23-سبتمبر-2021

صورة تعبيرية (Getty)

أحدث قرار حديث، لوزارة التربية الوطنية والتعليم المغربية، القاضي بإلغاء الامتحانات الإشهادية في مادة التربية الإسلامية، جدلًا كبيرًا في المغرب. هذا القرار يشمل المستويين السادس ابتدائي والثالث إعدادي، من خلال مذكرة وزارية حملت رقم 080/21. قبل أن تعود الوزارة نفسها، في وقت وجيز، إلى نسخ قرارها، عبر مذكرة لاحقة، حملت رقم 081/21. وذلك تحت ضغط أباء وأولياء التلاميذ، الذين عبروا عن رفضهم لهذا القرار.

تثير مادة التربية الإسلامية نقاشات مستمرة في الأوساط المغربية بشكل مستمر، وأتى قرار جديد من وزارة التربية الوطنية والتعليم ليغذي هذه الحالة

 فيما ربط نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، بين هذا الإلغاء، وصعود الليبراليين الى السلطة في الانتخابات التي جرت مطلع الشهر الجاري بالبلاد. في مقابل ذلك، أبقت الوزارة المذكورة، على الامتحانات الموحدة في مواد اللغة العربية، اللغة الأمازيغية، اللغة الفرنسية، الرياضيات والنشاط العلمي في المستوى السادس ابتدائي، الذي يعتبر هو السنة النهائية من هذا الطور التعليمي. أما في ما يتعلق بالسنة الثالثة، فقد قررت الوزارة، بعد إلغاء امتحان التربية الإسلامية، الإبقاء فقط على اللغة الفرنسية، الرياضيات، العلوم الفيزيائية وعلوم الحياة والأرض. 

الوزارة تنسخ قرارها باستعجال

عممت وزارة التعليم في محاولة منها لاستدراك قرارها الأول، بيانًا صحافيًا خصصته لتفسير دواعي صدور المذكرة الأولى. وجاء في البيان المذكور أنه "رفعًا لكل لبس، تؤكد الوزارة أن الإجراءات التي أتت بها المذكرة المعنية همت حصريًا مكون المراقبة المستمرة (الامتحانات داخل الأقسام) بالمستويات الانتقالية والمستويات الختامية للأسلاك التعليمية الثلاثة: ابتدائي وإعدادي وثانوي تأهيلي (ثانوية عامة)".

اقرأ/ي أيضًا: اليونيسف تطالب الحكومات بإعادة فتح المدارس بالكامل

واعتبرت الوزارة أن "الإجراءات لم تتضمن أي تغيير أو تعديل على وضعية المواد المحددة للامتحانات الموحدة الإقليمية والجهوية والوطنية ولا على معاملاتها والمدد الزمنية المخصصة لها". وأردفت "بما في ذلك مادة التربية الإسلامية التي كانت دائمًا مكونًا من مكونات اختبار اللغة العربية للامتحان الإقليمي لنيل شهادة الدروس الابتدائية". ​​​​​​​​​​​​​​

التربية الإسلامية خط أحمر.. يتصدر الترند

انطلقت ردود أفعال على مواقع التواصل الاجتماعي، أعقبت القرار المذكور، حيث تصدر وسم "التربية الإسلامية خط أحمر" ترند منصتي "تويتر" و"فيسبوك" في المغرب. واستنكر نشطاء مغاربة، قرار وزارة التعليم، مطالبين الوزير "سعيد أمزازي" بالتراجع الفوري عنه.

وفي هذا الصدد مثلًا كتب الناشط عبد الودود الصابري: أن "الغارة على هوية المغاربة بدأت حتى قبل تشكيل الحكومة". واعتبر ضمن منشور تشاطره على صفحته الشخصية بموقع فيسبوك، أنه "تم استغلال هاته المرحلة (يقصد الانشغال بتشكيل الحكومة الجديدة) لاتخاذ قرارات ضد الأمة المغربية" سواء من خلال "تهميش مادة التربية الإسلامية التي تم شطبها من فروض المراقبة الموحدة، وأيضًا من خلال فرض اللغة الفرنسية عبر تعميم الباكالوريا الدولية" وفق تعبيره.

