التهديدات المحيطة بالقطاع.

اقرأ/ي أيضًا:

الإعلام التونسي ونظرية "المؤامرة" العربية

تونس.. لوبيات السياسة والإعلام تعلن الحرب