30-أغسطس-2017

جورج ستيفانيسكو/ رومانيا

كم كنتُ حيًّا، ولم أشعر.

 

ومُبتلًا

تذكر البلل في وحشةِ العطش، ثم سهى في فضاء السّراب.

 

كم كنت ضاحكًا

كأعراس الضِّياع، وصخب ألوان الجدائل.

 

ثم بكى كعادته.. بعد أن بدأت مواسم العويل والغيم ترسم أخاديدها حول عينيه.

 

قال الغريبُ في ذكرى فرارهِ الوحشيِّ، للجدار المنتصبِ ماردًا في ممر الْحُلْم:

كان لديّٓ أيدٍ كثيرة، لأصافحها.. تكفي لاقتلاعك، ووجوه.. لأراها، وأحدّثها بالإيماء.

كان لديّ أرجل كالثّور، تحفر الحياة على وثن الرّصيف الصّلد..

وتعدو كسديمٍ شاب في خواتيم الصّيف والبلاد.

البلاد التي تتقن الصّيف، كالموّال والخابية.

 

بلادي.

 

وكان لدي بلاد

تلتمع كنصل الفضّة، كألقٍ يتأسطر، ومتسّعٌ للحكايات.. النقوش الأولى، النشوء، الكُهوف.

بلادٌ ثٓقفت صمم السّكون بالصّرخة.. وأتقنت الضّجيج.

 

وكان لدي ضجيجٌ وصوت..

ديكًا وذئبًا، كنت نايًا ورعدًا ورنين أجراس الشتاء، صوتُ العجوز الباكر، أزيز بواريد الصّيد وراء أرانب الفرو، طقطقة ثمار الكستناء على مواقد الثلج، والدِّبس الحُلو.

 

هدير السّماء إذا ولولت

والنواقيس إن نشبت الحرب نفسها في هشيم الريف، وزئير المُحارب.

 

قال الغريب:

وبنقصٍ حادٍ في الأوكسجين، أغتصب الحياة، وكأرملةٍ في الستين، يدهمني الوقت، ثقيلًا..

كهواءٍ أصفر.

 

نقص في الروتين.. الامتلاء الذي يُثخن الروتين،

وضيقٌ في نطاق الحُلم.. في خلق العدمي، بخيالات ما قبل الإغفاء، في الموسيقى، الأغنيات، الطبول الخرساء، تُقرع رجوجًا ولا تُسمع، المزامير التي تفشل في تخدير ثعابين الحقيقة، ونقصٌ في عدد الضحكات.. الكلمات، الوجوه التي تعبر، الوجوه التي تستعصي..

ونقصٌ في النقص.

 

قال الغريبُ، شاسعُ التّوِحد لظلّه المُسجّى تحت سقفٍ شحيح الضوء:

لا أزال طفلًا، ولم أكبر.

وكلما "بكلابها التي تزبد" حصرتني السّنين، كسّرت الخوف كحبة بندق، وعدت راكضًا شرق الطفولة، وكامل الوحل..

أضحكت الكثيرين، وأثرت حفيظة كل العقلاء.

وكلما تجاوزت خطوط العُمر الدّائرية، فهمت مغزى الحكاية الأول، أن العُمر حكايةٌ للتعبِ، نحو النجاة.

 

ودرستُ النجاة كما أحببتها دائمًا.. طفولةً لا بُدّ منها، وضحكًا أبلهَ على خشب الأبد.

 

ولهذا تراني واقفًا، مثلك.. وعاريًا، وحدي. ألهو بسُرّتي...

قال الغريب إلى الجدار المارد في وجه الْحُلْم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أشباح العلّية

تلك القُبلات لم تكن عن حب لذا اطمئن في موتك