التربية الإسلامية.. نقاش لا ينتهي

لا تكاد تمر سنة دراسية، دون إثارة النقاش حول مادة التربية الإسلامية، التي أضحت موضوع خلاف بين تيار محافظ يطالب بتكثيف المواد الدينية في المقررات الدراسية، وتيار "حداثي" يطالب بحذف المادة بشكل نهائي من المناهج.

 فقبل خمس سنوات فقط، وتحديدًا خلال حكومة "عبدالإله بنكيران" الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، قامت وزارة التربية والتعليم، التي كان يتولى حقيبتها  إذاك "رشيد بلمختار"، وهو "تكنوقراطي" محسوب على "التيار الفرنكفوني"، بحذف سورة "الفتح" من مقرر "التربية الإسلامية"، الخاص بمستوى الثالث إعدادي. وهو ما برره الوزير حينها بأن "السورة" المذكورة، تحرض على الجهاد، وتتضمن سردًا لإحدى غزوات الرسول، وهو ما لا يتناسب مع الفئة العمرية بهذا المستوى" على حد تعبيره.

تباين الآراء

من جانبه اعتبر الخبير التربوي "مصطفى المودن"، في حديث لموقع ألترا صوت أن "امتحان التربية الإسلامية للسادس ابتدائي في آخر السنة، أهم عائق أمام التلاميذ، بدون مردود سلوكي أو معرفي أو مهاري مهم، وأهم مشجع على الغش بأشكاله". وأضاف المتحدث ذاته أن "معظم أطفال المغرب يقضون ست سنوات في الابتدائي، دون أن تتاح لهم الفرصة، لغرس نبتة، أو رعاية كائن، أو تقديم عرض مسرحي، أو إنتاج شيء بمهارة يدوية، أو التعود على إنجاز مشروع جماعي". واستطرد قائلا أن ذلك "يتسبب في منحنا، بشرًا بخلل مزمن في الشخصية، والتعامل مع الوسط الاجتماعي والبيئي".

وعلى غرار "مصطفى لمودن"، رفض الباحث في الدراسات الإسلامية محمد عبد الوهاب رفيقي، تفسير قرار الوزارة على أنه مؤامرة تستهدف هوية المغاربة. وقال في منشور له بصفحته على فيسبوك "أن طريقة تدريس  مثل هذه المواد كلها يجب إعادة النظر فيها، لأن التعليم المعاصر لا يعتمد حشو التلميذ بكم من المعلومات، وإنما بالأساس على تلقين الأدوات وإعداد التلميذ للتعامل مع المعلومات التي باتت متوفرة بقوة خارج المدرسة، وليس ضروريًا أن تتولى المدرسة مهمة تلقينها له".  والباحث "رفيقي"، وهو أيضًا سلفي سابق معروف في المغرب باسم "أبو حفص" اعتبر أن  "الدين هو رحلة بحث، وتجربة فردية، هو حالة إيمانية وروحانية، وليست مجرد كمية معلومات، تُمنح للطفل كمسلمات".

موقف مؤسسة "إمارة المؤمنين"

كان موقف "مؤسسة إمارة المؤمنين"، التي يوجد على رأسها "الملك محمد السادس"، بارزًا بقوة في هذا النقاش، باعتبار الأدوار التي تضطلع بها، في حماية الأمن الروحي والديني للمغاربة، وفق ما ينص عليه الدستور. وأعطى الملك سنة 2015، حسب بيان صادر عن القصر الملكي،  تعليمات صارمة، للحكومة من أجل "مراجعة مقررات تدريس التربية الإسلامية، وكلف الملك حينها، كلًا من وزيري التربية الوطنية، والأوقاف والشؤون الإسلامية، "بضرورة مراجعة مناهج وبرامج مقررات تدريس التربية الدينية، سواء في المدرسة العمومية أو التعليم الخاص، أو في مؤسسات التعليم العتيق".

وأوضح البيان، أن المراجعة ستتم "في اتجاه إعطاء أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية السمحة، وفي صلبها المذهب السني المالكي الداعي إلى الوسطية والاعتدال، وإلى التسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

رسالة مفتوحة من أساتذة في جامعة ستانفورد ضد مبادرة مكافحة التجسس الصيني

نظرة على تدهور الواقع التعليمي عربيًا في اليوم الدولي لمحو الأمية