04-سبتمبر-2017

إليوت إرويت/ أمريكا

لم يكن الطقس ماطرًا في هذا المنفى، الشمس كانت مشعة بطريقة غنجية مثيرة على زاوية المقهى. مدثرًا وجهي بدخان سيجارة أسرق منها شبابها خِفيةً من العاملين في المقهى، فالتدخين هنا غير مباح في ما يدعونها الأماكن المغلقة.

في هذا الصندوق جلست أتامل كيف البداية وماهية النهاية، أحاول عبثًا معرفة أيهما مهم أكثر، أي طرف من هذا الخيط أساسي ووجودي لصنع عقدة على الطرف الآخر، أي جانب من هذه السفينة مُغرقٌ للآخر لا محالة.

 

البعض يقول هي البداية

لحظة الخلق، لحظة الولادة، الصرخة الاولى

تتلى بالمرض الأول والشفاء

ترتيب إلهي حُفِرَ على الحجر المقدس قبل اللحظة التي تعب الله منها مللًا فخلق الأرض.

هي البداية بذرة زرعتها أولًا

أزهرت ياسمينًا في دمشق

زيتونًا في القدس وصمغًا في السودان

أو أنها عشيقة أولى تتلوها خطيئة أولى، يأتي من بعدها فراق لأرض حفظت ترابها قرآنًا ونطقت آياته صممًا، ودعوتها بأرض النوران.

أما الجانب الآخر لسفينة نوح هذه أصر على أنه النهايات، من خاتم النبيين إلى يوم القيامة.. إلى جنات عدن أو جحيم دانتي اعترافًا بالخطايا وسعيًا إلى الغفران.

ترتيب إلهي أيضًا فقدسية البداية تعادلها قداسة عند النهايات.

 

صبية حسناء قطعت عني صفوة التأمل بزرقة في عينها لدرجة جعلتها تمتلئ بالبله. تنتظر ضوءًا يسمح العبور لها إلى الضفة الأخرى لشارع يفصلها عن حبيب في الطرف الآخر، الشارع متخم بالهواء فقط وما زالت تنظر إليه وتنتظر.

حاولت التركيز مجددًا أحاول أن أتذكر في أي طرف من هذه الكوميديا الإلهية قد قطعت. هي النهاية. صوت الماء يهرب من الحوض بعد حمام ساخن أعدت خلاله ترتيب نهايات ما فعلت في آخر اليوم.

تنسيق مرتب على هيئة مقطوعة موسيقية في نهاية الافلام.

هي النهاية.

ملايين القتلى، ملايين الضحايا، ملايين العذابات.

بعد حرب فرضت علينا، خاتمة بسوداية كوميدية مشابهة لأفلام وودي آلين، أو لسخرية إله أحب نفسه فمات حين اهتزت صورته على سطح الماء.

تأملٌ أوقعني في حيرة معجزة، كلا الطرفين أصحاب حجة، حاولت أن أكون محايدًا ولذلك لم أذكر اسميهما. أردت أن يكون هذا التأمل متأثرًا بما نُدرس في حلقات الاندماج في هذا المنفى على أنه الحل لمشاكل الشرق الأوسط.

أنهيت قهوتي ومضيت سريعًا أحاول أن أمسك الباص، لغويًا حاولت اللحاق بالباص، لكنهم يدعونه هنا الإمساك، وكأنه كنز سيهرب منك، أو أنك أرتميس تحاول استعادة ألوهيتك بهذا الصيد.

الوقت هنا ليس سيفًا قد تستطيع أن تبارزه، فبالرغم من كل محاولاتهم لاختصار الوقت وزيادة الكفاءة، لم تكن نتائجه تثمر سوى عن بضعة روبوتات بشرية، وثلة من عجائز الشارع يندبون العمر. لقد قاموا باختصار النفس البشرية فلم تعد تهمهم نهاية ولا بداية، كل ما يجول في خواطرهم هو إيجاد طريقة للتلاعب بحمضنا النووي لنكون أكثر طاعة وحيادية، لنصبح عبيد الصمت مزينين بابتسامة تملأ الوجه حتى الأذنين تعبيرًا عن السعادة.

يخبروننا أن نوقف سيل اللعنات على أمهاتنا كونهن اقترن بآبائنا في تلك البقعة الجغرافية البائسة ووقعن بالحب، ويرشدوننا إلى حياة أفضل بتعاليم تخبرنا أننا غرقنا في تفاصيل الوطن حتى أضعنا أنفسنا، وعلى أنه وجب علينا أن نسلخ جلودنا المسمرة من وهج الشمس، ونغلق جراحنا ببقايا الفحم لنصبح رماديين بلا قرارات نافذة حتى على رغبة الشرب.

ويتناسون أنهم شاركونا هواءنا مئات سنين خلت، وكانوا يغصبون الطبيعة على تفاصيلهم التي تشبه بسذاجتها رواية رجل أراد أن يكون رئيسًا طوال العمر فجعلنا رمادًا وأحرق بلاده.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مع الجدار، وبكامل العري

يوميات بضغطة زر